( السِّتِّـيِـر )
من أسماء
الله تعالى
إِنَّ الحمدَ
للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا،
منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ
وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
)) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة
بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون :
من
أسماء الله الحسنى الثابتةِ بالسنة الصحيحة : اسمُ الله [ الستير ] .
فعن يعلى بنِ أمية رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سَتِّيرٌ يُحِبُّ
الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِر» حديث صحيح
[أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، صححه الألباني] .
ومعنى السِّـتّـِير :
كثير
السَّتْر على العباد، الذي يحب السِّتر ويريده ويأمر به العباد .
فهو يستر ذنوب العباد مهما
عظُمت ، ويستر عيوبهم مهما كثُرت، ويكره الفضيحة فلا يُعاجل بها سبحانه .
فمِنْ صفاته العلية التي
دلّ عليها هذا الاسمُ الحسن: السَّتْر الكثير على العباد .
وهذه الصفة أيضاً يدل
عليها اسم الله الغفور والغفار، فمعناهما :
الذي يستر الذنوب ويتجاوز عنها فلا يُعاقب عليها، بل ومع التوبة النصوح من الذنوب
يُبدّلها حسنات ، فأي كرم وفضل وإحسان أعظمَ من هذا .
عباد الله:
احمدوا
ربكم بأنه ستِّير وستّار وستور وسَتِير، فما من أحدٍ منا إلا ولله تعالى عليه نعمة
ومنة ستر الذنوب والعيوب والعورات، قال الله تعالى: ((وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً))، قال الضحاك: النعمة الباطنة ما يستر من العيوب.
عباد الله : لولا ستر
الله علينا لافتضحنا، لولا ستر الله علينا لما رفعنا رؤوسنا ولاسْوَدَّت وجوهنا،
ولما ذُكِرنا بجميل .
فمع فقرنا وغنى ربنا
عنّا .
مع مجاهرتنا بالذنب .
مع تكرارنا للذنوب ، مع
استعانتنا بنعمه على معاصيه .
مع تمام قدرته علينا
واطلاعه ومراقبته لنا .
مع ذلك كله يسترنا ولا
يفضحنا، بل ويستحي جلّ جلاله أن يهتك سترنا، فهو سبحانه (حَيِيٌّ سِتِّيرٌ).
ومن محبته سبحانه للستر
على العباد ، يهيئ لهم أسباب الستر فيوفق للندم والتوبة ليعفوَ ويغفر ، فما أعظم
لطف الله وحلمه ورحمته.
وهو الْحَييّ فليس يفضح
عبده ** عند
التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليهِ ستره **
فهو الستير وصاحب الغفران
وليس ستر ربنا تبارك
وتعالى مقصور على ستر الدنيا فقط ، كلا .. بل يُتم علينا نعمته ويتفضل علينا في
الآخرة في يوم القيامة فيسترنا ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لَا يَسْتُرُ اللهُ
عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا، إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَة » رواه
مسلم، وفي الصحيحين في حديث النجوى العظيم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ
اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ
ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى
فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ اللهُ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا
أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ » أي: قد مُحِيَت منه
الذنوب والسيئات التي سترها الله في الدنيا، وغفرها في الآخرة.
عباد الله:
ربُكُم
حَيِيٌّ سَتِّيرٌ يُحب الستر، ويُحب من عبده أن يستتر بذنبه إن وقع بالذنب، ويكره
من عبده إذا وقع في معصية أن يذيعه ويُخبر به ويشهره فيفضح نفسه، بل قد توعد
المُجاهر بأن يُحرم الْمُعافاة، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: « كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَاهَرِةِ
أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ
، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ
رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ»، فالواجب عليك يا أيها المؤمن
أن تجاهد نفسك على البعد عن الذنوب وإذا غلبتك نفسك فوقعت في ذنبٍ أن تستر نفسك،
وتبادر بالتوبة إلى الله والإنابة إليه، وتكثر من الأعمال الصالحات، ففي صحيح مسلم
جاءَ رجلٌ إلى النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً
فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، فَأَنَا
هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ
سَتَرْتَ نَفْسَكَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَتَلَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ».
فيا عباد الله:
إن
غلبتكم نفوسكم على المعصية فاستتروا بستر الله، وتوبوا إلى الله، ولا تُخبروا
الناس ولا تُطلعوهم، فالناس يُعيّرون ولا يُغيّرون، والله يقبل التوبة عن عباده،
ويُغيّر ولا يُعيّر ويستر ويغفر ويعفو، قال العلاء بن بدر: "لا يُعَذِّبُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا يَسْتُرُونَ الذُّنُوبَ".
فاللهم
اعف عنا واسترنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم .
الخطبة
الثانية:
الْحَمْدُ
لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَبِهِ نَسْتَعِيْنُ عَلَى أُمُوْرِ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ،
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ إِلَهُ الأَوْلِينَ والآخِرين، وأشهدُ
أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ أَشْرَفُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَانٍ إِلىَ يَوْمِ الدِّيْنِ أَمّا بَعْد:
أيها المسلمون:
إن
للإيمان باسم الله [السّتِّـير] وصفته العلية السَّتر، إن للإيمان بهما آثاراً
حميدةً :
أولها:
تقوية
محبة الله في القلوب، فمن يستر عيبك ولا يفضحك، ولا يهتك سترك، ولا يستعجل
بعقوبتك، بل ويتجاوز عنك، مَنْ هذه صفاته حقيقٌ بأن يُحَب أشد الحب، ((وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ)).
ثانياً:
من
آثار الإيمان باسم الله الستير: تقوية الحياء من الله تعالى بأن يتعبد المؤمن لربه
بالحياء منه فلا يقارف معاصيه وهو الحيي الستير، فمَن عاملك بالفضل تستحي أن تخالف
أمره وهو يراك ويطلع على سرك ونجواك، وتستحي ممن يستحي منك، فيقول واعظ الله في
قلب المؤمن عندما تدعوه نفسه لمقارفة الذنب: ((مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ
مَثْوَايَ )).
ثالثاً: أنه يقوي الرجاء في قلب
المؤمن للحيي الكريم الستير بأن يستره في الدنيا والآخرة ويغفر ذنوبه .. وهذا يثمر
:
الأثر الرابع:
وهو
دعاء الله تعالى باسمه السّتِّـير، وصفة الستر ، كما جاء في الدعاء النبوي « اللَّهُمَّ
اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي »، فتطلب من ربك ستر العورات التي هي
عيوبك وتقصيرك وذنوبك، فتقول : اللهم يا ستير ، يا كثير الستر يا من يحب الستر
استرني في الدنيا والآخرة .
خامساً:
التخلق
بخُلُق الستر على العباد، ومن عامل الناس بالستر عامله الله من جنس عمله ، ففي
الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ »، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: « لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا
فِي الدُّنْيَا، إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
فيا عبد الله:
عامل
الناس بالستر ولا تعاملهم بالفضيحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « يَا مَعْشَرَ مَنْ
آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ،
وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ
اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»
حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود.
فاحذر يا عبد الله من صور الفضيحة
الحديثة ، عبر وسائل التواصل وغيرها ، فإياك أن تنشر عورة أحد أو خطأه فتقع في
حرمة من حرمات الله المغلظة وتفضح .
وإن من عجيب أمر بعض
الناس مجاهرتهم بالمعاصي وقد علموا غيرة ربهم على محارمه وعجيب عجيب فضح آخرين
لأنفسهم وكشفهم ستر الله عليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء وهؤلاء « كُلُّ
أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ...... وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ
وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه .
اللهم يا
ستير استرنا ، استر عوراتنا، اللهم يا ستير استرنا ، استر عوراتنا، اللهم يا ستير
استرنا ، استر عوراتنا . اللهم استرنا بسترك في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال
والإكرام. اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا أنفسنا
طرفة عين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا
وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا
من كل شر اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، ووفق اللهم إمامنا بتوفيقك ، اللهم وفقه
لهداك واجعل عمله في رضاك وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله
عليه يا رب العالمين
اللهم أبرم
لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف
ويُنهى فيه عن المنكر يا ذ الجلال والإكرام ، اللهم اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد
الفجار يا عزيز يا جبار ، اللهم من أرادنا وديننا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه
واجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز .
اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب
الدعوات .
اللهم صلّ
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب
السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |