لِلْآبَاْءِ ؛ نِعْمَةُ اَلْأَبْنَاْءِ
} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { ، } بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، هُوَ مَوْلَاْنَاْ } نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ ، وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، } يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ { .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ، يَقُوْلُ U مِنْ قَاْئِلٍ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَاْ اَلَّذِيْنَ أُوْتُوْا اَلْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاْكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اَللَّهَ { ، فَاَعْمَلُوْا بِوَصِيَّةِ رَبِّكُمْ لَكُمْ ؛ } اِتَّقُوْا اَللَّهَ حَقَّ تُقَاْتِهِ ، وَلَاْ تَمُوْتُنَّ إِلَّاْ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ {، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اَللهِ U ، عَلَىْ اَلْإِنْسَاْنِ فِيْ حَيَاْتِهِ ، أَنْ يَهَبَهُ مِنْ زِيْنَتِهَاْ ، } الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا { . فَوُجُوْدُ اَلْبَنِيْنَ فِيْ هَذِهِ اَلْحَيَاْةِ ، مِنْحَةٌ رَبَّاْنِيَّةٌ ، وَهِبَةٌ إِلَاْهِيَّةٌ ، يَخْتَصُّ بِهَاْ U مَنْ يَشَاْءُ مِنْ عِبَاْدِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ { ، فَوُجُودُ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ مِنْ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا، وَلَا يَحُسُّ بِمِقْدَارِهَا وَقِيمَتِهَا ، إِلَّا مِنْ حُرِمَ مِنْهَاْ . وَلَاْ يُعَوِّضُهَاْ مَاْلٌ وَلَاْ جَاْهٌ وَلَاْ مَنْصِبٌ وَلَاْ شَهَاْدَةٌ . وَلِذَلِكَ زَكَرِيَّاْ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ، نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اَللَّهِ U ، لَمَّاْ مَضَىْ عُمْرُهُ وَقَرُبَ أَجَلُهُ ، سَأَلَ اَللَّهُ U ، أَنْ لَاْ يَذَرُهُ فَرْدًا، كَمَاْ قَاْلَ تَعَالَى : } وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى { .
وَنَبِيُّنَاْ مُحَمَّدٌ r، لَمَّاْ دَخَلَ عَلَىْ اِبْنِهِ إِبْرَاْهِيْمَ، وَوَجَدَهُ فِيْ سَكَرَاْتِ اَلْمَوْتِ، بَكَىْ r، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : جَعَلَتْ عَيْنَاْهُ تَذْرِفَاْنِ ! فَقَاْلَ لَهُ عَبْدُاَلْرَّحْمَنِ بِنُ عَوْفٍ : وَأَنْتَ يَاْ رَسُوْلَ اَللهِ ؟ يَعْنِيْ أَنْتَ تَبْكِيْ ! قَاْلَ r : (( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَاْ يُرْضِيْ رَبَّنَاْ ، وَإِنَّاْ بِفِرَاْقِكَ يَاْ إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ )) .
فَوُجُودُ الْأَبْنَاءِ ، لَاْ سِيَّمَاْ اَلْأَوْلَاْدُ مِنْهُمْ ، نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، تَسْتَحِقُّ وَتُوْجِبُ شُكْرُ اَلْمُنْعِمِ بِهَاْ ، وَهُوَ اَللَّهُ سُبْحَاْنَهُ.
وَمِنْ شُكْرِهَاْ: رِعَايَتُهَاْ وَالِاعْتِنَاْءُ بِهَاْ، وَصِيَانَتُهَاْ مِنْ عَبَثِ اَلْعَابِثِينَ، وَحِفْظُهَاْ مِنْ أَنْ تَمْتَدَّ إِلَيْهَاْ أَيَّدِيْ اَلْفَاْسِدِيْنَ اَلْمُجْرِمِيْنَ، وَمِنْ أَخْطَرِهِمْ وَأَسْوَئِهُمْ: أَصْحَاْبُ اَلْأَفْكَارِ اَلْضَّاْلَّةِ، وَاَلْمَنَاْهِجِ اَلْمُنْحَرِفَةِ ، كِلَابُ اَلْنَّاْرِ اَلْخَوَارِج، وَمِنْهُمْ: اَلْمُنْتَمُوْنَ وَاَلْمُعْجَبُوْنَ وَاَلْمُؤَيِّدُوْنَ لِلْفِرَقِ اَلْضَّاْلَةِ اَلْهَالِكَةِ، وَالْجَمَاْعَاتِ اَلْمُنْحَرِفَةِ اَلْفَاْسِدَةِ ؛ كَجَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَانِ وَجَمَاْعَةِ اَلْتَّبْلِيْغِ، وَإِنْ كُنَّاْ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ نَخَاْفُ مِنْ عَبَثِ دَاْعِشَ فِيْ أَفْكَاْرِ أَبْنَاْئِنَاْ، وَقَدْ عَبِثُوْا فِيْ عُقُوْلِ بَعْضِهِمْ ، عَنْ طَرِيْقِ وَسَاْئِلَ اَلِاتِّصَاْلِ اَلْحَدِيْثَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَاْ أَنْ نَخْشَىْ وَنَخَاْفَ وَنَحْذَرَ، مِنْ عَبَثِ أُنَاْسٍ بَيْنَنَاْ ، فِيْ أَفْكَاْرِ أَبْنَاْئِنَاْ، وَصَفَهُمْ نَبِيُّنَاْ r، أَنَّهُمْ مِنْ بَنِيْ جِلْدَتِنَاْ ، وَيَتَكَلَّمُوْنَ بِأَلْسِنَتِنَاْ فَهَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُوْنَ فِيْ مَدَاْرِسِنَاْ ، أَوْ فِيْ مَسَاْجِدِنَاْ ، أَوْ فِيْ حَلَقَاْتِ تَحْفِيظِنَاْ ، أَوْ فِيْ اِسْتِرَاحَاْتِنَاْ، أَوْ فِيْ مَكْتَبٍ مِنْ مَكَاْتِبِنَاْ أَوْ فِيْ جَمْعِيَّةٍ مِنْ جَمْعِيَّاْتِنَاْ.
وَقَدْ يَقُوْلُ قَاْئِلٌ: مَاْلِ هَذَاْ اَلْمِسْكِيْن؛ يَتَّهِمُ هَذِهِ اَلْجِهَاْتِ اَلْرَّسْمِيَّةِ ، وَاَلْمُؤَسَّسَاتِ اَلْشَّرْعِيَّةِ ؟ أَقُوْلُ مَعَاْذَ اَللَّهِ ، فَبِلَاْدُنَاْ بِأَيْدٍ أَمِيْنَةٍ، وَوُلَاْةُ أَمْرِنَاْ حَرِيْصُوْنَ كُلَّ اَلْحِرْصِ، لِحِفْظِ مَاْ حَفِظَ لَنَاْ دِينُنَاْ، وَلَكِنِّيْ أُصَدِّقُ قَوْلَ اَلْنَّبِيِّ r وَأُؤْمِنُ بِهِ ، وَأَعْمَلُ بِتَوْصِيَاْتِهِ وَتَوْجِيهَاْتِهِ ، وَأَخَاْفُ وَأَحْذَرُ مِمَّاْ أَمَرَنِيْ r بِاَلْخَوْفِ وَاَلْحَذَرِ مِنْهُ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ ، أَنْ تَتَأَكَّدَ مِمَّنْ يُحِيطُ بِاِبْنِكَ ، وَيَحْتَضِنُهُ وَيَرْعَاهُ فِي أَوْقَاتِ بُعْدَكَ عَنْهُ ، وَلَاْ تَنْسَ قَوْلَ نَبِيِّكَ r: (( رِجَالٌ مِنْ جِلْدَتِنَا , وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ )), لَاْ تَعْتَقِدْ أَنَّ هَؤُلَاءِ ؛ فَقَطْ دَوَاْعِشَ اَلْعِرَاقَ ، أَوْ خَوَارِجَ مِصْرَ، أَوْ حُوثِيِّينَ الْيَمَنَ، أَوْ قَوَاعِدَ الْأَفْغَانِ ، أَوْ مَجُوسَ إِيرَانَ ! لَا عِنْدَكَ وَحَوَالَيْكَ ، كَمَاْ قَاْلَ اَلْشَّيْخُ صَالِحُ الْفَوْزَانِ ـ عُضْوُ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ ـ: قَدْ يَكُونُونَ مِنْ أَقَاْرِبِنَا.
