تذكير الجيل بتأثير الخليل
اَلْحَمْدُ للهِ، اَلْحَكِيمِ اللطِيْفِ الخَبِيْرِ، وَالْعَلِيْمِ السَّمِيعِ البَصِيرِ، } يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ { .
أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَانِهِ ، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ وَلَا ظَهِيْر ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ ، وَاَلْسِّرَاجُ اَلْمُنِيْرُ ، صَلى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَى يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، فَهُوَ اَلْقَائِلُ فِيْ كِتَابِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِي فِي اللهِ - جَعَلَنِيِ اللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَادِهِ اَلمُتَقِيْن .
أَيَّهَا اَلمُسْلِمُوْن :
ذَكَرَ اَلْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِيْ تَفْسِيْرِهِ ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، كَانَ صَدِيْقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَيُرْوَى ، لِأُبَيِّ بنِ خَلَفٍ أَخِ أُمَيَّةَ ، وَكَانَ قَدْ صَنَعَ وَلِيمَةً ، فَدَعَا إِلَيْهَا قُرَيْشًا ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ r ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ . وَكَرِهَ عُقْبَةُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ طَعَامِهِ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ أَحَدٌ ، فَأَسْلَمَ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ r ، وَأَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ ، فَعَاتَبَهُ خَلِيلُهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، أَوْ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ، وَكَانَ غَائِبًا . فَقَالَ عُقْبَةُ : رَأَيْتُ عَظِيمًا ، أَلَّا يَحْضُرَ طَعَامِي رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ . فَقَالَ لَهُ خَلِيلُهُ : لَا أَرْضَى حَتَّى تَرْجِعَ وَتَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ ، وَتَطَأَ عُنُقَهُ ، وَتَقُولَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَفَعَلَ عَدُوُّ اللَّهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ خَلِيلُهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قوله : } وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ، يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا { . قَالَ الضَّحَّاكُ : لَمَّا بَصَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ r رَجَعَ بُصَاقُهُ فِي وَجْهِهِ ، وَشَوَى وَجْهَهُ وَشَفَتَيْهِ ، حَتَّى أَثَّرَ فِي وَجْهِهِ وَأَحْرَقَ خَدَّيْهِ ، فَلَمْ يَزَلْ أَثَرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى قُتِلَ
أَيْهَاْ اَلأُخْوَة :
فَهَذِهِ اَلْحَاْدِثَةُ ، اَلَّتِي أَثْبَتَهَا اللهُ U فِي كِتَابِهِ ، تُبَيّنُ لَنَا أَهَمِيَّةَ اَلْخَلِيْلِ، وَشِدَّةَ تَأْثِيْرِ اَلْصَّدِيْقِ ، وَتَجْعَلُ اَلْمُسْلِمَ يَحْرِصُ عَلَى انْتِقَاءِ أَصْدِقَائِهِ، وَيَعْمَلُ عَلَى اخْتِيَارِ أَخِلَائِهِ، لَأنَّهُ سَوْفَ يَكُوْنُ عَلَى مَا يَكُونُونَ عَلِيهِ ، كَمَا قَالَ اَلْنَّبِيُ r فِي اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ: (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) يَقُولُ اَلمُبَارَكْفُورِيُ -رَحِمَهُ اللهُ-: قَوْلُهُ: (( الرَّجُلُ ))، يَعْنِي الإنْسَانَ عَلَى دِيْنِ خَلِيْلِهِ، أَيْ عَلَى عَادَةِ صَاحِبِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَسِيرَتِهِ. (( فَلْيَنْظُرْ ))، أَيْ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلْيَتَدَبَّرْ مَنْ يُخَالِلْ ، مِنْ اَلمُخَالَّه، وَهِيَ اَلْمُصَادَقَةُ وَالإِخَاءُ ، فَمَنْ رَضِيَ دِيْنَهُ وَخُلُقَهُ خَالـَلَهُ، وَمَنْ لَا ، تَجَنَّبَهُ ، فَإنَّ اَلْطِبَاعَ سَرَّاقَةٌ ، وَالْصُّحْبَةَ مُؤَّثِّرَةٌ فَي إِصْلَاحِ اَلْحَالِ وَإِفْسَادِهِ . اِنْتَهَى كَلَامُهُ رَحمَهُ اللهُ.
فَالْرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، يَسْتَحِيلُ - أَيهَا الأِخْوَةُ - أَنْ يَكُوْنَ اَلرَّجُلُ صَالِحَاً، وَخَلِيلُهُ فَاسِدَاً، وَأَنْ يَكُونَ بَرَّاً، وَمَنْ يَمْشِي مَعَهُ فَاجِرَاً ، وَأَنْ يَكُوْنَ تَقِيّاً وَرِعَاً ، وَمَنْ يُصَاحِبَهُ فَاسِقَاً مُجرِمَاً !
مِيْزَانُ اَلمَرْءِ - أَيهَا الأِخْوَة - صَاحِبُهُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا : إِنَّ صَاحِبَهُ هُوَ رُقْعَةُ ثَوبِهِ ، فَيَنْظُر بِمَ يَرقُعُ ثَوبُه ، وَيَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ t : مَا مِنْ شَيْءٍ ، أَدَلُّ عَلَى شَيْءٍ ، وَلَا الدُّخَانِ عَلَى النَّارِ ، مِنْ الصَّاحِبِ عَلَى الصَّاحِبِ .
وَللهِ دَرُّ الْقَائِل :
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ
فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
إذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ
وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
وَلأَهَمِّيَةِ اخْتِيَارِ الصَّدِيقِ، وَخُطُورَةِ تَأثِيرِهِ، قَالَ النَّبِيُ r ، فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيحِ: (( إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ )) أَيْ بَائِع الطِّيْبِ ، (( وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ )) أَيْ يُعْطِيكَ بِدُونِ ثَمَنٍ ، (( وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً )) .
فَللصَّاحِبِ - أَيهَا الأِخْوَة - تَأثِيرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالُوا: الصَّاحِبُ سَاحِبٌ إِمَّا إِلى الجَنّةِ وَإمّا إلى النَّارِ! فَعَلَى مَنْ بُلِيَّ بِصَاحِبٍ سَيئٍ، أَنْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ ، قَبْلَ أَنْ يَعَضَّ عَلَى يَدِيهِ ، وَيَحُلُّ بِهِ مَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُ !
فِي حَدِيْثٍ صَحِيحٍ - أَيهَا الأِخْوَة -: " أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ ، جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ r ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r، لِأَبِي طَالِبٍ : (( يَا عَمِّ ، قُلْ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) يَتَرجَّاهُ r أَنْ لَا يَمُوتَ كَافِرَاً، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ ! أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ r يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ : هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَمَاتَ عَلَى غَيرِ لَا إلهَ إلا اللهُ" أَيْ مَاتَ كَافِرَاً وَالعِيَّاذُ بِاللهِ.
فَاللهَ اللهَ - أَيهَا الأِخْوَة - لِنَحْرِصْ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ نُصَادِق وَنُجَالِس وَنُصَاحِب، يَقُولُ النَّبِيُ r فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا ، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ )) .
وَلَنَحْذَرْ - أيها الأخوة - مُصَاحَبَةِ وَمُجَالَسَةِ أَهلِ الغَفْلَةِ وَاللهوِّ وَاللعِبِ ، الَّذِينَ يَتَسَبَبُونَ فِي بُعْدِنَا عَنْ اللهِ U ، وَلْنَقْطَعْ صِلَتِنَا بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعُوا صِلَتِنَا بِرَبِّنَا ، قِيلَ لأَعْرَابِيٍّ: لِمَ قَطَعْتَ أَخَاكَ مِنْ أَبِيك ! فَقَالَ : إِنِّي لَأَقطَعَ الفَاسِدَ مِنْ جَسَدِي ، الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِليَّ مِنْ أَبِي وَأَمِّي وَأَعزُّ فَقدَاً .
