القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 2143 بالامس : 12790 لهذا الأسبوع : 2141 لهذا الشهر : 159408 لهذه السنة : 2734747 منذ البدء : 17398591 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (6): باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله المادة خطبة رقم (6): باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله الحمد لله أهل التقوى والمغفرة، أحاطك بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، له ما في السموات وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، أخشى الناس لربه وأتقى، دل على سبيل الهدى، وحذر من طريق الردى، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه معالم الهدى ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى. أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز وجل-، فهي عماد المؤمن في الدنيا، وأنيسه في قبره، ودليله في الأخرى يوم يلقى الله إلى جنات النعيم. أيها المسلمون: أكرمكم الله - عز وجل - بهذا الدين العظيم، وامتن عليكم بسلوك صراطه المستقيم؛ وبعث إليكم محمدًا r، معلمًا وهاديًا إلى الطريق القويم. وبعد هذا الجود والكرم من رب العالمين، أمركم جل وعلا بالدعوة إلى هذا الدين؛ فالدعوة إلى الله من أَزكى الأعمال، وأفضل المهمات، إذ هي وظيفة الرسل - عليهم الصلاة والسلام-، ويترتب عليها الأجور العظيمة التي ينالها من دعا إلى الله - عز وجل-، وأخلص النية لله، لقوله r: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» [رواه مسلم]. ولما كان التوحيد أعظم الأمور وأهمها في الدعوة إلى الله. لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه، فإن الرجل إذا علم وجب عليه العمل، فإذا علم وعمل وجبت عليه الدعوة إلى الله، حتى يكون من ورثة الأنبياء وعلى طريقهم وطريق أتباعهم، قال الحسن لما تلا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33] قال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته. أيها المسلمون: الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى توحيده والإيمان به وبما جاءت به رسله، وذلك يتضمن الدعوة إلى أركان الإِسلام وأصول الإيمان والإِحسان بل الأمر بما أمر به، والنهي عما نهي عنه، ولا تتم إلا بذلك، وأول ما يبدأ به الدعوة إلى التوحيد الذي هو معنى الشهادة، كما كان شأن المرسلين وأتباعهم، وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره. قال الله - تعالى - لبنينا محمد r: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]. أي: هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله وحده؛ طريقتي ومسلكي ودعوتي إلى الله وحده لا شريك له، لا إلى حظ ولا رياسة، بل إلى الله، ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ والنصوص في الدعوة إلى الله كثيرة، كقوله - تعالى-: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] وقوله - جل وعلا-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: 33] وهي واجبة على من اتبع محمدًا r أن يدعو إلى الله كما دعا إليه. وذكر ابن القيم - رحمه الله-: أن مراتب الدعوة ثلاثة أقسام، وذلك بحسب حال المدعو؛ فإنه إما أن يكون طالبًا للحق محبًا له مؤثرًا له على غيره إذا عرفه، فهذا يُدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدالا، وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق لكنه لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معاندًا معارضًا، فهذا يُجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلا الجلاد إن أمكن. عباد الله: لا بد في الدعوة إلى الله من شرطين: أن تكون خالصة لوجه الله - تعالى-، وأن تكون على وفق سنة رسول الله r، وأن يكون الداعي عارفًا بما يدعو إليه، فإن أخل بالأول كان مشركًا، وإن أخل بالثاني كان مبتدعًا. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: فيه أن الدعوة إلى الله طريق من اتبعه r، وفيه التنبيه على الإِخلاص، لأن كثيرًا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه، وأن البصيرة من الفرائض، وأن من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيهًا لله عن المسبَّة، وأن من دلائل قُبح الشرك كونه مسبة لله، وفيه إبعاد المسلم عن المشركين أن لا يصير منهم ولو لم يُشرك. وفي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أَن رسول الله r لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: «إنك تأْتي قومًا من أَهل الكتاب [يعني بذلك اليهود والنصارى] فليكن أَول ما تدعوهم إليه شهادة أَن لا إله إلا الله». فلا واجب على المكلفين أعظم من التوحيد علمًا وعملاً، ومن أدلته هذا النص وغيره، فإن قوله: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اله» مع قوله: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب» يعني أنهم أهل علوم، وكتب وحجج، ومع ذلك أمره أن يدعوهم إلى إفراد الله بالعبادة، لكونهم محتاجين إلى أن تُبين لهم ذلك، فإن منهم من يجهله، أو يعلمه ولكن الشهوة تمنعه من ذلك، وحب المال والجاه والرياسة - والعياذ بالله-، وفيه أنه لا يُحكم بإسلام شخص إلا بالنطق بالشهادتين، كما هو مذهب أهل السنة. أيها المسلمون: قال شيخ الإسلام: قد عُلم بالاضطرار من دين الرسول، واتفقت الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، وإذا لم يتكلم مع القدرة فهو كافر، باتفاق المسلمين. وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وفيه أن التوحيد أول واجب، والنبي r أخذ عشر سنين كلها في الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن ضده وهو الشرك، وفيه أن الإِنسان قد يكون من أهل العلم، ولا يعرفها، أو يعرفها ولا يعمل بها، والتنبيه على التعليم بالتدريج، والبداءة بالأهم فالمهم. ثم قال r: «فإن هم أطاعوك لذلك». أي: شهدوا وانقادوا لذلك، وكفروا بما يعبد من دون الله. «فأَعلمهم أَن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أَطاعوك لذلك؛ فأَعلمهم أَن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أَغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أَطاعوك لذلك؛ فإياك وكرائم أَموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإِنه ليس بينها وبين الله حجاب» [رواه البخاري ومسلم]. ثنى r بالأعمال بعد التوحيد لأنها لا تصح بدونه، فهو شرط لصحة جميع الأعمال؛ وفيه أن الصلاة أول واجب بعد الشهادتين، وأن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، فإن حصل دُعي إلى الصلاة، وإلا لم يُدع إليها، فإن الصلاة وغيرها من سائر الأعمال لا تصح بدونه. ثم حذر r من أخذ كرائم الأموال، فيحُرم على جابي الزكاة أخذها، ويحرُم على صاحب المال إخراج الرديء من ماله؛ بل الوسط، لأن ذلك سبب لإخراجها بطيب نفس ونية صحيحة، فإن طابت نفسه بكريم ماله جاز ذلك، وحذر r من الظُلم فقال: «واتق دعوة المظلوم» لأن الظُلم ظلمات يوم القيامة، ودعوة المضطر لا ترد ولا تحجب عن الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]. الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه، كتب الفلاح لمن اتبعه وسار على نهجه، ففاز في الحال والمآل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فبتقوى الله تزكو الأعمال، وتنال الدرجات، وارغبوا فيما عنده، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء. في الحديث عن سهل بن سعد - t-: أن رسول الله r قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدًا رجلاً يُحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه»، فبات الناس يَدُوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله r كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقيل له: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه فأُتي به فبصق في عينيه، ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: «انفذ على رِسْلِك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» [رواه البخاري ومسلم]. في هذا الحديث العظيم أمر r عـليًا - t - قـبل أن يفتح خيبر أن يدعو أهلها إلى الإسلام، وأصل الإِسلام: هو التوحيد. وهكذا ينبغي لأهل الإسلام أن يكون قصدهم بجهادهم هداية الخلق إلى الإِسلام والدخول فيه. ثم أمره r إن هم أجابوه إلى الإسلام أن يخبرهم بما يجب من شرائعه التي لا بد من فعلها كالصلاة والزكاة وغير ذلك. أيها المسلمون: منَّ الله عليكم بهذا الدين العظيم فاحصروا على هداية ودعوة الكفار للدخول في هذا الدين، لإنقاذهم من النار في الآخرة، والشقاء والضياع والضلال في الدنيا، لكم بهذا الأجر العظيم، فقد حلف r ترغيبًا في الدعوة إلى الله فقال: «فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» أي: هداية رجل واحد على يديك خير لك من الإِبل الحُمُر، وهي أنفس أموال العرب في حينها. وهذا مثل للتقريب إلى الأذهان، وإلا فنعيم الآخرة لا يماثله شيء من نعيم الدنيا. ومن أساليب الدعوة إلى الله؛ بيان ما أمرنا الله به من إفراده بالعبادة وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدقة على الفقير، وغير ذلك مما يوافق الفطرة والعقل السليم، وكذا بيان ما نهانا الله عنه من اتخاذ شريك له في العبادة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والظلم وغير ذلك مما تأباه الفطرة والعقل السليم، فمن أراد الله هدايته شرح صدره للإِسلام، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور. قال شيخ الإِسلام: ينبغي لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يكون عنه، حليمًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه، فالفقه قبل الأمر: ليعرف المعروف فيأمر به، ويعَرفُ المنكر فيُنكره، والرفق عند الأمر: ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر: ليصبر على أذى المأمور المنهي.. التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|