بِمُنَاسَبَةِ فايروس كُورُونا ( 2 )
اَلْحَمْدُ للهِ ، اَلْكَرِيْمِ اَلْجَوَاْد ، اَلْلَّطِيْفِ بِاَلْعِبَاْدِ
، اَلْمُتَفَرِّدِ بِاَلْخَلْقِ وَاَلْإِيْجَاْدِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ اَلْمُتَصَرِّفُ
بِشُئُوْنِ اَلْعِبَاْدِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ،
خَيْرُ نَبِيٍ وَهَاْد ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْتَّنَاْدِ .
أَمَّا بَعْدُ ،
فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عز وجل وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ
لِعِبَادِهِ؛ فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{ ،
فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ
عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
المُؤْمِنُونَ :
سَبَقَ
اَلْحَدِيْثُ عَنْ مَرَضِ كُوْرُوْنَاْ، وَعَنْ وُجُوْبِ اَلْتَّعَاْمُلِ مَعَهُ،
عَلَىْ حَسَبِ شَرْعِ رَبِّنَاْ، وَمَاْ جَاْءَ بِهِ نَبِيُّنَاْ صلى الله عليه
وسلم ، وَمَاْ يَأْمُرُ بِهِ وَلِيُّ أَمْرِنَاْ لِقَوْلِ اَللهِ تَعَاْلَىْ: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {
فَطَاْعَةُ اَللهِ عز وجل،
وَطَاْعَةُ رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَطَاْعَةُ وَلِيِّ اَلْأَمْرِ بِغَيْرِ
مَعْصِيَةٍ للهِ وَرَسُوْلِهِ، مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْوَاْجِبَةِ ، وَاَلْحَقُّ
يُقَاْل ؛ نَحْنُ فِيْ دَوْلَةٍ -وَللهِ اَلْحَمْدُ- تَحْرِصُ عَلَىْ سَلَاْمَةِ
أَبْنَاْئِهَاْ ، فَلَمْ تَأْلُوْا جُهْدَاً، وَلَمْ تَدَّخِرْ وُسْعَاً، فِيْ
مَجَاْلِ مُكَاْفَحَتِهِ، وَاَلْحّدِّ مِنْ اِنْتِشَاْرِهِ، وَهَذَاْ اَلْأَمْرُ
اَلْأَوَّل؛ اَلَّذِيْ يَبْعَثُ عَلَىْ اَلْاِطْمِئْنَاْنِ ، فَلَاْ دَاْعِيَ
لِلْهَلَعِ وَاَلْجَزَعِ، وَلَاْ مَجَاْلَ لِأَصْحَاْبِ اَلْدِّعَاْيَاْتِ
اَلْمُغْرِضَةِ، وَمُرَوِّجِيْ اَلْإِشَاْعَاْتِ، وَاَلَّذِيْنَ يَصْطَاْدُوْنَ
بِاَلْمَاْءِ اَلْعَكِرِ وَاَلْمُرْجِفِيْن .
وَأَمَّاْ
اَلْأَمْرُ اَلْآخَرُ، فَهُوَ حَدِيْثُ اَلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اَلَّذِيْ
رَوَاْهُ اَلْإِمْاَمُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَاْنَ رضي الله عنه قَاْلَ : قَاْلَ
رَسُوْلُ اَللهِ صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ اللَّهَ زَوَى
لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، وَإِنَّ مُلْكَ
أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ
الْأَبْيَضَ وَالْأَحْمَرَ )) يَعْنِيْ اَلْذَّهَبَ
وَاَلْفِضَّةَ (( وَإِنِّي سَأَلْتُ
رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةً، وَأَلَّا يُسَلِّطَ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ، وَلَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا ،
وَلَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا قَضَيْتُ
قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا
أَهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةً، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ
سِوَاهُمْ فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا ،
وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا ، وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا )) . يَقُوْلُ شَيْخُ اَلْإِسْلَاْمِ
اَبْنُ تَيْمِيَةَ: وَكَاْنَ مِنْ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ـ سُبْحَاْنَهُ
وَتَعَاْلَىْ ـ لَمَّاْ أَرْسَلَ مُحَمَّدَاً، أَنْ لَاْ يُهْلِكَ قَوْمَهُ
بِعَذَاْبِ اَلْاِسْتِئْصَاْلِ كَمَاْ أُهْلِكَتْ اَلْأُمَمُ قَبْلَهُمْ ، بَلْ
عَذَّبَ بَعْضَهُمْ بِأَنْوَاْعِ اَلْعَذَاْبِ كَمَاْ عَذَّبَ طَوَاْئِفَ مِمَّنْ
كَذَّبَهُ بِأَنْوَاْعٍ مِنْ اَلْعَذَاْبِ .