وَلَا تَصْحَبْ أَخَـا الْجَهْلِ ... وَإِيَّاكَ وَإِيَّـاهُ
فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى ... حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ ... إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى { بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرَّآنِ العَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإيَّاكُم بِهَدِّي سَيدِ المُرْسَلِين ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
عِبَادَ اللهِ :
لَا شَكَّ أَنَّ لِلْصَّاحِبِ، تَأثِيرٌ أَكِيدٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمَا اهْتِمَامُ الدِّينِ ، وَتَوصِياتُهُ وَتَوجِيهَاتُهُ، وَالوَاقِعُ الَّذِي نَعِيشُهُ، إِلا أكبرَ دَليلٍ وَبُرهَانٍ، فَوَاللهِ مَا انْحَرَفَ مُنْحَرِفٌ ، وَلَا فَسَدَ فَاسِدٌ ، وَلَا ضَلَّ ضَالٌ، وَلَا أَجْرَمَ مُجْرِمٌ، إِلَا بَسَبَبِ صَاحِبٍ ، جَرَّهُ أَوْ دَعَاهُ ، أَوْ زَيَّنَ لَهُ انْحِرَافَهُ وَفَسَادَهُ وَضَلَالَهُ وَإِجْرَامَهُ .
نَعَمْ - أَيهَا الأِخْوَة - وَمَنْ كَانَ فِي شَكٍ وَرَيْبٍ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ ، فَعَلِيهِ أَنْ يَسْألَ مَنْ هُم فِي عَنَابِرِ السُّجُونِ، أَو فِي دُورِ المُلاحَظَةِ. عَلِيهِ أَنْ يَسْألَ ضَحَايَا الإِدْمَانِ وَالتَّفْحِيْطِ ، عَلِيهِ أَنْ يَسْألَ آباءَ وأمهاتٍ، وَأبناءَ وأخواتٍ، يَسْكُبُونَ الْعَبَرَاتِ، وَيَتَجرَّعُونَ الغِصَصَ وَالحَسَرَاتِ، نَتِيجَةُ الصُّحْبَةِ السِّيئَةِ، وَالخُلَّةِ الّتِي لَمْ تُرَاعَى فِيهَا تَوجِيهَاتُ الشَّرعِ وَالِّدِينِ ، وَلَمْ تُوظَّفْ حَسَبَ أَوامرِ ربِ العَالَمِين .
وَاحْذَرْ مُؤَاخَاةَ الدَّنِيءِ لأَنَّهُ
يُعْدِي كَمَا يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ
وَاخْتَرْ صَدِيقَكَ وَاصْطَفِيهِ تَفَاخُرًا
إِنَّ الْقَرِينَ إِلَى الْمُقَارِنِ يُنْسَبُ
وَأَخِيَراً - أيها الأخوة - اَعْلَمُوا بِأنَّ كُلَّ صَدَاقَةٍ فِي هَذِهِ الْدُّنْيَا ، تُبْنَى عَلَى غَيرِ تَقْوَى ، فَإنَّهَا سَوْفَ تَكُونُ عَدَاوَةً وَلَعْنَةً يَومَ القِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى : } الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ { يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : أَيْ : كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغِيرِ اللهِ فَإنهَا تَنْقَلِبُ يَومَ القِيَامَةِ عَدَاوةً إِلا مَا كَانَ للهِ U فَإنَّهُ دَائِمٌ بِدَوامِهِ . وَهَذا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ ، عَلِيهِ السَّلام ، لِقَومِهِ : } إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ { اِنتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ .
أَسألُ اللهَ أَنْ يَهْدِيْ ضَالَ المسلِمِين ، إنهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، اللهمَّ إِنَّا نَسألُكَ الهُدَى والتقَى والعفَافَ والغِنَى ، اللهم أَحيِّنَا سُعَدَاءَ وَتوفَّنَا شُهَدَاءَ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَةِ الأَتقِيَاء ، بِرحمَتِكَ يَا أرحمَ الراحِمِين .
اللهمَّ وَفِّقْنَا لِلجُلسَاءِ الصَّالِحِين ، وَالأصدِقَاءِ النَّاصِحِين ، واجعلنا هداةً مهتدين ، لا ضالينَ ولا مُضلين ، اللهم اجعلنَا مَفاتيحَ للخيرِ ، مغاليقَ للشرِ ، واهدنا سواءَ السبيل ، وارزقنا البصيرةَ واليقين ، واجعلنا مِنْ أجلِكَ ولوجهِكَ مُتحابِينَ مُتآلِفِينَ مُتآخِين ، برحمتك وفضلك ومنك يا أرحم الرحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|