معنى لا حول ولا قوة إلا بالله
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أنه كلما زاد استسلام العبد لله, وتفويضه إليه, واعترف بالإذعان لله, وأنه لا راد لقضائه, وتبرأ من حوله وقوته وأنه لا يملك من الأمر شيئا, وأن الأمر كله لله. زاد قربه من ربه ومولاه وعظم ثوابه, وفاز بكفاية الله له. ولذلك شرع الله لعباده من الأذكار ما يدل على ذلك.
فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبدالله بن قيس, ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ ), فقلت: بلى يا رسول الله, فقال: ( لا حول ولا قوة إلا بالله ).
كلمة عظيمة, لها من الفضائل والفوائد والثمار ما لا يحصيه إلا الله, وفيها من المعاني والآثار ما يزيد الإيمان والتوحيد, ويملأ القلب طمأنية, والصدر نورا وانشراحا. كل ذلك يحصل لمن تلفظ بها وتفكر في معناها وفيما اشتملت عليه.
فمعنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلاّ بالله، أي: إلاّ بعونه وتوفيقه وتسديده.
وقيل معناها : ( لا حول بنا على العمل بالطاعة إلاّ بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاّ بالله ).
وقيل: ( لا حولَ في دفع شر، ولا قوةَ في تحصيل خير إلاّ بالله ).
ولذلك تَعَبَّدَ اللهُ عباده بالتلفُّظِ بها لاشتمالها على كثير من أبواب التوحيد, لأن كُلَّها توحيد رغم قلة أحرُفِها وخِفَّتها على اللسان: فهي: استعانة بالله الذي لا حول لنا ولا قوة إلا به.
وتدل على توحيد الربوبية لأنها تتضمن الإقرار بأن الله وحده هو الخالق لهذا العالم, المدبر لشؤونه, المتصرف فيه بحكمته ومشيئته, وأن أمور العالم كلها بيده وتحت ملكه وقهره, لا قدرة له على شيء ولا تحول له من حال إلى حال إلا بالله.
وتدل أيضاً على توحيد الأسماء والصفات, لأَنها تدل على أن الله غني بذاته, وكل ما سواه فقير إليه, وأنه متصف بجميع صفات الكمال ونعوت العَظَمَةِ والجلال, ولِعَظَمَةِ أسمائه وكمال صفاته, استحق أن يُقْصَدَ وحده, وأن لا يُلْجأَ إلا إليه.
وتدل أيضاً على توحيد الإلهية, وهذا مأخوذ من قوله: " إلا بالله ". ومعنى ذلك: أنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين, كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما.
وتدل أيضاً على الإيمان بالقضاء والقدر, لما في ذلك من الإستسلام لله والتبرُّؤ من الحول والقوة, وأن الأمور إنما تقع بقضاء الله وقدره.
وتدل أيضاً على الإيمان بأن ما شاءالله كان وما لم يشأ لم يكن.
وتدل أيضاً على معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ).
وتدل أيضاً على معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾.
فمن لازم هذه الكلمة مع استشعاره لهذه المعاني والدلالات, لابد وأن يستنير قلبه, وينشرح صدره, وتقوى عزيمته, وتطمئن نفسه, وتسلَمَ من المخاوِفِ والقلقِ, وتَشَتُّتِ الحال والهموم. فلا يخافُ إلا الله, ولا يثق إلا به, ولا يفوض الأمر إلا إليه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
ينبغي على كلِّ مسلم أن يعتني بهذه الكلمة ويهتمّ بها غاية الاهتمام، وأن يكثر من قولها لعظم فضلها عند الله، وكثرة ثوابها عنده ، ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا والآخرة, والتي منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما على الأرض رجلٌ يقول لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، إلاّ كُفِّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر ). ومن ذلك ما تقدم أنها كنز من كنوز الجنة. ومعنى الكنز هنا أنَّه ثواب مدخرٌ في الجنة، وهو ثوابٌ نفيسٌ كما أنَّ الكنز أنفس الأموال.
ومن ذلك ما ورود من الأمر بالإكثار منها والإخبار أنَّها من غراس الجنة. وهي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حينما لقي إبراهيمَ عليه السلام ليلة المحراج فقال: ( يا محمد مُرْ أمَّتَك أن يكثروا من غراس الجنة، قال: وما غراس الجنة ؟ قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله ).
ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لقيس بن عبادة : ( ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قلت: بلى، قال : لا حول ولا قوة إلاّ بالله ).
ومنها قول عثمان بن عفان رضي الله عنه لما سئل عن " الباقيات الصالحات " ما هي ؟ فقال: ( هي لا إله إلاّ الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ).
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وسوريا وفي بورما ، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وخالف بين كلمتهم وشتت شملهم وفرق جمعهم ومكّن المؤمنين منهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|