وَأَنْتَ تَسْتَطِيعُ أَخِيْ ، أَنْ تَتَبَيَّنَ حَاْلَ مَنْ يُخَاْفُ عَلَىْ أَبْنَاْئِنَاْ مِنْهُ ، بِسُؤَالٍ وَاْحِدٍ فَقَطْ ، اِسْأَلْهُ عَنْ جَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَاْنِ الْمُسْلِمِينَ ، اَلَّتِي أَعْلَنَتِ اَلْدَّوْلَةُ ـ وَفْقَهَا اللَّهَ ـ أَنَّهَا جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَّةٌ ، تُعْنَىْ بِفِكْرٍ تَكْفِيرِيٍّ خَاْرِجِيٍّ ، وَتُوَاْلِيَ اَلْمَجُوسَ وَاَلْيَهُوْدَ ، اِسْأَلْهُ عَنْهَاْ ! فَإِذَاْ تَبَرَّأَ مِنْهَاْ ، وَبَيَّنَ لَكَ مَنْهَجَهَاْ اَلْبَاْطِلَ ، وَحَذَّرَ مِنْ رُمُوزِهَاْ اَلَّذِيْنَ يَنْبَحُوْنَ كَاَلْكِلَاْبِ دُوْنَهَاْ ، وَدَعَاْ لِوُلَاْةِ اَلْأَمْرِ ، وَأَثْنَىْ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَوْقِفِهِمْ اَلْدِّينِيِّ اَلْمُشْرِفِ مِنْهَاْ ، وَوُقُوفِهِمْ غُصَّةً فِيْ حُلُوْقِ اَلْنَّابِحِيْنَ عَنْهَاْ وَلَهَاْ ، فَاِطْمَئِنَّ ، فَاِبْنُكَ بِيَدِيٍ أَمِيْنَةٍ . أَمَّاْ إِذَاْ كَاْنَ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَاَحْذَرْ فَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُكَ مِنْ اَلَّذِينَ قَاْلَ اَللَّهُ U عَنْهُمْ : } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ، قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ { .
فَمُحَاْفَظَتُكَ أَخِيْ اَلَمُسْلِمِ، عَلَىْ مَنْهَجِ وَفِكْرِ أَبْنَائِكَ ، هُوَ مِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ رَبِّكَ U ، وَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مُحَافَظَتُكَ عَلَىْ عُقُولِهِمْ ، بِحِمَايَتِهِمْ مِنْ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُنَشِّطَاتِ، وَالَّتِي يَنْشَطُ مُرَوِّجُوْهَاْ فِي أَيَّاْمِ اَلِاخْتِبَاْرَاتِ وَتَصِلُ لِبَعْضِ أَبْنَائِنَاْ عَنْ طَرِيْقِ جُلَسَاءِ اَلْسُّوْءِ، وَأَصْدِقَاْءِ اَلْفَسَاْدِ وَاَلْإِفْسَاْدِ، اَلَّذِيْنَ شَبَّهَهُمْ اَلْنَّبِيُّ r بِنَاْفِخِ اَلْكِيْرِ ، اَلَّذِيْ لَاْ يَسْلَمْ مِنْ جَلَسَ حَوْلَهُ ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ r: (( إِنِّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يَحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً . وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أن تحرق ثَيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )) وَهَؤُلَاءِ ـ أَيْضًا ـ تَسْتَطِيعُ مَعْرِفَتُهُمْ مِنْ صِفَاتِهِمْ ، وَبَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِمْ ، وَكَمَا قَاْلَ اَلْقَاْئِلُ :
وَمَهْمَاْ تَكُنْ عِندَ اِمْرِئٍ مِنْ خَلِيْقَةٍ
وَإِنْ خَاْلَهَاْ تَخْفَىْ عَلَىْ اَلْنَّاْسِ تُعْلَمِ
مَاْذَاْ يَعْنِي أَخِيْ ، قَضَاءُ أَكْثَرِ الْأَوْقَاْتِ خَاْرِجَ اَلْبَيْتِ ، وَتَرْكُ اَلْصَّلَاْةِ فِيْ اَلْمَسَاْجِدِ، وَعَدَمُ حُضُورِ اَلِاجْتِمَاعَاتِ اَلْعَاْئِلِيَّةِ، وَاَلْسَّهَرُ إِلَىْ سَاْعَاْتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنْ اَلْلَّيْلِ ، وَاَلْنَّوْمُ أَحْيَاْنًا فِيْ أَمَاْكِنَ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، وَعَدَمُ اَلْتَّوَاجُدِ فِي مَوَاعِيدِ اَلْوَجَبَاْتِ اَلْغِذَائِيَّةِ اَلْيَوْمِيَّةِ ، إِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ اِبْنَكِ فِي خَطَرٍ ، وَمَاْضٍ فِيْ طَرِيقِ شَرٍّ يُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَهُ اَلْدِّينِيَّ وَالدُّنْيَوِيَّ .
إِذَا كَانَ الِابْنُ لَاْ يَأْكُلُ مَعَ أُسْرَتِهِ ، وَلَاْ يَنَاْمُ فِي وَقْتِ نَوْمِهَاْ ، وَلَاْ يَسْتَيْقِظُ وَقْتَ اِسْتِيقَاظِهَا ، وَلَا يَعْرِفُهَا وَلَا يَعْتَرِفُ بِهَا إِلَّاْ عِنْدَ حَاْجَتِهِ ، فَاغْسِلْ مِنْهُ يَدَكَ ، وَانْتَظَرْ مَاْ يُكَدِّرُ صَفْوَ حَيَاتِكَ ، وَمَا يَكُونُ سَبَبًا فِي تَعَاسَتِكَ وَشَقَائِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ صَدِيقٌ خَبِيثٌ ، وَقَرِينٌ فَاسِدٌ ، وَجَلِيسٌ سَيِّئٌ . ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ )) ، وَالصَّاحِبُ سَاحِبٌ :
وَإِذَا اَلْحِوَاْرُ بِاَلْحِمَاْرِ سِيْقَ عَلَّمَهُ اَلْشَّهِيْقَ وَاَلْنَّهِيْقَ
فَشَأْنُ اَلْجَلِيسِ اَلْسَّيِّئِ ، وَاَلْصَّاْحِبِ اَلْفَاْسِدِ ، شَأْنٌ عَظِيمٌ ، وَقَدْ يَكُوْنُ مِنْ اَلْأَقَاْرِبِ أَحْيَاْنًا ، وَهَذَاْ أَشَدُّ خَطَرًا ، وَأَكْثَرُ ضَرَرًا ، فَاَتَّقَوْا اَللَّهَ عِبَاْدَ اَللَّهِ ، وَاَشْكُرُوْهُ عَلَىْ مَاْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ ، اِعْتَنُوْا بِأَوْلَاْدِكُمْ ، فَلَذَّاْتِ أَكْبَاْدِكُمْ :
لَـيْـسَ اَلْيَتِيمُ مَنِ اِنتَهَى أَبَوَاْهُ مِنْ
هَمِّ اَلْحَياْةِ وَخَلَّـفـَاْهُ ذَلِيلَاً
إِنَّ اَلْيَتيمَ هُوَ اَلَّذِيْ تَلْقَىْ لَهُ
أُمّاً تَخَلَّتْ أَوْ أَباً مَشْغُوْلَاً
اَسْأَلُ اَللَّهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمًا نَاْفِعًا ، وَعَمَلًا خَاْلِصًا ، وَسَلَامَةً دَائِمَةً ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيْبٌ . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَأَنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلْرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
وَمِنْ شُكْرِ اَللَّهِ U عَلَىْ نِعْمَةِ اَلْوَلَدِ، حِفْظُهُ عَمَّا يُفْسِدُ أَخْلَاقَهُ ، فَفَسَاْدُ الْأَخْلَاقِ لَاْ يَقِلُّ خُطُورَةً عَنْ اِنْحِرَافِ اَلْفِكْرِ وَضَلَاْلِ اَلْعَقْلِ، وَأَعْنِي بِفَسَادِ الْأَخْلَاقِ ، اَلَّذِي يَجِبُ اَلْحَذَرُ مِنْهُ ، أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يُعْمَلَ بِهِ مَاْ كَاْنَ يَعْمَلُهُ قَوْمُ لُوطٍ ، اَلَّذِيْ ذَكَرَ اَللَّهُ U فِيْ قَوْلِهِ : } وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ { فَهَذَا اَلْعَمَلُ الْمُشِينُ، وَاَلْجَرِيمَةُ النَّكْرَاءُ ، ذَكَرَهَا U فِي كِتَابِهِ ، لِخُطُورَتِهَا وَشَنَاعَتِهَا، وَإِمْكَانِيَّةِ وُقُوعِهَا ، فَالْقُرْآنُ صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَلَا يُنْكِرُ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ، إِلَّا مَنْ يَدُسُّ رَأْسَهُ فِي التُّرَابِ كَالنَّعَامَةِ ، وَإِنْ تَعَجَّبَ أَخِي فَاَعْجِبْ مِنْ أَبٍ يَرَىْ أَبْنَاءَهُ كَاَلْبَنَاتِ بِأَشْكَالِهِمْ ، وَقَصَّاتِهِمْ ، وَلِبَاسِهِمْ ، وَحَرَكَاتِهِمْ ، وَنُعُومَتِهِمْ ، وَلَا يَخْشَىْ عَلَيْهِمْ ، وَيَأْمَنُ جَانِبَهُمْ فِي هَذِهِ الْكَبِيرَةِ ، الثَّابِتَةِ فِي كِتَابِ اَللَّهِ U وَسَنَةِ رَسُولِهِ r .
