عاشوراء وآل البيت رضي الله عنهم
الحمد لله الواحد القهار, يخلق ما يشاء ويختار, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار, صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واحمدوه واشكروه على مزيد فضله وإحسانه، فنفحاته لاتزال تساق إلينا، فما ينتهي موسم من مواسم الخيرات إلا ويعقبه موسم آخر منةً وتفضلا وإحسانا منه سبحانه على عباده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ» رواه مسلم.
نعم، حديثٌ عظيم وفضل كبير وتجارة رابحة مع رب كريم جواد معطي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» رواه مسلم. وروى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه مسلم.
وصيام اليوم العاشر من شهر الله الْمحرم يُكفر سنة كاملة قال صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه مسلم .
فاعزموا على صيامه لتغنموا بتكفير سنة مضت لم تخلو من ذنوب وتقصير، وصوموه اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وصوموه شكرا لله تعالى وتعظيماً.
لا كما تفعله تلك الفرقة المارقة الهالكة : الرافضة - قبحهم الله - فإنها تفعل في يوم عاشوراء مآتم وأحزان وشق للجيوب ولطم للخدود وصراخ وعويل لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنه.
لكن، ألم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن شق الجيوب ولطم الخدود؟ هل سبق وأن أقام النبي صلى الله عليه مأتما يتكرر كل عام ؟؟!!.
خصوصا وقد استُشهد في زمنه صلى الله عليه وسلم مَنْ هو مِن آل بيته ومِن أحب الناس إليه!!؟؟ استُشِهد حمزة وجعفر وقبلهم توفيت خديجة رضي الله عنهم أجمعين ولم يقم صلى الله عليه وسلم شيئا من تلك المنكرات.
أيها الناس إنه لا نزاع في فضل الحسين - رضـي الله عنه - ومناقبه بل ومن يشك في ذلك فهو ضال مضل ؛ فالحسين رضي الله عنه من علماء الصحابة، ومن سادات المسلمين في الدنيا والآخرة الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء، وهو ابن علي ابن أبي طالب ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم والذي نصره بنفسه وماله، وهو الذي يحبه الله ورسوله ، وابن بنت أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، والتي هي أفـضل بناته، وما وقـع من قتله فأمر منكر شنيع محزن لكل مسلم، وقد انتقم الله - عز وجل - من قتلته فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة , ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
أيها الناس: ولكرم النبي صلى الله عليه وسلم كُرّمت ذريته، ولشرفِهِ شرّف آل بيته، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضي الله عنهم واتباعهم جزء لا يتجزأ من عقيدة أهل السنة والجماعة، ونشهد الله على ذلك ، كيف لا؟ وهم وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هم وصيته وهم بقيته، وهم نسله من بعده إذ يقول: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» رواه مسلم.
وآل بيته صلى الله عليه وسلم هم أزواجه وذريته وقرابته الذين حرُمت عليهم الصدقة وهم أشراف الناس، فقد أثنى الله عزّ وجل في قرآنٍ يتلى إلى قيام الساعة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حينما سألوه كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ» وقال عليه الصلاة والسلام للحسن رضي الله عنه: «اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ» متفق عليه.
وهذا هو منهجنا ومنهج علمائنا من قبلنا بل ومنهج سلفنا الصالح ومنهج أهل السنة والجماعة نُحبهم ونتبعهم ونعادي مَنْ عاداهم ففي الصحيحين أن أبا بكر رضي الله عنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي».
وقد روى إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في فضائل آل البيت وحفظ للأمة أحاديث كثيرة في ذلك ، منها ما رواه عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمِّهِ العباس: «وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ امْرِئٍ إِيمَانٌ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حيث قال يوم غدير خم: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» رواه مسلم".
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله "وقد أوجب الله لأهلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقًا، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد بل هو من الغلو والجفاء".
إن حُبَّ آلُ البيت يقتضي اتباعُهم والسيرَ على نهجِهِم ولا يبيح دعاءهم والاستغاثة بهم وإقامة المآتم والأحزان التي لم يفعلوها هم بل وأنكروها رضي الله عنهم ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
فاللهم اجعلنا مِمّن حقق التوحيد وكمل في قلبه، واحشرنا في زمرة محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الأطهار وصحابته الكرام الأبرار . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
عباد الله: تسترت الرافضة بادعاء حبهم وموالاتهم، وأنهم وحدهم القائمون بهذا الحق، في حياتهم وبعد مماتهم، وأما سائر المسلمين فإنهم يعادون آل البيت ويكرهونهم، وبالغوا قبحهم الله في ذلك مبالغة واسعة، كان لها أثرها في القديم والحديث، وربوا أتباعهم وأولادهم على ذلك، ثم غالوا في حبِّ علي رضي الله عنه، حتى جعلوا له شيئاً من الألوهية, كما أنهم بالغوا في كراهية من سواهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم أن الرافضة أكثر الناس استغلالاً لمكانة آل البيت، والمتاجرة فيهم، أحياءاً وأمواتاً، ويتسترون وراء ذلك لهدم الإسلام والنيل من القرآن، ادعاء تحريفه، وتكفير الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وأهل السنة والجماعة - ولله الحمد - وسط في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بين الناصبة الذين ينصبونهم العداء، وبين الرافضة الذين يغلون فيهم، بل يعرفون لهم حقوقهم، ويؤمنون بالله عز وجل، ويعتقدون ذلك شريعة يدينون الله عز وجل بامتثاله.
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نشهدك بأنا نحب أصحاب نبيك أجمعين وآل بيته الطاهرين فاللهم أمتنا على عقيدتهم واحشرنا في زمرتهم يا أكرم الأكرمين، اللهم إنا نبرأ من كل مُكفِّرٍ وسابٍّ لأصحاب نبيك. اللهم إنا نتولاهم ونحب آل بيت الأطهار ونحب زوجات نبيك أمهات المؤمنين وصحابة نبيك أجمعين فيا ربنا ويا مولانا أمتنا على هذه العقيدة يا ذا الجلال والإكرام . اللهم ادحر الرافضة ورد كيدهم في نحورهم . اللهم خالف بين كلمتهم، اللهم افضح مكرمهم وأبطله يا قوي يا متين اللهم العن مَنْ لعن أصحاب نبيك يا عزيز .
اللهم أعز أهل التوحيد والسنة ، اللهم ودمر أعداءك أعداء الدين والملة. الذين يقاتلون أولياءك ويكذبون رسلك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق يا قوي يا عزيز .
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم من أرادنا اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه، اللهم إنا ندرؤك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم إنك أنت السميع العليم .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلننا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. اللّهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهمّ أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغثنا، غثيًا هنيئًا مَريئًا غَدَقًا طبَقًا مجلِّلاً سحًّا عامًّا نافعًا غيرَ ضار عاجلاً غير آجل، اللّهمّ تحيي به البلادَ وتسقِي به العبادَ وتجعله بلاغًا للحاضِر والباد، اللهم اسقِ عبادك وبهائمَك وأحيِ بلدَك الميت. اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللّهمّ إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبِنا فضلك. اللهم أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوّةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين. اللّهمّ اغفِر لنا أجمعين واكشِف البلاء عن المسلمين يا أرحم الراحمين. وتقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |