القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 2203 بالامس : 3802 لهذا الأسبوع : 12414 لهذا الشهر : 8584 لهذه السنة : 2791171 منذ البدء : 17455021 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (55): فلما آتاهما صالحا .... ) من سورة الأعراف المادة خطبة رقم (55): باب قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 190]. الحمد لله عليُّ الذات جليل القدر، عظيم الصفات رفيع الذكر، أحمده - سبحانه - وأشكره، وهو كريم العطاء جزيل الأجر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، - تبارك وتعالى - له الخلق والأمر، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، حاز مراتب الشرف ومنازل الفخر، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والأنجم الزهر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله رحمكم الله ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281] واستعدوا لما أمامكم، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل. ومن أراد الفلاح فليستبضع بضاعة المتقين، ومن أحبَّ أن يكون الله وليه فالله ولي المتقين، وأكرم الناس عند الله أتقاهم، والآخرة عند ربك للمتقين، الساعي لغير باب الله عاثر القدم، والشاكر لغير نعم الله مسلوب النعم، والعمر محسوب، والعمل مكتوب، والوقت يمر مرَّ السحاب، والموعد يوم الحساب، وربك الرزاق، والعاقبة للتقوى. عباد الله: خلق الله الخلق لعبادته، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، أنزل لهم من بركات السماء، وآتاهم من خيرات الأرض، وسخر لهم الدواب، وأوجد لهم البحار وأجرى الأنهار ورزقهم من الطيبات: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر: 62]. وجعل لهم المال والبنون زينة الحياة الدنيا، فهو - سبحانه - الواهب المُنعم، المُتفضل المُعطي: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا﴾ [الشورى: 49 – 50]، وجعل ذلك كله امتحانًا وابتلاءً ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: 15] الخلق كلهم مُلك لله وعبيد له تحت تصرفه وربوبيته، فيلزمهم عبادته وحده لا شريك له، وتعبيد الأسماء لغير الله؛ كعبد النبي، وعبد الحسين؛ يوهم أن لله شريكًا في عبادته، وذلك شرك أصغر. والواجب على العبد إذا رزقه الله ولدًا معافى سليمًا، أن يشكر الله على هذه النعمة، وألا يُعبد اسمه إلا لله وحده؛ كعبد الله وعبد الرحمن. وقد أجاز بعض العلماء التسمية بعبد المطلب استدلالاً بقوله r: «أنا النبي r لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» [رواه البخاري]. والصحيح تحريم التسمية بعبد المطلب، وأن قوله r: «أنا ابن عبد المطلب» و من باب الإِخبار بأن له جدًا اسمه عبد المطلب، ولم يرد أنه r سمى عبد المطلب أو أمر أحد صحابته بذلك، والمطلب جد النبي r كان اسمه (شيبة)، وإنما سُمي عبد المطلب لأنه حينما قدم به عمه (المطلب) إلى مكة حسبه الناس عبدًا له فسموه (عبد المطلب) فاشتهر بهذا الاسم. عباد الله: الخلق كلهم ملك لله وعبيد له، استعبدهم لعبادته وحده، وتوحيده في ربوبيته وإلهتيه، والعبودية عبوديتان، عبودية عامة كقوله ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: 93] وعبودية خاصة بأهل الطاعة والإِخلاص، كما قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36]. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 189 ، 190]. عن ابن عباس في الآية قال: لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لتُطيعاني، أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلنَّ ولأفعلن يخوفهما، سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا، ثم حملت فآتاهما، فقال مثل قوله؛ فأبيا أن يطيعاه، ثم حملت فأتهما فذكر لهما، فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله تعالى ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا﴾ وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته. وقال أكثر العلماء: إن الذين جعلوا له شركاء هم المشركون من ذرية آدم وحواء، ولهذا قال: ﴿فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وهذا هو الصحيح؛ لضعف أثر ابن عباس؛ ولتنزيه آدم وزوجه من الشرك أيًا كان، مما يؤيد ذلك ما قاله ابن القيم: في قوله تعالى ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا﴾ المشركون من أولادهما ولا يُلتفت إلى غير ذلك مما قيل أن آدم وحواء لا يعيش لهما ولد فآتاهما إبليس فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث، ففعلا، فإن الله اجتباه وهداه فلم يكن ليُشْرك بعد ذلك. وقد يقع - عباد الله - بعض الناس في أنواع مخلة بالعقيدة بوجوه مختلفة متنوعة ومن ذلك: الوجه الأول: أن يعتقد أن الذي أتى بهذا الولد هو الولي الفلاني، والصالح الفلاني، ونحو ذلك؛ فهذا شرك أكبر؛ لأنهما أضافا الخلق إلى غير الله. ومن هذا أيضًا ما يوجد عند بعض من ينتسب إلى الإسلام؛ فتجد المرأة التي لا يأتيها الولد تأتي إلى قبر الولي الفلاني، كما يزعمون أنه ولي الله والله أعلم بولايته، فتقول: يا سيدي فلان ارزقني ولدًا!! الوجه الثاني: أن يضيف سلامة المولود ووقايته إلى الأطباء وإرشاداتهم وإلى القوابل وما أشبه ذلك، فيقولون مثلاً: سَلِمَ هذا الولد من الطلق؛ لأن القابلة امرأة متقنة جيدة؛ فهنا أضاف النعمة إلى غير الله، لأنه أضاف النعمة إلى السبب ونسي المسبب وهو الله - عز وجل-. الوجه الثالث: ألا يشرك من ناحية الربوبية، بل يؤمن أن هذا الولد خرج سالمًا بفضل الله ورحمته، ولكن يشرك من ناحية العبودية؛ فيقدم محبته على محبة الله ورسوله ويلهيه عن طاعة الله ورسوله، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن: 15]. فاتقوا الله - عباد الله - واشكروا له نعمه وفضله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 49 ، 50]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله-، واشكروا لربكم نعمه وأفضاله، وخيره وإنعامه، واحرصوا على شكر ربكم كل حين بالقلب واللسان، وبحسن التربية للأبناء فإنهم أمانه عندكم، قال r: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل رعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته» [رواه البخاري ومسلم]. ومن شكر نعمة الولد القيام بأمرهم نفقة وتربية وإحسانًا. وأعظم أنواع التربية أمرهم عبادة الله وحده لا شريك له وترسيخ ذلك في قلوبهم، ودعوتهم إلى الصلاة والمحافظة عليها مع جماعة المسلمين في المساجد، قال r: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» [رواه أحمد]. وكذلك تأديبهم الآداب الإِسلامية، وتعليمهم أمور دينهم، وإبعادهم عن مواطن الخنا والفساد، وعدم جلب المنكرات إليهم في البيوت، أو الذهاب بهم إلى أماكن يُعصى الله عز وجل فيها. وغالب فساد الأبناء يأتي من جهة إهمال التربية، وعدم القيام بما أوجب الله - عز وجل - من ملاحظتهم وتوجيههم وعدم إضاعتهم فقد أمركم الله -عز وجل - بذلك فقال في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]. يقول ابن القيم - رحمه الله-: فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإِساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا. وأكثروا من الدعاء لهم بالهداية، والصلاح، والنجاح، والفلاح، فقد كان هذا ديدان الأنبياء والصالحين: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]، ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]. عباد الله: هذه الرعية أمانة عظيمة حذر الله - عز وجل - من إضاعتها، والتفريط في القيام بحقها، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾ [الأحزاب: 72]. التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|