اَلْحَثُّ عَلَىْ اَلْنَّزَاْهَةِ وَاَلْأَمَاْنَةِ وَاَلْحِفَاْظُ عَلَىْ اَلْمَاْلِ اَلْعَاْم
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ تَأْدِيَةَ الْأَمَانَةِ مِمَّا أَمَرَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِهِ ، وَأَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ ، وَفِي حَدِيثٍ صَحِيْحٍ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ » . وَاَلْأَمَانَةُ خُلُقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا اَلْدِّيْنُ ، وَأَثْنَىْ عَلَىْ أَهْلِهَاْ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَمَا ذَكَرَ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُفْلِحِينَ : ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ، ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِمْ ؛ تَمَيُّزُهُمْ بِحِفْظِ الْأَمَانَةِ فَقَالَ : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ . وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنَّ حِفْظَ الْأَمَانَةِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالدِّينِ ، وَلِذَلِكَ ضَيَاعُ الْأَمَانَةِ ، وَإِسْنَادُ الْأُمُورِ إِلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا ، عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عِنْدَمَا جَاءَهُ الْأَعْرَابِيُّ يَسْأَلُ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ : « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » ، قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» ، مَعْنَى وُسِّدَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ؛ أَيْ: تَوَلَّاهُ غَيْرُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفُجُورِ . فَإِذَا كَمُلَ الْإِيمَانُ ، وَوُجِدَتِ التَّقْوَى ؛ وُجِدَتِ الْعِفَّةُ وَالنَّزَاهَةُ ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ عَفِيفًا عَنِ الْحَرَامِ نَزِيهًا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمَشْبُوهَةِ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ لِأَمَانَتِهِ ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَرَّ بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ : « لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا » . تَخَيَّلْ ـ أَخِي الْمُسْلِمُ ـ تَمْرَةً ؛ وَلَكِنْ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الزَّكَاةِ ؛ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ،لَأَكَلَهَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، مَا الَّذِي مَنَعَهُ ؟ خَوْفُهُ وَتَقْوَاهُ ، أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِلُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبَهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ » إِذَا فُقِدَتِ التَّقْوَى ، وَخَفَّ مِيزَانُ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ ، أَكَلَ الْخَوَنَةُ لِآمَانَاتِهِمُ التَّمْرَةَ وَمَا أَكْبَرُ مِنَ التَّمْرَةِ ، أَكَلُوا الْمَلَايِينَ الْمُمَلْيَنَةَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ ، الْمُخَصَّصَةِ لِمَصْلَحَةِ وَمَنْفَعَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، الَّتِي أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا أَشْنَعُ وَأَخْطَرُ مِنْ أَكْلِ غَيْرِهِ ، فَفِي حَدِيثٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ : افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، ولَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا ولَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ والإِبِلَ والمَتَاعَ والحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا » . فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ -أَوْ بشِرَاكَيْنِ- فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« شِرَاكٌ -أَوْ شِرَاكَانِ- مِنْ نَارٍ » . الشِّرَاكُ سَيْرٌ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ لُبْسِ النَّعْلِ ، مِثْلُهُ مِنْ نَارٍ لِمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ يَا عِبَادَ اللهِ . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ . بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ قَضِيَّةَ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ ، وَانْعِدَامِ الْعِفَّةِ وَالنَّزَاهَةِ ، وَالتَّعَدِّي عَلَى الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ ، مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ لَا يُسْكَتَ عَنْهَا ، بَلْ يَجِبُ التَّعَاوُنُ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ فَقَالَ : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ وَفِي ذَلِكَ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهُا : أَوَّلًا : إِقَامَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، الَّتِي نَالَتِ الْأُمَّةُ الْخَيْرِيَّةَ بِسَبَبِهِ ، وَلَا نَجَاةَ لَهَا إِلَّا بِإِقَامَتِهِ : يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا » . ثَانِيًا : تَنْفِيذُ مَا تَقْتَضِيهِ الْبَيْعَةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ ، الَّذِينَ لَمْ يَأْلُوا جُهْدًا ، وَلَمْ يَدَّخِرُوا مَا بِوُسْعٍ ، مِنْ أَجْلِ مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَأَهْلِهِ ، وَمَا تَقُومُ بِهِ نَزَاهَةٌ ؛ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ . ثَالِثًا : إِنْقَاذُ الْفَاسِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ . وفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ » . يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ : فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ : فَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ إِلَّا بِرَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ ، وَالْخُرُوجِ عَنْهُ ، عَيْنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ؛ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ . فَالتَّخَلُّصُ ـ أَخِي الْمُسْلِمُ ـ مِمَّا تُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، خَيْرٌ لَكَ وَأَنْفَعُ ، وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ : شِرَاكُ نَعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أَسْأَلُ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الدِّينِ ، وَمِنَ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينَ ، لَا مِنَ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ إِنَّهُ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ ، وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ . |