فوائد من حديث المسيء في صلاته
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى وراقِبُوه، واحرِصُوا على العنايةِ بِعِبادَتِكُم لِرَبِّكُم وإتمامِها على الوجهِ الذي أَمَرَ اللهُ بِه، فإنَّ العبادَةَ لا تُسَمَّى عبادَةً إلا بِشُرُوطِها. أَلا وإنَّ مِن شُروطِها: مُوافَقَةَ السُّنَّةِ في أدائِها، لِقَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَمِلَ عملا ليس عليه أمْرُنا فهو ردّ ).
ومِمَّا وَرَدَ في ذلك: ما رواه البخاريُّ ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجدَ. فدخل رجلٌ فصلَّى. ثم جاء فسلّمّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فرَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السلامَ. قال: "ارجع فَصَلِّ. فإنك لم تُصَلِّ" فرجع الرجلُ فصلى كما كان صلَّى. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وعليكَ السلام" ثم قال: "ارجع فَصَلِّ. فإنك لم تُصَلِّ" حتى فعل ذلك ثلاثَ مرات. فقال الرجل: والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما أُحْسِنُ غيرَ هذا. عَلِّمْنِي. قال: "إِذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرأْ مَا تَيَسَّرَ
مَعَكَ مِن القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى
تَعْتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى
تَطْمَئِنَّ جالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّها ". فهذا الحديثُ العظيمُ، وإن كان خاصًّا بِالصلاةِ، إلا أَنَّ فيه من الفوائِدِ الْمُهِمَّة، ما ينبغي مُعْرِفَتُها.
أولُها: أنه ينبغي لِطُلّابِ العلمِ حينما يَرونَ تقصيرَ بعضِ الْمصلينَ في صلاتِهِم، تَوْجيهُهُم وتعليمُهُم، وبيانُ صفةِ الصلاةِ التي أمَرَ اللهُ بها. فإنَ هذا من العلمِ الواجِبِ الذي يجبُ بيانُه للناس.
الفائدة الثانية: أَنَّ مَنْ قامَ عن قَوْمٍ لِحاجتِه، ثم عادَ إليهم، فإنه يُسَلِّمُ عليهم، وإنْ لَم يَكُن قَدْ غابَ عَنْهُم وفارَقَ المكان. فإنَّ هذا الرَّجُلَ كَرَّرَ السلامَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مرات، مع العلم أنه لم يفارقِ الْمكان، لكنه لمَّا تنحى وانْشَغَلَ بالصلاةِ ثُمَّ عاد، علِمَ أنَّه بحاجَةٍ إلى أن يُسَلِّم، ولذلك رَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام. مِمَّا يَدُلُّ أن هذا هو الْمشروعُ. ومِثْلُ ذلك: لو أن الشخصَ انفصَلَ عن جليسِه ونامَ، فإنه يُشْرَعُ له بعدَ الاستيقاظِ وقَبْلَ أن يتحدَّثَ معه أن يُسَلِّمَ عليه. ومِنْ بابِ أولى: لو غابَ عن الْمجلسِ لحاجَةٍ وإن كان في نفسِ البيتِ، كأن يكونَ فارقَ المكانَ ليتوضَّأ أو لِيُحْضِرَ شيئاً، فإنه يُشْرَعُ له أن يُسلِّم.
الفائدةُ الثالثة: أنه يَجُوزُ الاقتصارُ في رَدِّ السلامِ بِصيغةِ الإفراد، إذا كان الْمُسَلِّمُ واحداً، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " عليك السلام ". ولم يَقْل: وعليكُم السلام.
الفائدةُ الرابعة: أن الطُّمأنينةَ ركنٌ في الصلاة، تَبْطُلُ الصلاةُ بِتَرْكِها. لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بإعادةِ الصلاةِ مِن أجلِها.
الفائدة الخامسة: أن هذه الطُمأنينةَ مَطْلُوبةٌ في جميعِ الرَّكَعات، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم افعلْ ذلك في صلاتِكَ كُلِّها ).
الفائدةُ السادسة: أنَّ الجاهِلَ معذورٌ بِجَهْلِه، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ هذا الرجلَ بإعادةِ الصلاةِ الحاضِرَة. ولم يأمُرْهُ بإعادةِ ما مَضَى مِن الصلَوَاتِ، لأنه كان يَجْهَلُ حُكْمَ الطُّمأنِينة.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
الفائدةُ السابعةُ في هذا الحديث: أن العبادةَ لا تُسَمَّى عبادةً إلا بشُروطِها، وأنَّ مُجَرَّدَ صلاحِ النيةِ لا يكفي، لأنَّ هذا الرجُلَ دَخَلَ الْمسجدَ واستقبلَ القِبْلَةَ ورَكَعَ وسَجدَ، ولـمَّا أنْكَرَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أخبَرَ أنه يَجْهَلُ الحكمَ ولم يقصِد الْمخالَفَة، وأخْبَرَ بِسلامةِ نيتِه وحِرْصِه، حيث قال: ( والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما أٌحْسِنُ غيرَ هذا. عَلِّمْني ). ومع ذلكَ لم يَكُنْ عذراً في صِحَّةِ صلاتِه، لأنه فقد شَرْطَ المتابعة.
وشُرُوطُ
قَبُولِ العِبادَةِ ثَلَاثَةُ: الإيمانُ والإخلاصُ ومُوَافَقَةُ السُّنَّةِ.
وَقَدْ جَمَعَ اللهُ تَعالَى هذه الشُّرُوطَ في آيَةٍ واحِدَةٍ، فَقالَ: ( ومَنْ
أرادَ الآخرةَ وسَعَى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمُ
مَشْكُورا ) فَجَمَعَت هذه الآيةُ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ لابُدَّ مِنها: الأَوَّلُ:
النِّيَّةُ، فَقالَ: ( وَمَنْ أَرادَ الآخِرَةَ ). والثاني: الاجْتِهادُ فِي
العَمَلِ، فَقالَ: ( وَسَعَى لَها سَعْيَها ). والثالثُ: أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا
باللهَ ورَسُولِه، ومُحَقِّقًا لِأُصُولِ الإيمانِ، وَسَالِمًا مِنْ الشِّرْكِ
وَسائِرِ نَواقِضِ الإسلامِ، فَقالَ: ( وَهُوُ مُؤْمِنٌ ). لِأَنَّ الأعمالَ
الصالِحَةَ، لَا تُقْبَلُ إلا مِنْ أهْلِ التَّوْحِيدِ
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها ومن يتربص بها الدوائر يا قوي يا عزيز، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|