عاشوراء الهلاك والعطاء
اَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِيْ: } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ: } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، أرسله } بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ يبعثون .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُوْن :
اَلْصِّرَاْعُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاْطِلِ ، سُنَّةٌ رَبَّاْنِيْةٌ كَوْنِيَةٌ ، لِأَجْلِهِ قَاْمَ عَلَمُ اَلْجِهَاْدِ ، وَلِأَجْلِهِ خُلِقَتْ اَلْنَّاْرُ وَبِئْسَ اَلْمِهَاْدُ، وَلِأَجْلِهِ أُوْجِدَتِ اَلْجَنَّةُ لِخَيْرِ اَلْعِبَاْدِ ، وَلَكِنْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَهْمَاْ هَيْمَنَ اَلْبَاْطِلُ ، وَعَلَاْ وَسَاْدَ فِيْ نَظَرِ بَعْضِ اَلْنَّاْسِ ، فَإِنَّهُ لَاْبُدَّ لَهُ مِنْ إِبَاْدَةٍ وَ زَوَاْلٍ ، وَلَاْبُدَّ لَهُ مِنْ نِهَاْيَةٍ وَاَضْمِحْلَاْلٍ ، يَقُوْلُ U : } لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ { ، وَيَقُوْلُ جَلَّ وَعَلَاْ: } بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ { وَيَقُوْلُ سُبْحَاْنَهُ: } وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً { أَيْ مُضْمَحِلٌ ، هَاْلِكٌ ، لَاْ ثَبَاْتَ لَهُ مَعَ اَلْحَقِّ وَلَاْ بَقَاْءَ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنَ اَلْحَوَاْدِثِ اَلَّتِيْ تُعْتَبَرُ مِثَاْلَاً حَيَّاً لِاِنْتِصَاْرِ اَلْحَقِّ عَلَىْ اَلْبَاْطِلِ : حَاْدِثَةُ نَبِيْ اللهِ مُوْسَىْ مَعَ فِرْعَوْنَ اَلْطَّاْغِيَةِ ، وَاَلَّتِيْ كَاْنَتْ نِهَاْيَتُهَاْ فِيْ اَلْيَوْمِ اَلْعَاْشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ اَلْمُحَرَّم . وَقَعَتْ تِلْكَ اَلْحَاْدِثَة ، أَوْ تِلْكَ اَلْمَعْرَكَة ، بَيْنَ أَهْلِ اَلْتَّوْحِيْدِ وَأَهْلِ اَلْشِّرْكِ وَاَلْضَّلَاْلِ . بَيْنَ نَبِيٍ مِنْ أَنْبِيَاْءِ اللهِ ، لَيْسَ مَعَهُ إِلَّاْ أَخُوْهُ وَعَصَاْهُ ، وَبِيْنَ طَاْغِيَةٍ مِنْ طَوَاْغِيْتِ اَلْأَرْضِ . وَصَفَهُ اللهُ U بِذَلِكَ فَقَاْلَ لِمُوْسَىْ : } اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى { مَاْذَاْ كَاْنَ يَفْعَلُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ ؟ كَاْنَ يَقِفُ خَطِيْبَاً فِيْ قَوْمِهِ فَيَقُوْلُ لَهُمْ : } يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي { وَقَوْمُهُ بَلَغَ فِيْهِمْ اَلْغَبَاْءُ وَاَلْبَلَاْدَةُ مَبْلَغَاً عَظِيْمَاً ، وَكَمَاْ وَصَفَهُمُ اللهُ U بِقَوْلِهِ : } فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ { لَعِبَ فِيْ عُقُوْلِهِمْ ، فَأَطَاْعُوْهُ وَاَسْتَجَاْبُوْا لَهُ ، يَقُوْلُ لَهُمْ : } يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ{ فَيَهُزُّوْنَ رُؤُوْسَهُمْ: أَنْ نَعَم . وَيَسْجُدُوْنَ لَهُ, وَيُنَاْدِيْ فِيْهِمْ قَاْئِلَاً: } أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى { فَيَقُوْلُوْنَ: نَعَم . وَيُصَفِّقُوْنَ لَهُ ، لِأَنَّهُمْ بَلَغُوْا مِنَ اَلْبَلَاْدَةِ وَاَلْغَبَاْءِ مَبْلَغَاً عَظِيْمَاً .
فَاَلْطَّاْغِيَةُ فِرْعَوْن، أَرْسَلَ اللهُ إِلَيْهِ مُوْسَىْ ، فَأَتَاْهُ وَمَعَهُ أَخُوْهُ وَعَصَاْهُ ، بَعْدَ أَنْ أَوْصَاْهُمَاْ U بِاَلْرِّفْقِ بِهِ وَاَلْلِيْنِ مَعَهُ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى { . فَأَتَيَاْ إِلَيْهِ وَفَعَلَاْ مَاْ أَمَرَهُمَاْ رَبُهُمَاْ بِهِ ، وَلَكِنَّ فِرْعَوْنُ مُجْرِمٌ عَنِيْدٌ ، غَرَّهُ مُلْكُهُ وَ سُلْطَاْنُهُ ، نَظَرَ إِلَىْ قُصُوْرِهِ وَخَدَمِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَىْ مُوْسَىْ وَأَخِيْهِ ، فَسَأَلَ بِاَسْتِهْزَاْءٍ وَاَسْتِهْتَاْرٍ: } فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى { ؟ قَاْلَ مُوْسَىْ: } رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى { جَوَاْبٌ مُقْنِعٌ ، وَلَكِنْ كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ { ، لَمْ يُرِدِ اللهُ هِدَاْيَتَهُ ، فَذَهَبَ يَبْحَثُ عَنْ حِيْلَةٍ ، لِيُشَكِّكَ وَيَطْعَنَ فِيْ مَقْصِدِ مُوْسَىْ ، فَقَاْمَ بِاَلْأَغْبِيَاْءِ خَطِيْبَاً فَقَاْلَ: } إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ { اللهُ أَكْبَرُ ! إِذَاْ كَاْنَ مُوْسَىْ يُفْسِدُ فِيْ اَلْأَرْضِ أَنْتَ مَاْذَاْ تَفْعَلُ يَاْ فِرْعَوْن ؟ وَأَيُ دِيْنٍ هَذَاْ اَلَّذِيْ تَخَاْفُ أَنْ يُبَدَّلَ ؟ ضَحِكَ عَلَىْ عُبَّاْدِهِ فِيْ هَذِهِ اَلْحِيْلَةِ ، وَعَلَىْ رَأْسِهِمْ بِطَاْنَتُهُ اَلْفَاْسِدَة ، هَاْمَاْنُ وَقَاْرُوْنُ ، فَاَتَّهَمُوْا مُوْسَىْ بِاَلْكَذِبِ وَاَلْسِّحْرِ ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {. فَاَتَّهَمُوْهُ بِاَلْسِّحْرِ ، وَلِذَلِكَ اِسْتَعَاْنُوْا بِسَحَرَتِهِمْ لِإِبْطَاْلِ سِحْرِهِ كَمَاْ زَعَمُوْا ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ فِرْعَوْنُ اَلْأَجْرَ وَاَلْقُرْبَ مِنْهُ إِذَاْ هُمْ غَلَبُوْا مُوْسَىْ ، وَلَكِنَّهُمْ وَلِعِلْمِهِمْ بِاَلْسِّحْرِ عَرَفُوْا صِدْقَ رِسَاْلَتِهِ ، فَآمَنُوْا مَعَهْ وَصَدَّقُوْا بِهِ ، فَغَضِبَ اَلْطَّاْغِيَةُ وَقَاْلَ لَهُمْ: } آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ { سَخَاْفَةٌ ، وَإِلَّاْ مَتَىْ يَحْتَاْجُ اَلْإِيْمَاْنُ لِأِذْنٍ مَنْ بَشَرٍ ؟ } قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ { مُوْسَىْ هُوَ اَلَّذِيْ عَلَمَهُمْ اَلْسِّحْرَ ! كُلُّ هَذَاْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَبْقَىْ لَهُ مُلْكُ مِصْرَ ! } فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِيْ جُذُوْعِ اَلْنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاْباً وَأَبْقَىْ { فَمَاْذَاْ كَاْنَ جَوَاْبُ أَهْلِ اَلْإِيْمَاْنِ ؟ مَاْذَا كَاْنَ جَوَاْبُ هَؤُلَاْءِ، اَلَّذِيْنَ قَبْلَ قَلِيْلٍ ، يَسْأَلُوْنَ عَنِ اَلْأَجْرِ ، مُقَاْبِلَ غَلَبَتِهِمْ لِمُوْسَىْ ؟ لَمَّاْ كَاْنُوْا سَحَرَةً فَجَرَةً ، وَهُوَ يُمَنِيْهِمْ وَيَعِدُهُمْ بِاَلْأَجْرِ ، وَجَعْلِهِمْ مِنْ اَلْمُقَرَّبِيْنَ لَهُ ، أَيْ مِنْ رِجَاْلِهِ وَحَاْشِيَتِهِ ، فَلَمَّاْ آمَنُوْا ، صَاْرَ يَتَوَّعَدُهُمْ بِتَقْطِيْعِ أَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ ، وَصَلْبِهِمْ عَلَىْ جُذُوْعِ اَلْنَّخْلِ . فَلِلهِ دَرْهُمْ ، مَاْذَاْ كَاْنَ جَوَاْبُهُمْ ؟ اسْمَعُوْهُ مِنْ كَلَامِ الله }قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا { افْعَلْ مَاْ تَشَاْءَ ، وَمَاْ تَسْتَطِيْع ، فَإِنَنَاْ نُرِيْدُ اَلْآخِرَةَ } إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى { فَيَقِفُ حَاْئِرَاً ، وَتَأْتِيْ اَلْبِطَاْنَةُ اَلْفَاْسِدَةُ فَتَقُوْلُ: } أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ { فَيَشْتَاْطُ غَيْظَاً وَيُصْدِرُ قَرَاْرَاً عَشْوَاْئِيَاً: } قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ { وَلَكِنَّ هَذَاْ اَلْتَّهْدِيْدُ لَمْ يَثْنِ مُوْسَىْ عَنْ دَعْوَتِهِ ، حَتَّىْ أَتَاْهُ أَمْرُ اللهِ بِاَلْخُرُوْجِ ، فَيَخْرُجُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ اَلَّذِيْنَ آمَنُوْا فِيْ جُنْحِ اَلْظَّلَاْمِ ، وَفِيْ صَبَاْحِ اَلْيَوْمِ اَلْتَّاْلِيْ ، يَنْظُرُ فِرْعَوْنُ ، فَلَمْ يَجِدْ مُوْسَىْ وَلَاْ أَحَدَاً مِنْ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، فَيَجْمَعُ جُنْدَهُ ، وَيُصْدِرُ أَمْرَهُ: } إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ { ، فَيَسِيْرُ بِجُنِوْدِهِ عَنْدَ طُلُوْعِ اَلْشَّمْسِ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ { } فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَان { أَيْ نَظَرَ كُلٌّ مِنْ اَلْفَرِيْقَيْنِ إِلَىْ اَلْآخَرِ } قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ { وَفِعْلَاً يَأْتِيْ اَلْوَحْيُ مِن اللهِ إِلَىْ مُوْسَىْ ، يَأْتِيْ فِيْ لَحَظَاْتٍ حَرِجَةٍ ، اَلْبَحْرُ أَمَاْمَهُمْ بِأَمْوَاْجِهِ اَلْمُتَلَاْطِمَةِ ، وَفِرْعَوْنُ خَلْفَهُمْ بِجُنْدِهِ وَجَيْشِهِ ، فِيْ هَذِهِ اَلْلَحَظَاْتِ يَأْتِيْ اَلْوَحْيُ مِنْ اللهِ إِلَىْ مُوْسَىْ : } فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى { أَيْ لَاْ تَخَاْفُ دَرَكَاً مِنْ فِرْعَوْنَ وَلَاْ تَخْشَىْ مِنْ اَلْغَرَقِ ، وَفِعْلَاً يُنْفَلِقُ اَلْبَحْرُ حَتَّىْ صَاْرَ كَاَلْجَبَلِ اَلْعَظِيْمِ ، وَيَمُرُ مُوْسَىْ وَمَنْ مَعَهُ وَكَأْنَّهُمْ يَمْشُوْنَ عَلَىْ أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفِ اَلْبَحْرَ يَوْمَاً مِنْ اَلْأَيَّاْمِ ، وَيَتْبَعُهُمْ اَلْشَّقِيُ وَجُنُوْدُهُ ، يَتْبَعُهُمْ فِرْعَوْنُ وَمِنْ مَعَهُ مِنْ اَلْمُجْرِمِيْن ، فَلَمَّاْ تَجَاْوَزَ اَلْبَحْرَ مُوْسَىْ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَتَوَسَّطَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْكَاْفِرِيْنَ ، وَإِذَاْ بِاَلْبَحْرِ يَعُوْدُ بَحْرَاً بِأَمْرٍ مِنْ اللهِ U ، فَيَغْرَقُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ أَجْمَعُوْنَ ، فَلَمَّاْ أَحَسَّ فِرْعَوْنُ بِاَلْغَرَقِ ، وَطَاْحَ مَاْ فِيْ رَأْسِهِ ، صَاْحَ بِأَعْلَىْ صَوْتِهِ وَهُوَ تَحْتَ أَمْوَاْجِ اَلْمَاْءِ : } آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ { وَيَأْتِيْ اَلْنِّدَاْءُ اَلْأَخِيْرُ اَلَّذِيْ يُقَطِّعُ نِيَاْطَ اَلْقُلُوْبِ : } آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ { .
اَلْلَّهُمَّ لَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْغَاْفِلِيْن ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ وَاَلْيَقِيْنِ ، وَاَجْعَلْنَاْ مِنْ عِبَاْدِكَ اَلْصَّاْلِحِيْن ، وَاَرْحَمْنَاْ بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
إِنَّ ذَلِكَ اَلْيَوْم ، اَلَّذِيْ نُجِّيَ فِيْهِ مُوْسَىْ عَلِيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَاْ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ ، وَأُغْرِقَ فِيْهِ فِرْعَوْن ، هُوَ اَلْيَوْمُ اَلْعَاْشِرُ مَنْ شَهْرِ اللهِ اَلْمُحَرَّم ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ e : (( مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ )) فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : (( فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ )) ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ e ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُوْن :
فَيَوْمُ عَاْشُوْرَاْء ، وَاَلَّذِيْ يُوَاْفِقُ يَوْمَ الثَّلاثَاء اَلْقَاْدِم ، حَسَب تَقْوُيْمِ أُمِّ اَلْقُرَىْ ، هُوَ يَوْمٌ عَظِيْمٌ ، يُشْرَعُ صِيَاْمُهُ ، فَكَمَاْ سَمِعْتُمْ صَاْمَهُ اَلْنَّبِيُ e وَأَمَرَ بِصِيَاْمِهِ ، فَصُوْمُوْا ذَلِكَ اَلْيَوْمِ إِتِّبَاعَاً لِسُنَّةِ نَبِيْكُمْ وَاَحْتِسَاْبَاً لِلْأَجْرِ مِنْ رَبِّكُمْ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e : (( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إنِّي أحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ )) .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُوْن :
وَاَعْلَمُوْا بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُوْمَ عَاْشُوْرَاْء ، أَنْ يَصُوْمَ مَعَهُ اَلْيَوْمَ اَلْتَّاسِع ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بِنِ عَبَّاْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَاْلَ : حِيْنَ صَاْمَ رَسُوْلُ اللهِ e يَوْمَ عَاْشُوْرَاْءَ وَأَمَرَ بِصِيَاْمِهِ قَاْلُوا : يَاْ رَسُوْلَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : (( فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ )) قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ e . .
أَسْأَلُ اللهَ U أَنْ يَجْعَلَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ اَلْكَرِيْمِ ، وَأَنْ يُحْيِيْنَاْ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ ، وَيُمِيْتُنَاْ عَلَىْ اَلْإِيْمَاْنِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَاْ فِيْ رِضَاْهُ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مٌجِيْبٌ .
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ أَنْ تَنْصُرَ عِبَاْدَكَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَأَنْ تُذِلَّ اَلْشِّرْكَ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْيَهُوْدِ اَلْمُعْتَدِيْنَ ، وَاَلْنَّصَاْرَىْ اَلْحَاْقِدَيْنَ ، وَمَنْ كَرِهَ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ اِحْفَظْ بِلَاْدَنَاْ وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ وَحْدْ كَلِمَتَنَاْ وَقُوْيِ شَوْكَتَنَاْ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ بِسُوْءٍ اَلْلَّهُمَّ اَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَمَنْ حَاْكَ لَنَاْ كَيْدَاً ، فاَلْلَّهُمَّ اَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَمَنْ دَبَّرَ لَنَاْ شَرْاً فَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً فِيْ تَدْمِيْرِهِ يَاْرَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
وللمزيد من الخطب السابقة في مناسبة عاشوراء تجدها هنا:
http://islamekk.net/play.php?catsmktba=1480 |