القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 2024 بالامس : 12790 لهذا الأسبوع : 2023 لهذا الشهر : 159290 لهذه السنة : 2734629 منذ البدء : 17398472 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (34): باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء المادة خطبة رقم (34): باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 ، 71]. أما بعد: فاتقوا الله وراقبوه، وتجنبوا معصيته وعقابه. عباد الله: خلق الله الخلق لعبادته وقسم أرزاقهم وأقواتهم، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأنزل إليهم القطر من السماء فأنبت لهم الزرع، وأدر الضرع. ومع هذه النعم العظيمة والخيرات الكثيرة هناك من يجحد نعمة الله – عز وجل - وينسبها إلى غيره - جل وعلا-. وقد ورد النهي والوعيد الشديد، والتغليظ الأكـيد، عـلى من يستسقي بالأنواء وبيان أنه كفر، والاستسقاء: طلب السقيا، والمراد به هنا، نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء، وهي منازل القمر وهي ثمانية وعشرون نجمًا، معروفة المطلع في أزمنة السنة كلها، مشهورة بمنازل القمر، ينزل كل ليلة منزلة منها في كل شهر، قال تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس: 39] تسقط كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت من المشرق، وتنقضي جميعها من انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن بسقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون المطر، وينسبونه إلى النجم الساقط، ويقولون: مطرنا بنوء كذا!! عباد الله: لما كان من التوحيد الاعتراف لله بتفرده بالنعم ودفع النقم، وإضافتها إليه قولاً واعترافًا واستعانة بها على طاعته؛ كان قول القائل: مطرنا بنوء كذا وكذا، يُنافي هذا المقصود أشد المنافاة، لإِضافة المطر إلى النوء. والواجب إضافة المطر وغيره من النعم إلى الله، فإنه الذي تفضل بها على عباده، ثم إن الأنواء ليست من الأسباب لنزول المطر بوجه من الوجوه، وإنما السبب عناية المولى ورحمته وحاجة العباد وسؤالهم بلسان الحال ولسان المقال، فينزِّل عليهم الغيث بحكمته ورحمته بالوقت المناسب لحاجتهم وضرورتهم. فلا يتم توحيد العبد حتى يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى جميع الخلق، ويضيفها إليه، ويستعين بها على عبادته وذكره وشكره. وهذا الموضع من محققات التوحيد، وبه يُعرف كامل الإِيمان وناقصه. وقد عاب الله على المشركين كفرهم بنعمه، فإذا أصابهم المطر والبركة والخير نسبوها إلى غير الله؛ من النجوم والمخلوقات التي لا قدرة لها على شيء، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. قال تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: 82]. فالله - سبحانه - هو المتفرد بالعطاء المتفضل على عباده بالنعم الكثيرة، قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾ [النحل: 53] ومن نعمه العظيمة إنزال المطر الذي يسقيهم به ماء مباركًا، فيحي به الأرض بعد موتها. وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري - t - أن رسول الله r قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن؛ الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة». ذم الرسول r أربعًا من خصال الجاهلية ستفعلها هذه الأمة إمَّا مع العلم بتحريمها أو مع الجهل بذلك، ولكنها تقِّل تارة، وتكثر أخرى على حسب ضعف الإِيمان وقوته، وهي: الأول؛ الفخر بالأحساب: وهو التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم وذلك جهل عظيم، إذ لا شرف إلا بالتقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى﴾ [سبأ: 37] ولأبي داود: «إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، وإنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم من تراب». قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: فخر الإِنسان بعمله منهي عنه، فكيف افتخاره بعمل غيره؟! الثاني مما حذر منه r: الطعن في الأنساب: وهو الوقوع بالذم قال شيخ الإِسلام: فدل على أن الطعن في الأنساب من عمل الجاهلية المذموم، وأن المسلم قد يكون فيه شيء من هذه الخصال المسماة بجاهلية ويهودية ونصرانية، ولا يوجب كفره. وقال - رحمه الله-: وليس في كتاب الله آية واحدة يُمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يُذم أحدًا بنسبه؛ وإنما يُمدح بالإِيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان. الثالث من الخصال المذمومة: الاستسقاء بالنجوم: وذلك بنسبة السقيا ونزول المطر إلى النجوم والأنواء، بأن يقول: مُطرنا بنوء كذا وكذا. وتفصيل ذلك: أن من يعتقد أن النجم هو الموجد والمُنزِّل للمطر، فذلك شرك أكبر. وإن اعتقد أنّ النجم سبب في نزول المطر، مع اعتقاد أن الله هو الفاعل؛ فذلك شرك أصغر. أما من قال: مطرنا في نوء كذا، فكما لو قال: مطرنا في شهر كذا فلا بأس بذلك. الرابع من الخصال المذمومة التي حذر منها النبي r في الحديث؛ النياحة وهي رفع الصوت بالبكاء على الميت، وشق الجيوب، ولطم الخدود، وكذا تكسير الأواني، وتخريب الطعام، وتعداد محاسن الميت على سبيل الجزع والتسخط، وذلك ينافي الصبر الواجب. وإذا ماتت النائحة من غير توبة فإنها تُبعث من قبرها وتوقف يوم الحساب والجزاء وعليها قميص من نحاس مذاب ولباس من جَرب، وهذا اللباس عقوبة لها تلبسه عمَّا مزقت في الدنيا من ثيابها نياحة وجزعًا، لكن مـن فضل الله أن التوبة تُكفر الذنوب وإن عظمت، ومنها النياحة. فالواجب على المسلم عند وقوع المصائب التحلى بالصبر؛ والرغبة فيما عند الله، والبعد عن التسخط والجزع، وقول: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ [البقرة: 156] حتى ينال رضا الله - عز وجل - وهدايته: ﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. وللبخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله r صلاة بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب». عباد الله: صلى رسول الله r بأصحابه صلاة الفجر في الحديبية عقب مطر كان في تلك الليلة، فالتفت على أصحابه بوجهه الشريف، وألقى عليهم سؤالاً بصيغة الاستفهام؛ ليكون أوقع في النفس وأبلغ في الفهم: «أتدرون ماذا قال ربكم؟» فقال أصحابه: الله ورسوله أعلم، فقال r: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر». بين r انقسام الناس إلى مؤمن وكافر: فمن نسب المطر إلى الله - سبحانه - وأضافه إليه، من غير استحقاق من العبد على ربه وشكر الله على هذه النعمة، وأثنى به عليه فقال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فهذا مؤمن بالله، كافر بالكواكب. ومن نسب المطر إلى النوء، وأضافه إليه، قال: مطرنـا بنوء كذا وكذا، فهذا كافر بالله مؤمن بالكواكب. فالأول: موحد مخلص، والثاني: كافر كفرًا أصغر إذا اعتقد أن النجم سبب في نزول المطر، وكافر كفرًا أكبر إذا اعتقد أن النجم هو المنزل للمطر. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [النحل: 65]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله حمد الشاكرين، أشهد أن لا إله إلا الله رب العرش العظيم، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: نزول المطر من أعظم نعم الله وإحسانه على عباده، لما اشتمل عليه من المنافع العظيمة، فالواجب نسبة هذه النعمة إلى الله؛ فهو المتفضل على عباده آناء الليل وأطراف النهار، ويحرم نسبتها إلى الأنواء. كقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، أو صدق نوء كذا وكذا؛ لأن الله لم يجعل الأنواء سببًا لنزول المطر، فلا تضاف أفعال الله إلى غيره، ويجب نسبة النعم إلى الله وحده. وقد شُرع للمسلم إذا نزل المطر، قول الدعاء الوارد عن النبي r: «اللهم صيبًا نافعًا» [رواه البخاري] وهو سؤال العبد ربه أن ينفع بهذا المطر البلاد والعباد. كما يُشرع للمسلم أيضًا إذا نزل المطر أن يشكر الله على هذه النعمة بقوله: «مُطرنا بفضل الله ورحمته». فالأول دعاء، والثاني شكر. ويستحب للمسلم عند نزول المطر أن يدعو الله لنفسه ولغيره بخيري الدنيا والآخرة؛ لأن وقت نزول المطر من أوقات إجابة الدعاء، كمـا في الحديث عن النبي r أنه قال: «دعوتان لا تُرَد: عْندَ التحام الجيش، وعنْدَ نزول المطر» [رواه الطبراني وحسنه الألباني]. اللهم أغث بلادنا بالأمطار وقلوبنا بالإِيمان يا أرحم الراحمين.
التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|