سلامة المساكن
إن الْحَمْد لِلَّهِ ، نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومن سيئات أعمالنا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وحده لا شريك له ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا { ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ .
أما بعد ، عباد الله :
إن من النعم العظيمة ، التي ينعم بها الله U على عباده : نعمة المساكن ، هذه البيوت ، التي هيأها الله لنا ، لتعيننا على ظروف الحياة ، تسكن بها نفوسنا ، وترتاح فيها أجسادنا ، ونأوي إليها متى شئنا من أوقاتنا ، وننعم فيها فلا يصل إلينا برد الشتاء ، ولا تؤثر بنا حرارة الصيف ، ونستتر فيها عن أنظار الناس . يقول U مذكرا لنا بهذه النعمة : } وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ { يقول ابن سعدي في تفسيره عند هذه الآية : يذكر تعالى عباده نعمه ، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال : } وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا { في الدور والقصور ونحوها تكنُّكم من الحر والبرد وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم .
فهذه البيوت ، التي نسكن بها ـ أيها الأخوة ـ من أعظم نعم الله U ، وسلامتها وأمنها وصيانتها والاهتمام بها مطلب شرعي ، وواجب ديني ، بل هي الدليل الواضح ، والبرهان البين ، على عناية المرء بأمر ربه ونهيه ، فسكن المسلم مما يتميز به عن غيره ، والسبب في ذلك ، أن المسلم يسير أموره حسب شرع ربه ، فمسكنه ومأكله ومشربه وملبسه ، لا يكون مخالفا لما جاء به دينه ، الذي ارتضاه له ربه U ، القائل في كتابه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {
فهذه البيوت التي نسكن بها ـ أيها الأخوة ـ نعمة عظيمة ، ومنة كريمه ، وجعلها كما يريد المنعم بها U ، مطلب شرعي ، وواجب ديني ، بل هو من باب الشكر ، الذي تدوم به النعم ، كما قال سبحانه : } وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ { .
أيها الأخوة :
ولقد اعتنى الإسلام بهذه النعمة عناية عظيمة ، وبين الطرق الضامنة ـ بإذن الله تعالى ـ السلامة لأهلها ، ونجاتهم من أضرار الدنيا وأخطار الآخرة ، فأوجب خلوها من الكلاب والصور ، فجاء في الحديث المتفق عليه ، قول الرسول e : (( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة )) وحث على عمارتها بكتاب الله ، وخاصة قراءة سورة البقره ، فقال e في الحديث الصحيح : (( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )) وأمر بكثرة ذكر الله U بها ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : (( مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والذي لا يذكر الله فيه ، مثل الحي والميت )) وغير ذلك من التوجيهات الكريمة العظيمة ، التي تجعل المساكن مصدر سعادة وأمن وراحة وطمأنينة للمسلم .
أيها الأخوة :
إن عدم المبالاة بأمر الدين ، وتوجيهات الشرع ، وخاصة في المساكن ، تجلب الشقاء والتعاسة للمسلم ، ولذلك حينما ترك بعض المسلمين توجيهات ربهم ، وتوصيات نبيهم e ، صارت بيوتهم كعنابر السجون ، لا يجدون الراحة والطمأنينة إلا بالبعد عنها .
نعم ـ أخوتي في الله ـ لما صارت بيوت بعض المسلمين لا تفرق عن بيوت غيرهم ، واحتوت على ما يغضب الله U من إختلاط وتبرج وغناء ، وأجهزة تنقل فساد العالم ، وانحراف الشعوب ، وضلال الدول ، حلت العقوبة من الله ، فصارت مأوى للشياطين ، وقطعت الأرحام ، وكثر العقوق ، وضاعت القوامة ، وتمرد الشباب ، وفسقت النساء ، وتهاجر الإخوان ، ووقع الطلاق ، وتراكمت المعاملات بالمحاكم ، وتنوعت الأمراض النفسية ، بل والعضوية ونزعت البركة من الأرزاق والأعمار ، وعمرت الاستراحات ، وصدق الله : } وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ، أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى { .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنشكر الله U على هذه النعمة العظيمة ، ولنجعلها وسيلة وسببا لما يقربنا من المنعم بها ، اسأله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومما جاء به الدين ، ويتعلق بنعمة السكن ، العمل على سلامة البيوت من أخطار وأضرار الدنيا ، وهي ميزة تميز بها الإسلام ، الصالح لكل زمان ومكان ، وسمة نبيلة لدين يحرص على سلامة أفراده ، ومن ذلك ـ أيها الأخوة ـ : فعل أسباب النجاة ، والحذر من وسائل الهلاك ، ففي الحديث الصحيح ، يقول الرسول e : (( خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، واكفوا صبيانكم عند العِشاء ، فإن للجن انتشارا وخطفة ، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ، فإن الفويسقة ـ يعني الفأرة ـ ربما اجترت الفتيلة فأحرقت على أهل البيت بيتهم )) ، وفي الحديث الذي رواه البخاري ، عن أَبِي مُوسى t ، قَالَ : احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ e ، قَالَ : (( إِنَّ هذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ )) فبالله عليكم ـ أيها الأخوة ـ هل رأيتم أجمل وأكمل وأنفع من هذا الدين ؟
أيها الأخوة المؤمنون :
فحري بنا كمسلمين ، أن نعمل على ما يكفل لنا السعادة والراحة في بيوتنا ، التي أنعم الله U بها علينا ، وأن نقوم بمسؤوليتنا بتوعية من هو تحت رعايتنا ، من أفراد أسرنا ، اسأل الله U أن يجعل بيوتنا وسائل راحة لنا في دنيانا ، وسبل سعادة لنا في آخرتنا ، إنه سميع مجيب .
اللهم آمنا في اوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك ، يارب العالمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولها ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى . اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يارب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون |