فوائدُ العفة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا
أَنَّ العِفَّةَ خُلُقٌ كريم، وخَصْلَةٌ
جميلة، لا يَتَّصِفُ بها كَمَا يَنْبَغِي، إلا الْمُتَّقُونَ، والشبابُ الْمُحافِظُونَ
الأَطْهار. لِأَنَّها تَنْبُتُ في رَوْضَةِ الإيمانِ الذي يُسْقَى بِماءِ الخَوْفِ
مِن اللهِ، والْمُراقَبَةِ، والحَياءِ والاستِقامَةِ. ولذلك ربَّى النبيُّ صلى
الله عليه وسلم أصحابَه عَلَيْها مُنْذُ بدايةِ دعوتِه. فإنَّ هِرَقلَ لَمَّا سألَ
أبا سفيانَ رضي الله عنه قبلَ أن يُسْلِم، عن دعوةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم،
قال له: بأي شَيْءٍ يَأْمُرُكُم محمد؟ فقال أبو سفيانَ: يقولُ لَنا: ( اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،
وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ ). وحقيقةُ العِفَّةِ:
هي البعدُ عما حَرَّمَ الله، والبعدُ عن الفواحشِ والمنكراتِ وأسبابِها الْمُوصِلَةِ
إليها، وتَحَرِّي الحلالَ والاقتِصارُ عليه. خصوصاً ما يَتَعَلَّقُ بالفَرْجِ
والبطنِ واللسانِ، فإن لذلكَ فوائِدَ كثيرة: أولُها وأَهَمُّها:
أن اللهَ يَضْمَنُ لِصاحِبِها الجنة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ يَضْمَنُ لِي ما بَيْنَ رِجْلَيه ولِحْيَيْه أَضْمَنُ
له الجَنَّة ). يَعْنِي الفَمَ والفَرْجَ. فالفَمُ هُوَ مَدْخَلُ الْمَطْعَمِ
الحرامِ والشرَابِ الحرام، ومِنْه تَخْرُجُ الألفاظُ الْمُحَرَّمَةُ. وعَنْ طريقِ
الفَرْجِ يَقَعُ العبدُ في الفاحشةِ والاسْتِمْتاعِ الْمُحَرَّمِ. ومِن فوائِد
العِفَّةِ أيضاً: أنَّها سَبَبٌ لِإجابَةِ الدعاءِ والخُلُوصِ مِن الْمَضايِقِ
والْمَصائِبِ، فَقَد أَخْبَرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم في قِصَّةِ أصحابِ
الغارِ وكَيْفَ نَجَّاهُم اللهُ، فإنَّ أَحَدَهُم استَغَلَّ حاجةَ ابْنَةِ عَمِّهِ
إلى الْمَالِ، وكان يُحِبُّها حُبًّا شَدِيدًا، فأعطاها مائةَ دينارٍ عَلَى أَنْ
تُخَلِّيَ بينهُ وبين نَفْسِها، فَلَمَّا قَعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْها، قالت: ( اتَّقِ اللهَ ولا تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بِحَقِّهِ، فقام
عَنْها وهِيَ أَحَبُّ الناسِ إِلَيْه ). فاسْتَجابَ اللهُ دُعاءَه
فانْفَرَجَ عَنْهُم ثُلُثُ الصَّخْرَةِ. ومن فَوائِدِ
العِفَّةِ: أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا حَمَى أَعْراضَ الأَعِفَّاءِ،
وَرَتَّبَ على هاتِكِ الأَعْراضِ أَعْظَمَ وَعِيدٍ فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ*يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وَرَتَّبَ الحَدَّ، وَرَدَّ الشهادةِ،
وَحَكَمَ بِالفِسْقِ على قاذِفِ المسلمِ بِغَيْرِ حَقٍّ: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
). ومِنْ فوائِدِ
العِفَّةِ: أَنَّ العَفِيفَ يَجْعَلُه اللهُ يَوْمَ القيامةِ أَحَدَ
السَّبْعَةِ الذين يُظِلُّهُم في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ، فإِنَّ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَهُم، قالَ في أَحَدِهِم: ( وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ
فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ الله ). ومِنْ فَوائِدِ
العِفَّةِ: أَنَّ مَنْ عَفَّ عَفَّتْ مَحارِمُه لِأَنَّ الأَدِلَّةَ مِن
الكِتابِ والسُّنَّةِ دَلَّتْ على أَّنَّ الجَزاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ. فَمَنْ
تَتَبَّعَ عَوْراتِ المسلمينِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه حَتَى يَفْضَحَهُ فِي
قَعْرِ بَيْتِهِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى المسلمينَ سَتَرَهْ اللهُ في الدنيا
والآخِرة. ومِنْ فَوائِدِ
العِفَّةِ: السَّلامَةُ مِن العُقُوباتِ والأَمْراضِ الْمُسْتَعْصِيَةِ
والكَوارِثِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَا
ظَهَرَتْ الفاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِها إلا فَشا فِيهِم
الطاعُونُ والأَوْجاعُ التي لَمْ تَكُن مَضَتْ في أَسْلافِهِم ). وَقَدْ أَخْبَرَ
اللهُ تعالى في كِتابِه ما حَلَّ بالْمُؤْتَفِكاتِ مِن العَذابِ العاجِلِ في
الدنيا. وهِيَ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ. والْمُؤتَفِكاتِ:
هي الْمُنْقَلِباتُ، التي جَعَلَ اللهُ عالِيَها سافِلَها لِأَنَّ أَرْضَهُم
ائْتُفِكَتْ بِهِم، أَيْ انْقَلَبَتْ بِهِم، بِسَبَبِ جريمةِ اللِّوَاطِ التي
عاقَبَ اللهُ فاعِلِيها بِما لَمْ يُعاقِبْ بِهِ أُمَّةً مِن الأُمَمِ. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحَمدُ للهِ الْواحدِ
الأحدِ الصمدِ الذّي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحد، فَاطرِ
السِّمَاواتِ وَالأَرْضِ، جَاعَلِ الْمَلائكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحةً مَثْنَى
وَثلاثَ وَرباعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلِقِ مَا يَشاءُ، إنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير،
مَا يَفْتَحِ اللهُ للنِّاسِ مِنْ رَحمةٍ فَلا مُمسكَ لها، وَمَا يُمسكْ فَلا مُرْسِلَ
لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد: أيُّها الآباءُ والْمُعَلِمون والْمَسْؤولون: اتَّقُوا
اللهَ تَعالى فِيما تَحَمَّلْتُمُوه مِنْ مَسْؤُولِيَّة، ولا تَظُنُّوا أنَّكم
سَتُتْرَكونَ بِلا مُحاسبَةٍ عَلى دعوةِ أبنائِكم وشبابِكُم وإصلاحِهِم، فإنَّ
كَثْرَةَ الفِتَنِ والْمُؤَثِّراتِ لَيْسَتْ عُذْراً في التَخلّي عَن
المَسْؤولِيةِ أو التَّهاوُنِ فِيها. لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ بالدَّعْوَةِ
والنصيحةِ والإِصْلاحِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَأْمُرَ اللهُ تعالى بِشَيْءٍ لَيْسَ
لَه ثَمَرةٌ أَوْ فائِدَةٌ. فَأَبْناؤُنا
وبَناتُنا أَمانَةٌ في أَعْناقِنا، يَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نَبْذُلَ قُصارَى
جُهْدِنا في مُراقَبَتِهِم وإصْلاحِهِم ونُصْحِهِم. وَبَذْلِ أسبابِ هِدايَتِهِم،
كَمَا أَمَرَ اللهُ، فَإِنَّ ذلك مِنْ أَعْظَمِ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ. ومِفْتاحُ
هِدايَتِهِمْ: هُوَ تَذْكِيرُهُم دائِمًا وأَبَدًا بِالحِكْمَةِ التي مِنْ
أجْلِها خُلِقُوا، إياكُمْ أَنْ تَتَوَقّفُوا عَنْ ذلك، مَع حَثِّهِمْ عَلى
عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَعَلُّمِها، والْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ،
ومُتابَعَتِهِم في ذلك، مَعَ الحِرْصِ عَلَى أَنْ تَكُونُوا قُدْوَةً صالِحَةً
لَهُم في أقْوالِكُمْ وتَصَرُّفاتِكُمْ. ربنا
هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم احمِ أعراضَنا,
واحفظ أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وطَهِّر قلوبنا وحصّن فُروجنا، اللهم حببّ إلينا
الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من
الراشدين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من
سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه
البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|