تذكير الجيل بأهمية النخيل
الحمد لله الحليم الرحيم الرحمن ، الغني القوي السلطان ، الكبير القدير الديان ، المتفضل بفضله على جميع خلقه ، الأول فلا سبق لسبقه ، والمنعم فما قام مخلوق بحقه ، أنشأ المخلوقات بحكمته ، وفرق الأشياء بقدرته ، } يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، أنعم علينا بتمام إحسانه ، وعاد علينا بفضله وامتنانه ، السماء رفعها ووضع الميزان ، } وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة أرجو بها الخلود في فسيح الجنان ، وأتقي بها من دار العذاب والهوان .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، صلاة دائمة متوالية على توالي الأزمان ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
من النعم العظيمة ، التي أنعم الله بها U علينا في هذه البلاد ، وجود النخيل ، الذي يثمر التمر ، الغذاء المفيد المثالي للجسم ، بل والدواء النافع بإذن الله تعالى ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، يقول النبي e : (( من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )) وفي صحيح البخاري عن عامر بن سعد عن أبيه ، يقول النبي e : (( من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل )) وقال غيره (( سبع تمرات )) أي أي تمرات ، ولذلك رأى الشيخ بن باز ـ رحمه الله ـ عموم أنواع التمر . فالتمر ـ أيها الأخوة ـ غذاء ودواء ، وهو من بركة تلك الشجرة المباركة الطيبة ، التي جاء ذكرها بالقرآن والسنة لأهميتها ، وعظيم فائدتها ، ففي سورة إبراهيم ، يقول U : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ { قال المفسرون : الشجرة الطيبة هي النخلة .
وعن النخلة يقول U في سورة الأنعام : } وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { وفي سورة ، ق ، يقول U : } وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ { وفي سورة مريم ، عندما ذكرU لنا أحداث ولادتها لنبيه موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة السلام ـ حيث أمرها بأن تهز جذع النخلة ، لتأكل من رطبها ، ليبعث في جسمها القوة والحيوية والنشاط ، فقال U } وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا { .
فللنخلة ـ أيها الأخوة ـ مكانة في كتاب الله U ، بل جعلها الله U وسيلة لإقناع الناس بوحدانيته ، وآية تدل على بديع صنعه وقدرته ، فقال تبارك وتعالى : } هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { .
أيها الأخوة :
وقد ورد ذكر النخل في أحاديث النبي e ، ففي الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي e قال : (( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم ، حدثوني ما هي ؟ )) يقول ابن عمر : فوقع الناس في شجر البادية ، ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت . قالوا : يا رسول الله أخبرنا بها. فقال رسول الله e : (( هي النخلة )) . قال عبد الله حدثت أبي بما وقع في نفسي فقال : لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا .
فهذه الشجرة ـ أيها الأخوة ـ تتميز عن جميع الأشجار ، ولا يجهل أهميتها ومكانتها إلا جاهل تربى على الشكولاتة والكاكاو ، كان العرب يعتبرونها أهم ما يورثه الوالد لولده ، ويعتبرونها مصدر الغذاء ، وأداة البناء ، ومنها الأثاث والفراش ، يقول حسان ابن ثابت ، يخاطب ابنه ؛ عبيدا ، وقد أدركه الكبر فيقول :
أبلغ عبيدا أني قد تركت له
من خيـر مـا ترك الآباء للولد
الدار واسعة والنخل شارعة
والبيض يرفلن في القسي كالبرد
فهو هنا موشك على الرحيل الأبدي ، فهو يطمئن ولده ، ويقول له : لقد تركت لك شيئا جليلا هو أفضل ما ورّثه والد لولده ، وهو النخيل والدار وآلة الحرب ؛ وهي أساسيات ضرورية لاستمرار حياته ، فيا لها من مكانة عظيمة لشجرة مباركة .
ويقول شاعر آخر :
أرى شجراً في السماء احتجبْ
وشق العـنان بمرأى عجبْ
مـآذن قامت هـنا أوهنـاك
ظواهرها درج من شذبْ
أهذا هو النخل ملـك الرياض
أمير الحقول وعرس العرب
طعام الفقير وحلـوى الغـني
وزاد المـسافر والمـغترب
فهذه الشجرة المباركة الطيبة ـ أيها الأخوة ـ لها مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، في كتاب الله U ، وفي سنة رسوله e ، وعند عقلاء الناس أيضا ، وما جاءت هذه المكانة ، وتلك المنزلة ، إلا لأهميتها وعظيم فائدتها ، التي يجهلها بعض الناس ، فصاروا لا يهتمون بها ، ولا يأبهون لمكانتها ، وإن كان من اهتمام فماهو إلا من باب التزين بها ، والنظر إلى بديع قامتها ، وتناسق فروعها ، وجمال خضرتها ، ناسين أو متناسين قيمتها البالغه ، متاجاهلين أو جاهلين أنها ثروة من أهم ثروات الأمة ، وكنز من كنوز البلاد .
والله ـ أيها الأخوة ـ إنه ليؤسفنا ، عندما نقرأ عن الاهتمام البالغ بالنخلة من قبل كتاب الله U ، وسنة نبيه e ، ونرى الإهمال وعدم الاهتمام ، بل والإعتداء ، من قبل بعض الجهات على هذه الشجرة الطيبة المباركة ، وحرمانها من القيام بدورها في هذه الحياة ، وعدم السماح لها ليتمتع المسلمون بنتاجها الطيب ، وثمرتها الحلوة !
ولنكن صرحاء ـ أيها الأخوة ـ هذه الشجرة المباركة ، التي أنعم الله U علينا بها بهذه البلاد ، وتعتبر ثروة من ثروات الوطن ، وتصرف عليها الدولة الميزانيات الطائلة ، وتعتني بها سقاية ورعاية ، ما بالهم يقضون على ثمرها منذ بدايته ، ويلقونه بالمزابل ، فلا يستفاد منه ، لحجج واهية ، وأسباب لا يستسيغها إلا من جهل قيمة هذه الشجرة المباركة .
أعتقد أن هذا من الفساد الذي أمر ولي الأمر بالقضاء عليه ومحاربته .
فالله الله ـ أيها الأخوة ـ لنحافظ على ثروة بلادنا ، وطعام أمتنا ، ودواء أنفسنا ، كل على حسب استطاعته ، وكل على حسب مكانته .
اسأل الله U أن يصلح أحوال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ولأهمية هذه الشجرة المباركة الطيبة ، ونظرا لقيمتها البالغة ، فقد تكررت الشواهد على أهميتها ، ففي إشارة إلى ذلك يقول e في الحديث الصحيح : (( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل )) ففي هذه الحال ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، إلا النخلة ، فلا يصح التفريط بها ، فهذا ـ أيها الأخوة ـ دليل على أهميتها وتأكيد لضرورة الحفاظ عليها.
أيها الأخوة المؤمنون :
خلاصة القول ، وزبدة الكلام ، النخلة شجرة مباركة طيبة ، لم تحظ شجرة في التاريخ بمثل ما حظيت به ، ولم يكرم نبات مثلما أكرمت ، فهي في عالم النبات كالفرس والجمل في عالم الحيوان ، وما خدم الإنسان نبات مثلما خدمته النخلة ، فقد اتخذ منها طعاما ، وأوقد نارا ، وصنع حبالا ، وبنى بيتا ، وصنع حصيرا ، وغير ذلك من الفوائد الجمه ، والمنافع المتعددة .
فليكن لهذه الشجرة ـ أيها الأخوة ـ مكانة في نفوسنا ، ولنهتم بها بيننا ، ولنحافظ عليها قدر استطاعتنا .
اسأله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، اللهم أصلح أحوال المسلمين ، وارزقهم الفقه في الدين ، واجعلهم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا ، وأصلح لنا ديانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ياسميع الدعاء . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، ونسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وسلامة دائمة برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، والرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ونسألك نعيما لا ينفذ ، وقرة عين لا تنقطع ، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراءٍ مضرةٍ ولا فتنةٍ مضلة .. اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداةً مهتدين لا ضالين ولا مضلين
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبًا سليمة وألسنةً صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم
اللهم اشف مرضانا . وارحم موتانا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . } |