أبواب الجنة تفتح في أيام أخرى غير رمضان طيلة العام
خطبة يوم الجمعة 09-10-1434هـ - جامع الملك فهد رحمه الله في حائل
الحمد لله الحميد المجيد , الذي فرض على عباده التوحيد , ووعدهم إن ماتوا عليه بالجنة دار الخلود , أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ، ومن لا غنى به طرفة عن فضله ورحمته , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود ، والمقام المحمود , إمام المتقين الركع السجود , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى اليوم الموعود وسلم تسليما ً . أما بعد:
فاستبشروا أيها المؤمنون بوعد الله للمؤمنين ، قال الرحمن الرحيم : (( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) ، فهذه والله البشرى (( وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) . فالحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ومن علينا بالإيمان ، ووفقنا لعمل الصالحات في كل آن , فنسأله تبارك وتعالى بمنه وكرمه أن يثبتنا ويحقق لنا ما وعد به عباده المؤمنين : (( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد ِ )) .
عباد الله : كنا نستبشر في رمضان بأن أبوب الجنة مفتحة ترغيباً للعاملين , وتنشيطاً للطائعين ، ولكثرة الرحمة والمغفرة فيه ، ولكن اعلموا يا عباد الله واستبشروا بأن أبواب الجنة تفتح في غير أيام رمضان طيلة العام .
فاسمعوا إلى قول نبيكم صلى الله عليه وسلم : أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) ، الله أكبر , تُفَتَّح أبواب الجنة في كل اثنين وخميس كلَّ أسبوع على مدار العام ، ويصاحب تفتيحَها مغفرةٌ من الله لعباده المؤمنين الموحدين السالمين من الشرك .
فهذا الحديث يا عباد الله ينبه المؤمن إلى عظم شأن التوحيد ، وعظيم شان السلامة من الشرك ، فيجعل من هموم المؤمن الكبيرة التي لا تفارقه في حياته حتى الممات تحقيق التوحيد , والسلامة من الشرك صغيرة وكبيرة , سواء كان ذلك في الأقوال أو في الأفعال أوفي الاعتقادات , فيجدد دائماً توحيده , ويسأل الله أن يقيه من الوقوع في الشرك ، وأن يغفر له ما وقع فيه وهو لا يعلم ، فيقول دائما : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ ) كما أوصى بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .
واعلموا رحمكم الله أن من مجددات التوحيد التي لها ارتباط بتفتيح أبواب الجنة , ما جاء في صحيح مسلم وسنن أبي داود واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) وهذا الحديث يفيد بأنك يا أيها المؤمن بارتباطك بالوضوء وتجديدك للتوحيد بهذا الذكر بعده , تجعل أبواب الجنة الثمانية مفتحة لك دائماً متى ما غادرت الدنيا دخلت من أي أبوابها شئت .
فيا أيها المؤمنون : حافظوا على الوضوء وأسبغوه ، فلا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، واستشعروا الذكر بعده إن لفظتموه يتجدد لكم توحيدكم ، وحافظوا على الصلاة , فمقصد الوضوءِ وذكرِهِ , تطهير الظاهر والباطن استعداداً لدخول الصلاة ومناجاة الله , وعضوا على توحيدكم بالنواجذ واحذروا الشرك يغفر لكم مغفرة عامة في كل أسبوع مرتين .
فاللهم إنا نعوذ بك من الشرك صغيره وكبيره ، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفرك لما لا نعلم ، اللهم اجعلنا من أهل التوحيد الخالص ، اللهم حققّ التوحيد في قلوبنا وأعمالنا ، باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الملك العلام، ذي الفضل والإنعام، أحمده سبحانه وأشكره، على فضله ونعمه العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأنام ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام وسلّم تسليماً مستمرّاً على الدوام . أما بعد :
عباد الله : ليوميْ الاثنين والخميس هذا الفضل الذي سمعتموه , وهو أنهما تُفْتَح فيهما أبواب الجنة ، ويَغْفِر الله فيهما لكل الموحدين غيرِ أهل الشحناء , وجاء في رواية أخرى عند مسلم فضيلةٌ أخرى لهذين اليومين وهي أنه : ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ )، ومن أجل هذه الفضيلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومهما ، لذا جاء في رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) فكان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس, شكراً لله، وتأدباً مع الله، وتعبداً له بهذه العبادة المحبوبة له سبحانه ليعرض عمله على ربه وهو صائم .
واعلموا عباد الله أن ليوم الاثنين فضيلة زائدة عن يوم الخميس بسببها أيضا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب صيامه حيث سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ فقَالَ : ( ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ ) أخرجه مسلم .
فتنافسوا عباد الله في فعل الصالحات ، وليعود كلُّ امرئٍ نفسه على ما استطاعت من عبادة الصيام وغيرها من الطاعات ، ليدوم للمؤمن القرب من ربه ومن جنته , فـ ( الجنَّةُ أقربُ إلى أَحْدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِه ، والنَّارُ مثلُ ذلك ) قاله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري .
وأخيراً عباد الله : ما أقبح الشحناء بين عباد الله المؤمنين ، فإنها تحرمهم من مغفرة ربهم حتى وإن كانوا موحدين سالمين من الشرك ، وهذا أذا كانت بين اثنين , فكيف إذا كانت بين أمتين من المؤمنين , لا شك أنها ستكون أقبح وأشر .
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم ، اللهم إنا نبرأ إليك ممن سفك دماء المؤمنين وأزهق النفس الزكية بغير حق , اللهم انتقم ممن سفك دما محرما ، اللهم أدر دائرة السوء عليه , اللهم اجعل كيده في نحره , اللهم سلط عليه من يأخذ الحق منه للمظلومين من عبادك المؤمنين .
اللهم إنا نشكو إليك فرقة المسلمين واختلافهم ، اللهم إنا نشكو إليك فرقة المسلمين واختلافهم ، اللهم إنا نشكو إليك فرقة المسلمين واختلافهم ، اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين ، اللهم اجمع كلمتهم على الأكفاء الأمناء , اللهم اجمع كلمة المسلمين في كل مكان ، اللهم ألف بين قلوبهم ، اللهم ارفع الفتنة عنهم , اللهم احقن دمائهم , اللهم ول عليهم خيارهم واكفهم شر شرارهم , اللهم من أراد إقصاء الحكم بشريعتك عن بلاد المسلمين اللهم فأقصه عن الحكم يا من يؤت الحكم من يشاء وينزعه ممن يشاء .
اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار .
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-121.html
|