القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 2453 بالامس : 3802 لهذا الأسبوع : 12664 لهذا الشهر : 8834 لهذه السنة : 2791421 منذ البدء : 17455271 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (22): باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾. المادة خطبة رقم (22): باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾. الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، حمى حمى التوحيد، وسدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين، آمنوا بربهم وأخلصوا له واستقاموا على أمره، فأنجز لهم ما وعدهم عزًا في الدنيا وحسن ثواب في الآخرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم - ونفسي - بتقوى الله عز وجل؛ ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. أيها المسلمون: لم يخلق الله الخلق ليتقوى بهم من ضعف، ولا ليتعزز بهم من ذلة، ولا ليستكثر بهم من قلة، فهو المنُعم المتفضل، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، خلقهم لعبادته وطاعته، ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56 – 58]. وقام نبينا محمد r بأداء الأمانة، وإبلاغ الرسالة، دعوة وجهادًا، وتعليمًا ونصحًا؛ حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. ثم قام بهذه الدعوة الصحابة الأبرار ومن تبعهم من الأخيار إلى يوم الدين. قال ابن القيم: فالدعوة إلى الله - تعالى - هي وظيفة المرسلين وأتباعهم. وقال رحمه الله: إن أفضل منازل الخلق عند الله منزلة الرسالة والنبوة، فالله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس. والداعي إلى الله ليس عليه إلا البلاغ وهداية الطريق؛ أما هداية التوفيق فهي بيد الله - عز وجل-. قال -تعالى- في محكم التنزيل: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ الخطاب في هذه الآية للنبي r، والمنفي هنا؛ هداية التوفيق والإِلهام وهو خلق الهدى في القلب وإيثاره، وذلك لله وحده، وهو القادر عليه، كقوله: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [البقرة: 272]، وقوله تعالى: ﴿وَاللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [البقرة: 142]. وأما هداية البيان والإرشاد: وهي دلالة العباد إلى دين الله وشرعه، فهي للرسول r وللدعاة من بعده قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52] فهو المبين عن الله، والدال على دينه وشرعه، وفي هذا رد على عُبَّاد القبور، الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين النفع والضر، فيسألونهم من أنواع المطالب الدنيوية والأخروية. قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ وسبب نزول هذه الآية موت أبي طالب، وإذا كان r قد حرص على هدايته عند موته، فلم يتيسر له ذلك، ودعا له بعد موته، ونُهي عن ذلك، وذكر الله أنه لا يقدر على هداية من أحب هدايته لقرابته ونصرته، تَبَيَّنَ أعظم بيان، ووضح أوضح برهان؛ أنه r لا يملك ضرًا ولا نفعًا، ولا عطاء ولا منعًا، وأنه r لا يقدر إلا على ما أقدره الله عليه، وأن الأمر كله بيد الله، فبطلت عبادته من دون الله، وإذا بطلت عبادته وهو أشرف الخلق فعبادة غيره أولى وفي الصحيح عن ابن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي r فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال النبي r: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ فقد كان r حريصًا على هداية عمه، وذلك لقرابته ولأنه كان يحوطه ويحميه من أذى قومه، ويصبر على ما يلاقي في سبيل ذلك، واعترف في كثير من أشعاره بصدق رسالة محمد r ومن ذلك قوله:
إلا أنَّه لم يتبع الرسول r وبقى على دينه خشية الملامة والمسبة من قومه، فمن حرصه r على هدايته: عيادته له وهو في سياق الموت، وعرض الإِسلام عليه ليكون خاتمة حياته فيحصل له بذلك الفوز والسعادة، وفي هذا جواز عيادة المريض المشرك إذا رُجي إسلامه. عباد الله: في هذه الواقعة عظة وعبرة في متابعة رفقاء السوء، وأنه يجب ومضرة أصحاب السوء ليست خاصة بالشرك؛ بل في جميع سلوك الإِنسان؛ وذلك لما للصاحب من أثر كبير على صاحبه في سلوك طريق الخير أو الشر، قال r: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود]. أيها المسلمون: لمَّا عرض النبي r على عمّه أبي طالب كلمة التوحيد لا إله إلا الله؛ أي لا معبود بحق إلا الله، علم أبو جهل ومن معه أنَّ مراده r من هذه الكلمة نفي الشرك وإخلاص العبادة لله وحده، فلو قالها أبو طالب لبرئ من ملة عبد المطلب - وهي الشرك - فلذلك منعوه من قولها، بخلاف من يدَّعون العلم ويجهلون معناها، فيحكمون على كل من تلفظ بها بأنَّه مسلم، ولو كان يعبد الأنبياء والصالحين، ويتقرب إليهم بالدعاء والذبح