فَاَتَّقُوْا اَللَّهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اللَّهِ ـ وَاعْمَلُوْا عَلَىْ صَلَاحِ أَبْنَائِكُمْ ؛ بِحِفْظِ أَفْكَارِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، بِإِبْعَادِهِمْ عَنْ أَيْدِي الْعَابِثِينَ، وَعَدَمِ تَرْكِهِمْ لُقْمَةً سَائِغَةً لِلْفَاسِدِينَ وَالْمُفْسِدِينَ ، وَأَكْثَرُوا مِنْ دُعَاءِ اللَّهِ U لَهُمْ بِاَلْصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَاَلْهِدِاْيَةِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r : (( إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ )) .
أَسْأَلُ اللَّهَ U ، أَنْ يَصْلُحَ لِي وَلَكُمْ اَلْنِّيَّةَ وَاَلْذُّرِّيَّةَ ، وَأَنْ يُعِيُذَنِيْ وَإِيَّاكُمْ وَذُرِّيَّاتِنَا مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَلَا وَصَلُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدَ أَمْرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، قَاْلَ e : (( إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ , فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ , وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ , فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ , فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ )) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ )) فَاللَّهُمَّ صُلِّيْ وَسَلَّمْ وَزِدْ وَبَارَكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَتَاْبِعِيُّ اَلْتَّاْبِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وُجُودِكِ وَرَحْمَتِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرَ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِي حَوْزَةَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدِ آمِنًا مُطَمْئِنًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ أَرَادَنَا لِتَمَسُّكِنَا بِكِتَابِ رَبِّنَا ، وَعَمِلِنَا بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَسَيْرِنَا عَلَى مَنْهَجِ سَلَفِنَا ، اللَّهُمَّ مِنْ كَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدْنَا بِسُوءٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيْهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلِ اَللَّهُمَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ وَتَخْطِيطَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، ياْقَوْيَ يَا عَزِيز .
اَللَّهُمَّ فَرَجْ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفَّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَاقْضِ الدِّينَ عَنْ الْمَدِينِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا رِجَالَ أَمْنِنَا وَجَيْشِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَرْوَاحَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَرِنَا يَوْمًا أُسُودًا فِي عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِدُعَاةِ جَهَنَّمَ الْخَوَارِجِ ، اللَّهُمَّ أَفْضَحْ مُخَطَّطَاتِهِمْ ، وَاكْشِفْ أَسْرَارَهُمْ ، وَاَهْتِكْ أَسْتَارَهُمْ ، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ غَايَةً ، وَلَا تَرْفَعْ لَهُمْ بَيْنَنَا رَايَةً ، وَاجْعَلْهُمْ لِغَيْرِهِمْ عِبْرَةً وَآيَةً ، يَاْسَمِيْعَ اَلْدُّعَاءَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|