دولة الإسلام السعودية وتطبيق الحدود
28/3/1437هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها الناس: دين الإسلام دين عظيم , فهو الدين الذي أكمله الله ، وأتم به النعمة ، ورضيه للعباد ، ليكون شريعتهم إلى قيام الساعة .
أنزله الله رحمة للعالمين ، وجعله سبيل السعادة في الدارين : ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)) ، فلا شقاء مع اتباع الدين .
وبه يحيا الناس الحياة الطيبة المطمئنة المتزنة (( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)) .
وبه الأمن ، فوعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات : ((وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)) .
وهو الروح تحيا به الأرواح والأبدان ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)) .
وهو النور والهدى بين ظلمات وضلالات البشر الوضعية ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)) بمعتقداته وتعبداته وتشريعاته .
فأيها الناس : إذا كان ديننا بهذه المثابة , فهل يمكن أن تجد البشرية بديلا أحسن منه ، يحقق لها الأمن والسعادة ، ويحل لها مشكلاتها ؟؟ لا يمكن أن يجدوا أحسن من دين الله ، ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)) .
ولذا قال الله ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) بربهم وبشريعته ((الظَّالِمُونَ)) لأنفسهم ولمجتمعهم ((الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن طاعة خالقهم .
عباد الله : إن من تشريعات دين الإسلام الجليلة ، التي تكفل للناس حياة آمنة مستقرة مطمئنة ، أحكام الحدود والقصاص والتعزيرات وسائر العقوبات ، فإنها رحمة وصلاح للعباد ، رحمة على الجاني المعاقب ، حيث تردعه عن التمادي ، وتكفر عنه الإثم ، ومن (( عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» كما في المتفق عليه .
وهي أيضا رحمة وخير وصلاح للبلاد والعباد عموما ، لذا يقول ربنا جل وعلا : ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)) ففِي شَرْع الْقِصَاصِ من القاتل حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَهِيَ بَقَاءُ الأنفس وصَوْنُها سالمة آمنة ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ من يفكر في القتل أَنَّهُ سيُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ صَنِيعِهِ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النُّفُوسِ ، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ يُفَكِّر أَنْ يَقْتُل ، فَتَمْنَعُهُ مَخَافَتُهُ أَنْ يُقْتَل .
وتأمّلوا هذا الحديث عباد الله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِقَامَةُ حُدٍّ في الأَرضِ خَيرٌ لأَهلِهَا مِن أَن يُمطَرُوا أَربَعِينَ لَيلَةً» حديث حسن رواه النسائي وابن ماجه .
العليم ببواطن الأمور وعواقبِها جل جلاله ، أوحى إلى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلمنا بأن قطع يدِ سارق واحد أو قتلَ قاتلٍ واحد أو جلد زان واحد ، خير لنا من مطر يدوم أربعين ، ذلك لأن ترك الجناة بلا إقامة الحدود والعقوبات الشرعية عليهم سبب لفساد البر والبحر على العباد ، وسبب لغرق سفينة المجتمع بالجميع ، الذين خرقوا السفينة بجنايتهم والذين تركوهم من فوقهم ولم يردعوهم .
أيها الناس : الشريعة الربانية حازمة صارمة في أحكامها مع أهل الزيغ والفساد ، فالله ((لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )) والله ((لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) لذا نهى عن الفساد ، وكتب أنه : ((مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)) وشرَّع مجازاة الحرابة والسعي بالفساد بقوله : ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) .
وتطبيق هذه العقوبات الصارمة تتطلب حزماً وقصداً صالحاً ، لذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا تَأْخُذْكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ» حديث حسن رواه ابن ماجه . وغضب صلى الله عليه وسلم لما شفع أحب الناس إليه عنده في حدٍ من حدود الله ، ووصف من حالت شفاعته دون إقامة حد من حدود الله بأنه (( مضاد لله في أمره )) حديث حسن رواه الحاكم .
فإذا كان من يشفع في الحدود يستحق أن يغضب عليه ويوصف بأنه مضاد لله في أمر ، فكيف يا عباد الله بمن يعترض ؟ كيف بمن يغضب عند تنفيذ حكم الله ؟ ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) .
أيها المسلمون : من أراد أن ينظر إلى دولة تعيش غربةً بين دول العالم ، فلينظر بتأمل إلى حال هذه الدولة المباركة ( الدولة السعودية ) التي شرفها الله بحكم جزيرة الإسلام وبلاد الحرمين ، طوبى لها فهي والله تعيش غربة الزمان
دولةٌ بين الدول ، لا تزال محافظة على التوحيد والدعوة إليه ، وتنبذ الشرك بكل مظاهره .
دولةٌ ترفع راية السنة واتباع السلف وترعاهما وتنطق بلسانهما وتنبذ البدعة .
دولة تُحَكِّم شريعة الله وتطبق حدوده ، وتعتز بأن دستورها الكتابُ والسنةُ في كل محفل ومناسبة .
دولة لا تزال متمسكة بكثير من قيم الإسلام ظاهراً وباطناً .
فلا غرابة أن يجتمع على محاربتها جميع أعداء الإسلام .
ولا غرابة أن تشن دولة الرفض الصفوية حملتها عليها ، لأنها نفذت حكم الله في شرذمة مارقة استحقت القتل حداً أو تعزيراً ، لأنها شقت عصى الطاعة ، وأرادت تفريق الجماعة، واستباحت الدماء المعصومة والأموال المحترمة ، وسعت في البلاد بالفساد ، ورَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ».
لا غرابة من الرافضة ردة الفعل هذه ، فالرافضة أكثر عداءً لإسلام السنة من اليهود والنصارى ، فهم من نكب الأمة في حوادث مؤلمة سجلها التأريخ في صفحات تاريخهم الأسود .
فيا أهل الإسلام والسنة : ساندوا دولتكم دولة الإسلام السعودية ، أحبوها ، انشروا محاسنها ، تغاضوا عن أخطائها وتقصيرها ، فوالله إن قوتها قوة لأهل الإسلام ، وعزها عز لأهل الإسلام ، وضعفها ضعف لأهل الإسلام .
إن دولتكم دولة الإسلام السعودية ، تواجه حروباً شرسة متنوعة، من صنوفٍ من الأعداء ، فاليهود أشد أعدائها ، والنصارى يمكرون بها، والشيوعيون مواقفهم ضدها، والرافضة تنفث سمها وتشعل الفتن داخلها ومن حولها ، والخوارج المارقون وجهوا سلاحهم نحوها واصطفوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون مع أعدائها ، وأحزاب دينية لم ترتض طريق السلف تكيد لها كيدها ، وكلٌ يتربص بهذه الدولة الغريبة ليضعفها ويضعف تمسكها بإسلامها ، بحروب سياسية ، واقتصادية ، وإعلامية ، وأخلاقية قيمية ، وشهواتية وشبهاتية ، وحربٍ عسكرية تخوضها شمالاً وجنوباً .
فاللهم منزل الكتاب ، مجري السحاب، هازم الأحزاب اهزم اليهود والنصارى والشيوعيين والرافضة والخوارج المارقين ، اللهم عونك ونصرك وتأييدك لدولة الإسلام والسنة ، اللهم أعزها وأعز بها الإسلام والسنة ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على تتابع الفضل والإحسان ، الحمد لله على الإسلام، الحمد لله على الإيمان ، الحمد لله على التوحيد والسنة والقرآن ، الحمد لله على الأمن والأمان وصلاح الشان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله قدوة أهل الإيمان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد :
أيها الناس : ما واجبنا كأفراد تجاه تطبيق حدود الله ؟
أولاً : الرضا بحكم الله والتسليم لأمره ، ولا يتم الإيمان إلا بذلك ، بل ونفرح بإقامة حدود الله فهي رحمة وصلاح للعباد ، وقد كان السلف يفرحون بتنفيذ حكم الله في المفسدين وخصوصاً المبتدعة المتمردين ، كما فرح علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسجد شكراً لله عندما رأى العلامة التي تؤكد له أن الذين قتلهم في النهروان هم الخوارج .
ثانياً : أن نحمد الله على تيسير الحكم بشريعته السمحة العادلة ، فهي والله نعمة علينا لا تقدر بالأثمان ، فقدتها عامة دول الأرض .
ثالثاً : أن نشكر لولاة الأمر الذين لم تأخذهم في الله لومة لائم في تطبيق حدود الله الشرعية ، وندعو لهم بالثبات والمزيد من الهدى والصلاح والتسديد والحزم والعزم ، وهذا حق من حقوقهم علينا ، وجزء من النصح لهم .
رابعاً : أن نلزم الجماعة والسمع والطاعة فيما نحب ونكره عبودية لله ، ونحرص على اجتماع الكلمة والصف ، فدولتنا دولة إسلام وسنة وجماعة ، وتحب الاجتماع وتسعى إليه ، ومن محبتها وسعيها للاجتماع قادت تكوين تحالف إسلامي كبير استبشرت به الأمة بأسرها ، وباجتماعنا عباد الله في الداخل على الحق نقوي دولتنا ، ونزيد من هيبة جانبها ، ونسهم في استتباب أمنها ، واستقرار أحوالها ، و«يد الله مع الجماعة » و«الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب » .
خامساً : أن نحذر من زيغ الزائغين ، وضلال الضالين ، وبدعة الخوارج التكفيريين المفسدين ، وبدعة الرافضة المشركين الفتانين ، فمآلهما ومآل كل بدعة غش الأمة وحمل السيف عليها .
سادساً : أن نوالي دولة التوحيد والسنة ونحبها ، حُبًّا في التوحيد والسنة والحكم بالشريعة ، وبالْمقابل نحذر من معاداتها ، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله : العداء لهذه الدولة عداء للتوحيد .
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا واستقرارنا ، اللهم احفظ بلادنا من شر الأشر وكيد الفجار، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا ، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن ، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا متين .
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف
اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أعز السنة وأهلها في كل مكان اللهم قو أهل السنة وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً . اللهم كن لهم ولا تكن عليهم وأعنهم ولا تعن عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم . اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم يا أرحم الراحمين
اللهم فرج عن إخواننا في الشام والعراق واليمن وليبيا ، اللهم فرج عن إخواننا في المدن المحاصرة في الشام ، اللهم لا يقدر على تفريج كبرتهم غيرك ، يا سامعاً لكل شكوى .
اللهم عجل بهلاك طاغية الشام وجنده وأعوانه من رافضة لبنان وإيران .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.