اَلْدَّلِيْلُ لِمَعْرَفَةِ اَلْدَّخِيْلِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، وَالْقَوِيِّ الْقَدِيرِ، وَالسَّمِيعِ الْبَصِيرِ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، } يَقْضِي بِالْحَقِّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَهُ لَاْ شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ وَلَا ظَهِير، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَى اللَّهِ U ، هِيَ خَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ U مِنْ قَائِلٍ: } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ -أَحِبَّتِي فِي اَللَّهِ - جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
اِتِّبَاعُ اَلدَّلِيلِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، أَوْ السَّنَةِ الْمُطَهِّرَةِ ، هُوَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمُتَّبِعُ مِنْ الْمُبْتَدِعِ ، وَهُوَ مَا يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْمُنَافِقِ ، وَأَهْلَ الْهُدَىْ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ U : } فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً: } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ، إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { .
فَعَدَمُ الْعَمَلِ بقول اللَّهِ U، وَقول رسوله e، فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ، عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَبُرْهَانٌ بَيِّنٌ عَلَى الضَّلَالِ وَالِانْحِرَافِ ، عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِيْ ذَكَرَ U بِقَوْلِهِ: } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { .
وَمِمَّا بُلِينَا بِهِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - وُجُودُ دُعَاةٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ e، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (( عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ))، وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الدُّعَاةِ؛ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ e، لِخَطَرِهِمْ عَلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ ، وَتَمَاسُكِ الْبِنَاءِ ، وَلَا أَبْلُغُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُمْ؛ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (( لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ )) أَيٌّ اسْتَأْصَلَهُمْ وَلَا أُبْقِي لَهُمْ بَاقِيَةٌ.
وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - نَسْتَطِيعُ مَعْرِفَتَهُمْ لِنُحَذِّرَهُمْ، عِنْدَمَا نَضَعُهُمْ فِي مِيزَانِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ، الَّذِي يَتَمَيَّزُ مِنْ خِلَالِهِ الْمُتَّبَعُ مِنْ غَيْرِهِ .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَاْ اَلْخَوَاْرِجُ -كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ- كَمَاْ أَخْبَرَ عَنْهُمُ اَلْنَّبِيُ e: عَدَمُ مَحَبَّتِهِمْ لِذِكْرِ أَوْ اِسْتِمَاْعِ، مَاْ يَدُلُّ عَلَىْ بُطْلَاْنِ مَنْهَجِهِمْ، وَاَنْحِرَاْفِ سُبُلِهِمْ، وَفَسَاْدِ مَقَاْصِدِهِمْ ، وَمِنْ ذَلِكَ بَعْضُ اَلْأَحَاْدِيْثِ، اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْنَّبِيُ e خَلَاْلَهَاْ مِنْهُمْ، مِنْهَاْ: اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ أَخْرَجَهُ أَبُوْ دَاْوُدَ، وَاَبْنُ مَاْجَه، وَاَلْتِّرْمِذِيُ ، حَدِيْثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ t، وَاَلَّذِيْ فِيْهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ e الصُّبْحَ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا: فَقَالَ e: (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حبشيا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَاْلَةٍ )). فَهَذَا الْحَدِيثُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - يُحَذِّرُ مِنْ الْخُرُوْجِ عَلَىْ اَلْحَاكِمِ مَهْمَا كَاْنَ، وَيَأْمُرُ بِالْتِزَامِ سَنَةِ النَّبِيِّ e ، وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَيُحَذِّرُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، وَمِنْهَا الِاجْتِمَاعَاتُ السِّرِّيَّةُ، وَالْوَلَاءُ لِغَيْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَالْمُظَاهَرَاتُ وَاَلْاِعْتِصَاْمَاْتُ وَاَلِاحْتِجَاْجَاْتُ ، وَتَوْقِيْعُ اَلْبَيَاْنَاْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ . فَهْمُ لَاْ يَتَطَرَّقُوْنَ لِهَذَاْ اَلْحَدِيْثِ ، لِأَنَّهُ يَنْسِفُ مَنْهَجَهُمْ، وَيَكْشِفُ عَنْ سُوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ . وَإِنْ ذُكِرَ لَهُمْ ، وَأُمِرُوْا بِاَلْصَّبْرِ عَلَى وُلَاْتِهِمْ، قَالُوا : اَلْصَّبْرُ عَلَىْ اَلَّذِيْ يَحْكُمُ بِاَلْشَّرْعِ لَكِنْ يَتَجَاوَزُ، أَمَّا مِنْ لَا يَهْتَدِي بِالشَّرْعِ، وَيَحْكُمُ بِهَوَاهُ، فَلَا يَجْرِيْ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ . وَهَذَا مِنْ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، وَلِيِّ بَعْضِ النُّصُوصِ لِتَخْدِمَ مَا يَدُورُ فِي عُقُولِهِمْ الْمَرِيضَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا : قَوْلُ النَّبِيِّ e فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يُطِيقُونَهُ، وَيَضَعُونَ الْعَرَاقِيلَ لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ ، اَلْحَدِيْثُ اَلْصَّحِيْحُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t عِنْدَمَاْ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ e عَنْ الْخَيْرِ, وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ, مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ, فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ , فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ e: (( نَعَمْ ، فِتْنَةٌ وَشَرٌّ )), قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: (( السَّيْفُ )) قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ هَذَا السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: (( يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ, وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ, يَا حُذَيْفَةُ, تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ , يَا حُذَيْفَةُ , تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ )), قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَبَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: (( نَعَمْ , وَفِيهِ دَخَنٌ )), فَقُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: (( يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ, وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )). وَفِيْ رِوَاْيَةٍ: (( هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا أَوْ فِيهِمْ )) فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ مَا هِيَ؟, قَالَ: (( لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ )), فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟, قَالَ: (( نَعَمْ , فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )), فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا, قَالَ: (( هُمْ رِجَالٌ مِنْ جِلْدَتِنَا , وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ )), فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (( إِنْ كَانَ للهِ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ، فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَاهْرُبْ حَتَّى تَمُوتَ, فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ )) قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (( ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ , مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ , فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ، وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ , وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ )) ، قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ الدَّجَّالِ؟ , قَالَ : (( عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) , قُلْتُ: فَمَا بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ , قَالَ : (( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْتَجَ فَرَسُهُ ، مَا رَكِبَ مُهْرَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .
حَدِيثٌ عَظِيمُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ، وَتَوْجِيهَاتٌ مِنْ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ ، تَكْفُلُ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا ؛ السَّلَامَةَ وَالنَّجَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَكِنْ الْخَوَارِجَ لَمْ يُلْقُوْا لَهُ بَالًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَاْ هُمْ عَلَيْهِ ، فَصَارُوا عُرْضَةً لِلْفِتَنِ ، وَالْمَصَائِبِ وَاَلْإِحَنِ ، وَكَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنَ تَيْمَيَّةَ : قَلَّ مِنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ ذِي سُلْطَانٍ ، إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ اَلْشَّرِّ ، أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنْ الْخَيْرِ ، وَرَحِمَ اللَّهُ اْبِنَ عَبْدَ الْبَرِّ ، يَوْمَ قَاْلَ : اَلْصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ الْجَائِرِ ، أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ فِي مُنَازَعَتِهِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ : اِسْتِبْدَالُ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ ، وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ ، وَانْطِلَاقُ أَيْدِيْ اَلْدَّهْمَاءِ ، وَتَبْيِيتُ الْغَارَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْجَائِرِ .
وَفَّقَنَا اللَّهُ لِهُدَاهُ ، وَجَعَلَ عَمَلَنَا بِرِضَاْهُ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَأَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْضِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
وَمِنَ اَلْأَحَاْدِيْثِ اَلَّتِي تَفْضَحُ اَلْخَوَارِجَ ، وَمِنْهُمْ إِخْوَانُنَا الْمُجْرِمُونَ، الْمُتَلَوِّنُوْنَ كَاَلْحَرَاْبِيِ، وَاَلْمُنْدَسُّوْنَ فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ كَاَلْجُرْذَاْنِ: اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ e قَالَ: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا ، فَمَاتَ عَلَيْهِ ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )). فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ لَا يَجْمَعُ التَّوَاقِيعَ ضِدَّهُ، وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُظَاهَرَاتِ وَاَلْاِحْتِجَاْجَاْتِ ، وَلَا يَحُثُّ عَلَى الِاعْتِصَامَاتِ ، وَلَا يُصْدِرُ الْبَيَانَاتِ ، إِنَّمَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْبِرْ، خَرَجَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ ، وَفِي ذَلِكَ خَطَرٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، أَيْ : كَمَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، عَلَى ضَلَالٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ .
وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَكْرَهُ الْخَوَارِجُ ذِكْرَهَا وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا، اَلْحَدِيْثُ اَلَّذِيْ قَاْلَ عَنْهُ اِبْنُ تَيْمِيَةَ فِيْ اَلْفَتَاْوَىْ: حَدِيْثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ، فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ ؛ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِي ، وَالنِّسَائِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَلَفْظُهُ: (( افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ، عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً )) . وَفِي لَفْظٍ : (( عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً )). وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ ؟ قَالَ e: (( مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي )). وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: (( هِيَ الْجَمَاعَةُ ، يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ )). فَكُلُّ مَنْ كَانَ الْيَوْمَ ، عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e وَأَصْحَابُهُ ، فَهُوَ مِنْ الْفِرَقِ ، الَّتِي مَصِيرُهَا إِلَى النَّارِ ، وَبِئْسَ دَاْرُ اَلْقَرَاْر.
فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ - أَحِبَّتِي فِي اللَّهِ - وَلْيَكُنْ مَرْجِعُنَا وَمِيزَانُنَا: مَا جَاءَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا U ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا e، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( تَرَكْتُ فِيكُم أَمْرَيْنِ ، لَنْ تَضِلُّوْا مَاْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَاْ : كِتَاْبَ اَللهِ وَسُنَّةَ رَسُوْلِهِ )) .
جَعَلَنِي اللَّهِ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِكِتَابِهِ ، الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ ، اَلْسَّاْلِمِينَ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَلَا وَصَلُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدَ أَمْرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جُلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، قَاْلَ e : (( إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ , وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ , فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ , فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ )) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ )) فَاللَّهُمَّ صُلِّيْ وَسَلَّمْ وَزِدْ وَبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَتَاْبِعِيُّ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وُجُودِكِ وَرَحْمَتِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرَ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِي حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدِ آمِنًا مُطَمْئِنًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ أَرَادَنَا لِتَمَسُّكِنَا بِكِتَابِ رَبِّنَا ، وَعَمِلِنَا بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَسَيْرِنَا عَلَى مَنْهَجِ سَلَفِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ كَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدْنَا بِسُوءٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيْهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلْ اَللَّهُمَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ وَتَخْطِيطَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، ياْقَوْيَ يَا عَزِيز .
اَللَّهُمَّ فَرَجْ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفَّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدِّينَ عَنْ الْمَدِينِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا رِجَالَ أَمْنِنَا وَجَيْشِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَرْوَاحَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، وَأَرِنَا يَوْمًا أُسُودًا فِي عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِدُعَاةِ جَهَنَّمَ الْخَوَارِجِ، اللَّهُمَّ أَفْضَحْ مُخَطَّطَاتِهِمْ، وَاكْشِفْ أَسْرَارَهُمْ ، وَاَهْتِكْ أَسْتَارَهُمْ ، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ غَايَةً ، وَلَا تَرْفَعْ لَهُمْ بَيْنَنَا رَايَةً، وَاجْعَلْهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وَآيَةً ، يَاْسَمِيْعَ اَلْدُّعَاءَ } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|