اَلْمَاْلُ نِعْمَةٌ أَوْ وَبَاْلٌ
الْحَمْدُ للهِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، اللَّطِيفِ بِالْعِبَادِ، يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ، رِزْقُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفَادٍ. أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ
وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ: } وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
هَادٍ { .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ
اللهِ :
اتَّقُوا
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا
يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ
وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ {، فَاتَّقُوا
اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ؛ يُسْأَلُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ ، وَفِي أَيِّ شَيْءٍ
أَنْفَقَهُ، فَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ
، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ
فِيمَا أَبْلَاهُ )) ، مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، أَيْ : مِنْ أَيْنَ جَمَعَهُ
وَتَحَصَّلَ عَلَيْهِ ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؛ أَيْ: أَيْنَ صَرَفَهُ وَمَاذَا اشْتَرَى
بِهِ وَمَنْ أَعْطَاهُ، هَلْ جَمَعَهُ مِمَّا يُرْضِي اللهَ، وَأَنْفَقَهُ فِيمَا
يُرْضِي اللهَ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خُطُورَةِ الْمَالِ
جَمْعًا وَإِنْفَاقًا، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَ الْحَلَالَ فِي
جَمْعِ مَالِهِ، وَأَنْ يَتَحَرَّى الْوُجُوهَ الْمَشْرُوعَةَ فِي إِنْفَاقِهِ .
وَنَحْنُ فِي
هَذِهِ الْبِلَادِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مِنْ بَابِ حُبِّنَا لِلدِّينِ وَنَفْعِ
الْمُسْلِمِينَ، وَحِرْصِ بَعْضِنَا عَلَى الصَّدَقَاتِ وَمُسَاعَدَةِ الْمُحْتَاجِينَ،
صِرْنَا مَطْمَعًا لِلطَّامِعِينَ، وَهَدَفًا لِلْمُحْتَالِينَ، الَّذِينَ يَصِلُونَ
إِلَيْنَا مُبَاشَرَةً، أَوْ عَبْرَ الْقَنَوَاتِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ وَوَسَائِلِ
الِاتِّصَالِ، وَقَدْ سَعَتِ الدَّوْلَةُ - وَفَّقَهَا اللهُ - لِقَفْلِ هَذَا الْبَابِ،
فَوَضَعَتْ الْأَنْظِمَةَ، وَقَطَعَتِ الطَّرِيقَ أَمَامَ هَؤُلَاءِ، فَأَنْشَأَتِ
الْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةَ، وَنَظَّمَتْ جَمْعَ التَّبَرُّعَاتِ، وَحَذَّرَتْ
وَأَنْذَرَتْ، عَلَى ضَوْءِ حَقَائِقَ وَوَقَائِعَ ، وَحَوَادِثَ وَأَحْدَاثٍ، وَأَشْيَاءَ
ثَابِتَةٍ، وَوَاللهِ إِنَّهَا لَتَسْتَحِقُّ مِنَّا الثَّنَاءَ وَالدُّعَاءَ، وَمِنْ
وَاجِبِنَا نَحْنُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلًا
أَنْ وَفَّقَ وُلَاةَ أَمْرِنَا إِلَى التَّصَدِّي لِهَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ الْكَذَبَةِ
الْمُحْتَالِينَ، ثُمَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
جَاهِدِينَ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِنَا ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِنَا،
وَالْمَجَالُ - وَللهِ الْحَمْدُ - مَفْتُوحٌ أَمَامَنَا، بَلْ وَمَضْمُونٌ - بِإِذْنِ
اللهِ تَعَالَى - لِتَصِلَ نَفَقَاتُنَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلِمَنْ هُوَ بِحَاجَتِهَا،
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَتَحَرَّوْا فِي دَفْعِ أَمْوَالِكُمْ، وَوُصُولِ
نَفَقَاتِكُمْ عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الْمُصَرَّحِ لَهَا، وَالْمَعْرُوفَةِ طُرُقُهَا
جَمْعًا وَتَوْزِيعًا .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا خَالِصًا ، إِنَّهُ
سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ
كُلِّ ذَنْبٍ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ إِحْسَانَ
الظَّنِّ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ ، أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَحَثَّنَا عَلَيْهِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ { وَلَكِنَّ الطِّيبَةَ
الزَّائِدَةَ ، وَالسَّذَاجَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ، يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا وَالْبُعْدُ
عَنْهَا، وَكَمَا أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ )) ، وَكَمَا
أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (( الْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ )) وَكَمَا قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لَسْتُ بِالْخِبِّ وَلَا الْخِبُّ يَخْدَعُنِي. أَحْسِنِ
الظَّنَّ بِالْمُسْلِمِينَ، احْمِلْهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَلَكِنْ لَا عَلَاقَةَ
لِذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ إِحْسَانُ ظَنِّكَ بِهِمْ وَسِيلَةً لِنَهْبِ أَمْوَالِكَ،
وَسَلْبِ ثَرَوَاتِكَ .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يُفَقِّهَنَا
جَمِيعًا فِي هَذَا الدِّينِ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ يَا حَنَّانُ
يَا مَنَّانُ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ
رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا
طَاعَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَكُلَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنَا لِرِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ
أَمْرِنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا ، وَأَصْلِحْ
لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ، اللَّهُمَّ
اجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِينَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
{ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
|