فَاَتَّقُوْا
اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ، وَاَمْتَثِلُوْا لِأَمْرِ رَبِّكُمْ ، بِاَلْعَمَلِ
بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، وَاَلْسَّمْعِ وَاَلْطَّاْعَةِ لِمَنْ
وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَكُمْ ، تَسْعَدُوْا فِيْ دُنْيَاْكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {.
أَقُوْلُ
قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ
اَلْرَّحِيْم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ
عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
المُؤْمِنُونَ :
إِنَّ
تَنَوُّعَ اَلْأَمْرَاْضِ وَكَثْرَةَ اَلْبَلَاْيَاْ وَاَلْطَّوَاْعِيْن نَوْعٌ
مِنْ أَنْوَاْعِ اَلْعَذَاْبِ، اَلَّذِيْ يُعَذِّبُ بِهِ اَللهُ عز وجل اَلْأُمَمَ
اَلْمُتَجَبِّرَةَ اَلْكَاْفِرَةَ أَوْ اَلْمُسْلِمَةَ اَلْعَاْصِيَةَ، كَمَاْ
قَاْلَ اَلْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ
اَلْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَاْمَةَ بَنِ زَيْدٍ قَاْلَ: قَاْلَ رَسُوْلُ
اَللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)) .
وَقَدْ تَوَعَّدَ اَللهُ فِيْهِ عَصَاْةَ
اَلْأُمَمِ ، فِيْمَاْ جُعِلَ اَلْطَّاْعُوْنُ رَحْمَةً وَشَهَاْدَةً لِهَذِهِ
اَلْأُمَّةِ كَمَاْ فِيْ حَدِيْثِ اَلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اَلَّذِيْ
رَوَاْهُ اَبْنُ مَاْجَه وَاَلْحَاْكِمُ : ((لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي
قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ
وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا))
، يَقُوْلُ
اَلْقُرْطُبِيُّ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: اَللهُ لَاْ يُغَيِّرُ مَاْ بِقَوْمٍ مِنْ
اَلْنِّعْمَةِ وَاَلْعَاْفِيَةِ حَتَّىْ يُغَيِّرُوْا مَاْ بِأَنْفِسِهِمْ
بِاَلْإِصْرِاَرِ عَلَىْ اَلْكُفْرِ، فَإِنْ أَصَرُّوْا حَاْنَ اَلْأَجَلُ
اَلْمَضْرُوْبُ وَنَزَلَتْ بِهِمْ اَلْنِّقْمَةُ .
أَسْأَلُ اللهَ عز وجل أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا
عَافِيَتَنَا ، وَصِحَّتَنَا ، وَأَمْنَنَا ، وَأَنْ يَدْفَعَ عَنَّا الْغَلَاء
وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ ، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، عَنْ بَلَدِنَا هَذَا ، وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ
المُسْلِمِين ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
اللَّهُمَّ تَوَلَّنَا أَجْمَعِينَ بِحِفْظِكَ ،
وَمُنَّ عَلَيْنَا بِعَفْوِكَ وَعَافِيَتِكِ ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَالمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ، وَآتِ
نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ
وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين . }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ .
عِبَادَ اللهِ : }إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ،
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|