والطواف حول قبورهم، فعجبًا لمنْ أبو جهل أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله؟! وهذا الحديث يقطع وسائل الشرك بالرسول وغيره، فالذين يلجؤون إليه r ويستنجدون به مشركون، فلا ينفعهم ذلك، لأنه لم يؤذن له أن يستغفر لعمه مع أنه قام معه قيامًا عظيمًا، ناصره وآزره في دعوته، فكيف بغيره ممن يشركون بالله؟! وتأملوا - عباد الله - مضرة تقليد الآباء والكبراء على ضلالتهم؛ فحينما عرض r على عمه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ليشهد له بها عند الله عرض المشركون عليه أن يبقى على دين آبائه الذي هو الشرك، وأعاد r طلب التلفظ بالشهادة من عمه، وأعاد المشركون المعارضة: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلقنوه الحجة التي يحتج بها المشركون على الرسل، وهي تقليد الآباء والأجداد: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23] وكان آخر ما قاله أبو طالب: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: (لا إله إلا الله) فمات على الشرك ومتابعة الآباء لما لله في ذلك من الحكمة، وليُعلم أن هذا الدين لا ينال بالنسب والقرابة وإنَّما يحصل بالتقوى، وأفادت القصة أنَّ الأعمال بالخواتيم. ولما مات أبو طالب على الشرك حلف النبي r ليطلبن له من الله المغفرة ما لم يُمنع من ذلك، فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى﴾ وإذا حرم الاستغفار لهم فمحبتهم أولى بالتحريم. أيها المسلمون: رسول الله r هو أفضل الخلق وأعظمهم عند الله جاهًا، وأقربهم إليه وسيلة؛ لكنه مع هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية لا يدفع المضار ولا يجلب المنافع، ولا يملك هداية أحد من الناس، ولو كان يملكها لكان أحق الناس بذلك عمّه أبا طالب الذي كان يحوطه ويحميه، ولكنه مات على الشرك ففي قصته عبرة لمن اعتبر، ودرس لمن تأمل. فالله - سبحانه - هو الذي تُطلب منه الحاجات ويتوجه إليه في كشف الكربات، وقد تفرد بهداية القلوب، كما تفرد بخلق المخلوقات؛ ومن طلب ذلك من غيره - سبحانه - وقع في الشرك الأكبر. فالواجب على العبد أن يهرع إلى ربه ويسأله الهداية، ويسعى إليها بفعل الواجبات وترك المحرمات وتدبر كتاب الله ومجالسة الصالحين، ومن كان كذلك أعانه الله ويسر له أسباب الهداية، كما قال - تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]. بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم... الخطبة الثانية الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أحمده أيها المسلمون: يحتاج الإِنسان في هذه الدنيا إلى رفيق يؤانسه، وصاحب يعينه، وصديق يُسِّر إليه؛ وعلى المسلم أن يختار من الإِخوان أتقاهم، ومن الأصحاب والقرناء أحسنهم وأعلاهم، فقد قال r: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود] وقال r في الحديث الآخر: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير: فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحة طيبة؛ ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة» [متفق عليه]. ألا وإن أفضل المكاسب وأجل الفوائد اكتساب القرناء الأخيار، وإن من أعظم المصائب وأرذل المعائب مصاحبة الأراذل والأشرار. ألا وإن المرء يعتبر ويقاس بجليسه، ويكون صلاحه وفساده وكماله ونقصه بحسب قرينه وأنيسه؛ فاغتنموا - رحمكم الله - صحبة أهل الدين والرأي والمروءات، الذين ينزهزن نفوسهم عن النقائص والدنيات؛ فإن الأخلاق تتربى بأقوالهم وأفعالهم، وإن الكمال ينمو بالإِقتداء بهم في محاسن أعمالهم؛ فإن لم تجدوا من استوعب صفات الكمال، فعليكم بالأمثل فالأمثل من الرجال؛ فإن القرين الصالح يعلمك إذا جهلت، ويذكرك مصالحك إذا نسيت، ويسليك إذا أصابتك المصائب، ويقويك ويثبتك عند المخاوف والنوائب، ويحضك على الخير بحسب قدرته واستطاعته، ويأمرك بامتثال أمر الله وطاعته، ويحثك على برِّ الوالدين وصلة الأرحام، وعلى الإِحسان إلى جارك والشفقة على الفقراء والمساكين والأيتام، ويبدي لك النصح في جميع الأمور ويهديك الرشاد، ويدلك بأقواله وأفعاله وأخلاقه على طرق الصلاح ويذودك عن الفساد، ويحفظك في حضرتكم ومغيبك، ويدعو لك في حياتك وبعد دفنك وتغييبك، ففي مقارنة هؤلاء فليتنافس المتنافسون، ولفوائد صحبتهم وثمرات أخلاقهم فليجتن العاملون. ألا وإن القرين السوء فساد للدين والأخلاق والآداب، وفي صحبته الخسار والنقص والتباب، يزهد قريه في كل خلق جميل، ويدعوه إلى كل خلق ذليل، إن رآك مريدًا للخير ثبطك ونهاك، وإن عرض لك سوء ساعده عليك وأرداك، وإن نهضت إلى خير ومكرمة أقعدك، وإن بعدت عن شر حولك إليه وقربك، فأنت منه في كل وقت في انحطاط وهوان، وآمالك إلى الضر والشر والخسران. التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|