القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 3570 بالامس : 12790 لهذا الأسبوع : 3568 لهذا الشهر : 160835 لهذه السنة : 2736174 منذ البدء : 17400018 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (40): باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله. المادة خطبة رقم (40): باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوىـ، فمن اتقى ربه نجا، ومن صدقه لم ينله أذى ومن رجاه كان حيث رجا. أيها المسلمون: الدنيا دار امتحان وابتلاء، دار مصائب وأكدار، يبتلي الله - سبحانه - عباده فيها، وكلَّما كانت المصيبة على العبد أعظم كمية أو كيفية وصبر واحتسب، كان الجزاء عليها أعظم، فمن فقد ابنًا له ليس كمن فقد جميع أهله، ومن فقد بعض ماله ليس كمن فقد جميع ماله، وهذا من كمال عدل الله - سبحانه-. والبلاء الذي يصيب العبد لا يخرج عن أربعة أقسام: إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، أو في أهله ومن يُحب؛ والناس مشتركون في حصولها، فغير المؤمن التقي يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن، كما هو مشاهد. ومن علامة محبة الله للعبد أن يبتليه، فقد ابتُلي الأنبياء والصالحون فصبروا، قال r: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله - تعالى - إذا أحب قومًا إبتلاهم»، وقال r: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل». ولا بد أن يعلم المصاب: أن الذي ابتلاه بمصيبته أحكم الحاكمين ,ارحم الراحمين، وأنه - سبحانه - لم يُرسل البلاء ليُهلكه به، ولا ليعذبه، ولا ليجتاحه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا على بابه، لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعًا قصص الشكوى إليه. فأبشروا يا من صبرتم واحتسبتم بالأجور العظيمة، قال r: «ما يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا شيء؛ إلا كفر له بها، حتى الشوكة يشاكها» [رواه البخاري]. عباد الله: منزلة الصبر من أعظم المنازل التي حض عليها الإسلام، وقد ذكرها الله في كتابه في أكثر من تسعين موضعًا وجعل - سبحانه - جزاءه من أعظم الجزاء، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. قال بعض السلف: لا تكال الأجور للصابرين ولا توزن، وإنَّما تُغرف لهم غرفًا. والصبر في اللغة الحبس والكف، ومنه: قُتل فلان صبرًا، إذا أُمسك وحبس، ومنه ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ [الكهف: 28] أي: احبس نفسك معهم. والصبر في الشرع: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما. وفي صحيح مسلم عن النبي r قال: «والصبر ضياء» وعند البخاري ومسلم عن النبي r أنه قال: «ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»، وقال علي - t-: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ثم رفع صوته وقال: أما إنه لا إيمان لمن لا صبر له. وينقسم الصبر إلى ثلاثة أقسام: الأول: الصبر على ما أمر الله به من الطاعات: وهو أفضلها، كالصبر على إقامة الصلاة في أوقاتها بأركانها وواجباتها، وكالصبر على بر الوالدين وعلى الحجاب للمرأة وغير ذلك. الثاني: الصبر عما نهى الله من المعاصي: كالصبر عن سماع المعازف، ورؤية المنكرات وغير ذلك. الثالث من أقسم الصبر: الصبر على أقدار الله، كالصبر على المصائب؛ في النفس، أو الأهل، أو المال. عباد الله: من أصيب بمصيبة في نفسه، أو ماله، أو ولده؛ فعلم أنها من قدر الله فصبر واحتسب، واسترجع واستسلم لقضاء الله، عوَّضه الله عمَّا فاته في الدنيا؛ هدى في قلبه، ونورًا وراحة، وطمأنينة ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه، قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - t أن رسول الله r قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت». يخبر الرسول r في الحديث أنه سيبقي في الناس خـصلتان من خصال الجاهلية، وهما من أنواع الكفر الأصغر الذي لا يُخرج عن ملة الإِسلام، ولا يسلم منها إلا من سَلَّمه الله، وهما: الأول: الطعن في النسب: وذلك بعيب الأنساب وتنقصها، كقوله: آل فلان ليس نسبهم جيدًا، ذمًا وقدحًا لهم. الثانية: النياحة على الميت: وذلك برفع الصوت بالبكاء والصراخ عند المصيبة، أو تعداد فضائل الميت على سبيل الجزع والتسخط عليه، كقول أولاد المتوفى عن والدهم: من الذي ينفق علينا بعدك، جزعًا عليه، وما علموا أنَّ الله هو الرازق الذي تكفل برزق عباده، قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]. أمَّا دمع العين والحزن فلا يُلام عليه العبد، ففي الحديث لما توفي إبراهيم ابن رسول الله r، قال: «إنَّ العين لتدمع، وإنَّ القلب ليحزن، وإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون» [رواه البخاري]. وللبخاري ومسلم، عن ابن مسعود مرفوعًا: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية». بين r في الحديث الوعيد الشديد لمن وقع في الأمور التالية المنافية للصبر على أقدار الله، وهي: أولاً: لطم الخدود: يعني عند المصيبة؛ جزعًا على الميت وتسخطًا. ثانيًا: شق الجيوب: جرت عادة الجاهلية أنهم يشقون جيوبهم؛ جزعًا على الميت. وخص لطم الخد وشق الجيب لأنه الغالب فعله عند الجاهلية، ولو فعل بباقي الجسد أو الثياب لدخل في النهي. الثالث: الـدعاء بـدعوى الجاهلية: يعني ندب الميت والـدعاء بالويل والثبور، كقول: واويلاه، وانقطاع ظهراه. وخص الرسول r هذه الأمور بالذكر؛ لأنها غالبًا ما تكون عند المصائب، وإلا فمثله كسر الأواني وتخريب الطعام، وهذه الأمور من الكبائر؛ لأنها مشتملة على التسخط على الرب، وعدم الصبر الواجب، والإِضرار بالنفس من لطم الوجه، وإتلاف المال بشق الثياب وتمزيقها، والدعاء بالويل والثبور، والتظلم من الله. وفي الحديث عن النبي r أنه قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة» [رواه الترمذي]. أيها المسلمون: إذا أراد الله - سبحانه - بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، كمرض أو موت ولد وغير ذلك؛ لأن العقوبات تُكَفِّر السيئات، فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد فإنَّه يُلاقي الله - سبحانه - وليس عليه ذنب، قد طهرته المصائب والبلايا حتى إنَّه ليُشدد على العبد عند موته؛ ليخرج من الدنيا نقيًا من الذنوب وهذه نعمة؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. وفي الصحيح: «ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة» فالمصائب نعمة؛ لأنها تكفر الذنوب، وتدعو إلى الصبر، فيثاب عليها، وتقتضي الإِنابة إلى الله والذل له، والإِعراض عن الخلق، إلى غير ذلك من المصالح، إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مما كان قبل ذلك، فتكون شرًا عليه، من جهة ما أصابه في دينه، فهذه العافية خير له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة. وإذا أراد الله - سبحانه - بعبده الشر ترك عقوبته في الدنيا؛ حتى يلاقي ربه يوم القيامة وهو مغمور بسيئاته، فيجازيه بما يستحقه من العذاب. وتتنوع أحوال الناس عند المصيبة؛ فمنهم الراضي المحتسب، والساخط المتجزع، كما قال r: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله - تعالى - إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي]. فمن رضي بما قدر الله عليه وقضاه من المصائب والبلايا رضي الله عنه جزاءً وفاقًا، وإذا رضي الله عن عبده حصل له كل خير، وسلم من كل شر. ومن سخط بما قدر الله عليه وقضاه من المصائب والبلايا: سخط الله عليه، وكفى بذلك عقوبة. وفي الحديث إثبات صفتي الرضا والسخط لله - سبحانه - على ما يليق بجلاله وعظمته. قال شيخ الإسلام: العوارض والمحن كالحر والبرد، فإذا علم العبد أنه لا بد منهما لم يغضب لورودهما، ولم يغتم لذلك، ولم يحزن. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155 – 157]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: الواجب على المسلم عند المصائب أن يصبر ويحتسب، ويُحسن الظن بربه، ويرغب في ثوابه، ولا يتسخط ولا يجزع، بل يعلم أنَّ ما قدره الله عليه من المصائب كمرض، أو موت أحبة، أو تلف مال، أو استطالة الناس في عرضه، أو انقطاع شسع نعله؛ بل حتى الشوكة تؤذيه وتألمه، فلله في ذلك حكم عظيمة هي: تكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وزيادة الحسنات، وأنَّه سبب في دخول الجنة، كما قال تعالى: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: 111]. ولا يظن أحد أنه يسلم من البلاء والمصائب، فالأنبياء - عليهم السلام - نزل بهم من البلاء أشده وأعظمه، فعن أبي سعيد الخدري - t - قال: قلت يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء» قلت: ثم من؟ قال: «الصالحون، إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحتويها، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء» [رواه ابن ماجه]. وقال - عليه الصلاة والسلام-: «من يرد الله به خيرًا يُصب منه» [رواه البخاري]. وأبشر - أخي المسلم - ببشارة عظيمة، تؤنس وحشتك، وتخفف مصيبتك، وتهون ما نزل بك، فقد قال المصطفى - عليه الصلاة والسلام-: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له» [رواه مسلم]. والخير الحاصل للشاكرين هو الزيادة: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7] والخير الحاصل للصابرين؛ هو الأجر والثواب والمغفرة والرحمة. قال الفضيل: إن الله - عز وجل - ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء، كما يتعاهد الرجل أهله بالخير. وقال - رحمه الله-: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعدَّ البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وحتى لا يحب أن يُحمد على عبادة الله. والناس في هذه الدنيا بين حالين: إما مُبتلى بعافية لينظر كيف شُكره؟! أو مُبتلى ببلية لينظر كيف صبره؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما نعمة الضراء فاحتياجها إلى الصبر ظاهر، وأما نعمة السراء فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها، فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء، والفقر يصلح عليه خلق كثير، والغنى لا يصلح عليه إلا أقل منهم، ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين؛ لأن فتنة الفقر أهون، وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر، لكن لما كان في السراء اللذة، وفي الضراء الألم، اشتهر ذكر الشكر في السراء والصبر في الضراء. وقد علمنا رسول الله r ما نقوله حين المصيبة، فقال: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنى في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها» [رواه مسلم]. وقد جعل الله كلمات الاسترجاع وهي قول المصاب: «إنا لله وإنا إليه راجعون» ملاذًا وملجأ لذوي المصائب. عباد الله: المصائب تتفاوت، ولكن أعظمها المصيبة في الدين فهي أعظم مصائب الدنيا والآخرة، وهي نهاية الخسران الذي لا ربح فيه، والحرمان الذي لا طمع معه. جعلنا الله وإياكم من الصابرين المحتسبين؛ ممن يوفون أجورهم بغير حساب.اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا يا جواد يا كريم.... انتهت الخطبة التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|