مقارنات ربانية واعظة
8/10/1439هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ
من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا )) .
أما بعد: فإن خير الكلام
كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل
محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها
المسلمون: اعلموا أنه في عدل الله وجزائه وثوابه في الدنيا
والآخرة :
لا يستوي المؤمنون والكافرون .
ولا يستوي
الطائعون والعاصون الفاسقون .
ولا يستوي
المستقيمون والمنحرفون المراوغون .
ولا يستوي
المداومون على الطاعة مع المنقطعين عن العبادة .
ولا يستوي
المسارعون إلى المأمورات والمتثاقلون المتباطئون في أداء الواجبات .
لا يستوي
المجتهدون والمقصرون .
ولا يستوي
الذاكرون والغافلون .
ولا يستوي
المهتدون والضالون الغاوون .
كما أنه
(( مَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ () وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ
() وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ () وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ))
.
واستمعوا
عباد الله متدبرين إلى هذه المقارنات الربانية الواعظة وحرّكوا بها القلوب لعلّها تثمر
توبة وإنابة ومداومة ومسارعة إلى الطاعة .
يقول
علام الغيوب : ((أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ
كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ
سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))
أيظنون
أن يساوي الله بينهم في الدنيا وفي الآخرة، ساء ما ظنوا بالرب وبعدله أن يساوي بين
الأبرار والفجار .
ولعظيم
أثر هذه الآية جاء عن تميمٍ الداري رضي الله عنه أنه قام ليلة كاملة يردد هذه الآية
حتى أصبح ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) رواه الطبراني .
ويقول
العزيز الغفار: ((أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ
فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ))
ويقول
العليم القدير: ((وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ))
ويقول الحق المبين: ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ () مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))
ويقول
جل جلاله:(( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ
عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم))
ويقول تعالى عما يشركون: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا
كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ () أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ () وَأَمَّا الَّذِينَ
فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ))
ويقول
الله: ((أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ () هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِمَا يَعْمَلُون))
ويقول
تعالى: ((لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ))
ويقول
جل وعلا: ((أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))
فيا عبد
الله حرك قلبك وهمتك وعزمك نحو الطاعة بهذه المقارنات ولا ترض أن يسبقك إلى مولاك أحد ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
() أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ () فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)) .
اللهم قو عزائمنا على طاعتك،
وارزقنا لذة مناجاتك ..
الخطبة الثانية
الْحمد لله مُعزّ مَنْ
أَطاعه واتقاه، ومُذلّ مَنْ خالف أمره وعصاه، أحمدُهُ سبحانُه وأشكرُهُ، مَنْ توكل
عليه كفاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
اصطفاه واجتباه، وقرَّبه إليه وأدناه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن
دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما بعد :
جاء عن
نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( كما لا يُجْتَنَى من الشَّوكِ العِنَبُ كذلك
لا يَنْزِلُ الأبرارُ منازلَ الفجارِ فاسلكوا أيَّ طريقٍ شِئْتُم، فأيُّ طريقٍ سلكتمْ
وَرَدْتُمْ على أهلِه))، [قال الألباني 4576 في صحيح الجامع:
(صحيح) ، وقال في السلسلة الصحيحة ( 2046 )( حسن بمجموع طريقيه ) .. أخرجه أبو نعيم
وابن عساكر عن أبي ذر]
ويقول ربكم جل وعلا في الحديث القدسي: ((يَا عِبَادِي
إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ
وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ
إِلَّا نَفْسَهُ)) .
قانون
رباني يجب أن تعوه وتستشعروه ، ولا يغيب عن قلوبكم طيلة حياتكم .
((مَّنْ
عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
لِّلْعَبِيدِ)) .
((مَّنِ
اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ))
((وَأَن
لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ () وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ () ثُمَّ
يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوفى () وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ)) .
((لَّيْسَ
بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ
وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا () وَمَن يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا))
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ونسألك الثبات في الأمر ونسألك
موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم
، اللهم إنا نسألك رحمة تصلح بها قلوبنا وتفرج بها كروبنا وتيسر بها أمورنا وتشفي
بها مرضانا ، وترحم بها موتانا يا أرحم الراحمين . اللهم يا حي يا قيوم برحمتك
نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا أنفسنا طرفة عين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي
هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها
معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم أصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، ووفق اللهم إمامنا بتوفيقك ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله
في رضاك وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله عليه يا رب
العالمين
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل
معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ذ الجلال والإكرام ، اللهم
اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا جبار ، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأخلاقنا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في
تدميره يا قوي يا عزيز اللهم من حمل علينا السلاح فاقتله بسلاحه واكف المسلمين شره
بما شئت إنك أنت السميع العليم .
اللهم قوِّ المجاهدين في سبيلك، واربط على قلوبهم، وصوب رميهم ورأيهم،
وسدد سهمهم.
اللهم انصر جنودنا على حدودنا، اللهم احفظهم في برهم وجوهم وبحرهم،
اللهم اكتب على أيديهم نصرا لأهل اليمن، وقوة لأهل الإيمان، ونكالاً لأهل الفساد والطغيان.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ربنا تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا تقبل
منا إنك أنت السميع العليم.
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين وآخر دعوانا
الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|