سَلَامَةُ الْمَسَاكِنِ ـ التَّعْدَادُ
السُّكَانِيُّ
الْحَمْدُ للهِ
الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، أَنْزَلَ الْكِتَابَ } يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ {
. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، } هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ {
، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ،
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ
التَّنَادِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى
اللهِ عز وجل وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ
بِهِ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ، يَقُولُ عز وجل فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{ ، وَيَقُولُ عز
وجل مِنْ قَائِلٍ: } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، فَاتَّقُوا
اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- ،
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
إِنَّ
مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا اللهُ عز وجل عَلَى عِبَادِهِ:
نِعْمَةَ الْمَسَاكِنِ؛ هَذِهِ الْبُيُوتُ الَّتِي هَيَّأَهَا اللهُ لَنَا،
لِتُعِينَنَا عَلَى ظُرُوفِ الْحَيَاةِ، تَسْكُنُ بِهَا نُفُوسُنَا، وَتَرْتَاحُ
فِيهَا أَجْسَادُنَا ، وَنَأْوِي إِلَيْهَا مَتَى شِئْنَا مِنْ أَوْقَاتِنَا،
وَنَنْعَمُ فِيهَا فَلَا يَصِلُ إِلَيْنَا بَرْدُ الشِّتَاءِ، وَلَا تُؤَثِّرُ
بِنَا حَرَارَةُ الصَّيْفِ، وَنَسْتَتِرُ فِيهَا عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ. يَقُولُ
عز وجل مُذَكِّرًا لَنَا بِهَذِهِ النِّعْمَةِ: } وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ
مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا
تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ {
يَقُولُ ابْنُ سَعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: يُذَكِّرُ
تَعَالَى عِبَادَهُ نِعَمَهُ، وَيَسْتَدِعي مِنْهُمْ شُكْرَهَا، وَالِاعْتِرَافَ
بِهَا فَقَالَ تعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ
سَكَنًا{ فِي
الدُّورِ وَالْقُصُورِ وَنَحْوِهَا، تُكِنُّكُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ،
وَتَسْتُرُكُمْ أَنْتُمْ وَأَوْلَادَكُمْ وَأَمْتِعَتَكُمْ .
فَهَذِهِ
الْبُيُوتُ الَّتِي نَسْكُنُ فِيهَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ
اللهِ عز وجل، وَسَلَامَتُهَا وَأَمْنُهَا وَصِيَانَتُهَا وَالِاهْتِمَامُ بِهَا
مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ دِينِيٌّ ، بَلْ هِيَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ ،
وَالْبُرْهَانُ الْبَيِّنُ عَلَى عِنَايَةِ الْمَرْءِ بِأَمْرِ رَبِّهِ
وَنَهْيِهِ؛ فَسَكَنُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ،
وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُسْلِمَ يُسَيِّرُ أُمُورَهُ حَسَبَ شَرْعِ
رَبِّهِ، فَمَسْكَنُهُ وَمَأْكَلُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ؛ لَا يَكُونُ
مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ بِهِ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لَهُ رَبُّهُ عز وجل ،
الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً {
وَالسِّلْمُ هُنَا هُوَ الدِّينُ أَيِ: ادْخُلُوا فِي جَمِيعِ
شَرَائِعِ الدِّينِ .
فَهَذِهِ
الْبُيُوتُ الَّتِي نَسْكُنُ فِيهَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ،
وَمِنَّةٌ كَرِيمَةٌ، وَجَعْلُهَا كَمَا يُرِيدُ الْمُنْعِمُ بِهَا عز وجل
مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ دِينِيٌّ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الشُّكْرِ،
الَّذِي تَدُومُ بِهِ النِّعَمُ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: } وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ {
.
وَلَقَدِ
اعْتَنَى الْإِسْلَامُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ عِنَايَةً عَظِيمَةً، وَبَيَّنَ
الطُّرُقَ الضَّامِنَةَ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- السَّلَامَةَ لِأَهْلِهَا،
وَنَجَاتَهُمْ مِنْ أَضْرَارِ الدُّنْيَا وَأَخْطَارِ الْآخِرَةِ، فَأَوْجَبَ خُلُوَّهَا
مِنَ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ، فَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: (( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ))
، وَحَثَّ عَلَى عِمَارَتِهَا بِكِتَابِ اللهِ، وَخَاصَّةً قِرَاءَةَ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ،
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ
الْبَقَرَةِ ))، وَأَمَرَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ عز وجل بِهَا، فَقَالَ
-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ: (( مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي
لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ )) .
وَمِمَّا
جَاءَ بِهِ الدِّينُ أَيْضًا، وَيَتَعَلَّقُ بِنِعْمَةِ السَّكَنِ: الْعَمَلُ
عَلَى سَلَامَةِ الْبُيُوتِ مِنْ أَخْطَارِ وَأَضْرَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ مِيزَةٌ
تَمَيَّزَ بِهَا الْإِسْلَامُ، الصَّالِحُ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَسِمَةٌ
نَبِيلَةٌ لِدِينٍ يَحْرِصُ عَلَى سَلَامَةِ أَفْرَادِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ-: فِعْلُ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، وَالْحَذَرُ مِنْ وَسَائِلِ
الْهَلَاكِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم:
(( خَمِّرُوا الآنِيَةَ،
وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ
عِنْدَ العِشَاءِ ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا
المَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ –يَعْنِيْ : اَلْفَأْرَة- رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ
البَيْتِ ))، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ
بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( إِنَّ هذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ؛ فَإِذَا نِمْتُمْ
فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ))، فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ-
هَلْ رَأَيْتُمْ أَجْمَلَ وَأَكْمَلَ وَأَنْفَعَ مِنْ هَذَا الدِّينِ؟!
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
إِنَّ
عَدَمَ الْمُبَالَاةِ بِأَمْرِ الدِّينِ، وَتَوْجِيهَاتِ الشَّرْعِ، وَخَاصَّةً
فِي الْمَسَاكِنِ، تَجْلُبُ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ لِلْمُسْلِمِ، وَلِذَلِكَ
حِينَمَا تَرَكَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ تَوْجِيهَاتِ رَبِّهِمْ، وَتَوْصِيَاتِ
نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، صَارَتْ بُيُوتُهُمْ كَعَنَابِرِ السُّجُونِ، لَا
يَجِدُونَ الرَّاحَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ إِلَّا بِالْبُعْدِ عَنْهَا .
نَعَمْ
-إِخْوَتِي فِي اللهِ- لَمَّا صَارَتْ بُيُوتُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ لَا
تُفَرَّقُ عَنْ بُيُوتِ غَيْرِهِمْ، وَاحْتَوَتْ عَلَى مَا يُغْضِبُ اللهَ عز وجل
مِنِ اخْتِلَاطٍ وَتَبَرُّجٍ وَغِنَاءٍ، وَأَجْهِزَةٍ تَنْقُلُ فَسَادَ الْعَالَمِ، وَانْحِرَافَ الشُّعُوبِ، وَضَلَالَ الدُّوَلِ؛ حَلَّتِ الْعُقُوبَةُ مِنَ اللهِ،
فَصَارَتْ مَأْوًى لِلشَّيَاطِينِ، وَقُطِعَتِ الْأَرْحَامُ، وَكَثُرَ الْعُقُوقُ،
وَضَاعَتِ الْقِوَامَةُ، وَتَمَرَّدَ الشَّبَابُ، وَفَسَقَتِ النِّسَاءُ، وَتَهَاجَرَ
الْإِخْوَانُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَتَرَاكَمَتِ الْمُعَامَلَاتُ بِالْمَحَاكِمِ،
وَتَنَوَّعَتِ الْأَمْرَاضُ النَّفْسِيَّةُ، بَلْ وَالْعُضْوِيَّةُ، وَنُزِعَتِ
الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَعْمَارِ، وَعُمِّرَتِ الِاسْتِرَاحَاتُ،
وَصَدَقَ اللهُ عز وجل: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ
حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى. وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ
وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى.
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ
فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى {
. فَلْنَتَّقِ اللهَ -عِبَادَ اللهِ-،
وَلْنَشْكُرِ اللهَ عز وجل عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ،
وَلْنَجْعَلْهَا وَسِيلَةً وَسَبَبًا لِمَا يُقَرِّبُنَا مِنَ الْمُنْعِمِ بِهَا .
أَسْأَلُهُ
عز وجل أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى
رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
قَدْ
سَمِعْتُمْ عَنْ مَشْرُوعِ تَعْدَادِ السُّكَّانِ وَالْمَسَاكِنِ، وَالَّذِي بْدَأَ قبلَ أيامٍ؛ فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي
هَذَا الْمَجَالِ مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {
فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ طَاعَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ؛
فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَجِيبَ مَعَ مُوَظِّفِي التَّعْدَادِ،
وَيَصْدُقَ فِيمَا يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ، وَالْإِحْصَاءُ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- وَرَدَ فِيهِ نُصُوصٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَفِي
الْقُرْآنِ يَقُولُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: }إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا .
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {
، وَفِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ صلى
الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُحْصَى مَنْ فِي الْمَدِينَةِ ، فَوَجَدَهُمْ أَلْفَ
رَجُلٍ، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كَانَ عَدَدُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ- ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ
أَيْضًا أَرَادَ النَّبِيُّ مَعْرِفَةَ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، فَسَأَلَ كَمْ
يَنْحَرُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقِيلَ لَهُ : عَشْرَةً ، فَقَالَ: إِذًا عَدَدُهُمْ
أَلْفُ رَجُلٍ ، لِكُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ نَاقَةٌ أَوْ بَعِيرٌ.
فَمَعْرِفَةُ
عَدَدِ النَّاسِ، وَخَاصَّةً مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِمَنْ هُمْ تَحْتَ
يَدِهِ ، وَمَنْ يُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ
وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ .
لِذَا
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- لِيَحْصُلْ شَيْءٌ مِنَ التَّعَاوُنِ فِي هَذَا الْمَجَالِ،
وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْإِدْلَاءِ بِمَعْلُومَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ؛
فَإِنَّ الْكَذِبَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِي
مَوَاضِعَ مَحْدُودَةٍ وَمَعْرُوفَةٍ، وَالتَّعْدَادُ لَيْسَ مِنْهَا ، وَقَدْ
سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ وَأَسْكَنَهُ
فَسِيحَ جَنَّاتِهِ- عِدَّةَ أَسْئِلَةٍ عَنِ التَّعْدَادِ، فَمِمَّا قَالَ فِي
جَوَابٍ لَهُ: أَنَّ الْعَمَلَ فِي التَّعْدَادِ لَا حَرَجَ فِيهِ إِذَا رَأَى
وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِدْلَاءُ
بِمَعْلُومَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ الْكَذِبِ
الْمَذْمُومِ .
أَسْأَلُ
اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ،
وَسَلَامَةً دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ
عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ
وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ
وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ
الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا
مُطْمَئِنًّا ، وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا
، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا، وَعُلَمَاءَنَا وَدُعَاتَنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا
الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا أَوْ
شَبَابَنَا أَوْ نِسَاءَنَا بِسُوءٍ ، اللَّهُمَّ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ،
وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ
يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
.
فَاذْكُرُوا
اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|