حسن الاختيار
الحمد لله الحكيم العليم الخبير ، اللطيف السميع البصير ، } إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه للناس بشيرا ونذيرا ، فكان أصدق بشير وأحرص نذير . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، فهو القائل سبحانه . } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الإنسان في هذه الحياة ، معرض لأشياء عده ، وأمور متنوعة ، ومجالات متعددة ، تستدعي منه أن يختار ما يناسبه ، وما يتوافق مع عقله وتفكيره ، ولذلك قالوا : اختيار المرء قطعة من عقله ، فإذا كان هذا الإنسان عاقلا ، فإنه يختار الأفضل والأنفع والأصلح مما يكون خيرا له في دنياه وآخرته ، فمصير الإنسان وحياته ، يتحددا من اختياراته ، ولذلك ـ أيها الأخوة ـ حسن الاختيار مطلب شرعي ، وقضية دينية ، اهتم بها كتاب الله U ، وبينتها سنة النبي r .
أيها الأخوة :
فحسن الاختيار أمر ، يجب على المسلم الاهتمام به ، وقضية ينبغي للعاقل أن لا يغفل عنها ، فما ساءت أحوال كثير من الناس ، إلا بسبب سوء اختياراتهم ، ونتيجة عدم مبالاتهم بالتوجيهات الربانية ، والنصائح النبوية ، لا سيما في جانب حسن الاختيار .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ ماذا سيحدث عندما يسئ المسلم اختياره لزوجته ، أو جاره ، أو جلسائه ، بل حتى في الأمور الدنيوية ، تأملوا ماذا سيحدث عندما يسئ الاختيار ، لدراسته أو وظيفته ، أو سيارته ، أو حتى الطريق الذي يسلكه لقضاء حاجاته . لا شك ـ أيها الأخوة ـ ما يحدث لهذا الإنسان هو نتيجة اختياراته .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد اهتم الدين بقضية حسن الاختيار ، فأمر باختيار الزوجة ، كما في حديث النبي r الذي رواه البخاري عن أبي هريرة t يقول r : (( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )) وأمر باختيار الجليس ، فقال r بالحديث الصحيح : (( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )) بل ـ أيها الأخوة ـ من اهتمام الدين بقضية حسن الاختيار ، أمره باختيار حتى الأسماء ، كما في الحديث المرفوع ، في سنن أبي داود ، عن أبي الدرداء ، حيث قال r : (( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن لحسن الاختيار ثمار يانعة ، وفوائد كثيرة ، ومصالح لا تعد ولا تحصى ، فلو نظرنا ـ على سبيل المثال ـ لاختيار الزوجة ، وعملنا بأمر النبي r في الحديث السابق : (( فاظفر بذات الدين )) لتلاشت من حياتنا كثير من السلبيات ، ولانتهت من أسرنا كثير من المشاكل ، والعادات السيئة ، بل وكثير من كبائر الذنوب ، التي هي نتيجة من نتائج عدم العمل بوصية النبي r .
فالزوجة ذات الدين ، يحافظ أبناؤها على الصلاة ، في أماكنها وفي مواقيتها ، لأنها هي ذات دين تهتم بالصلاة في أوقاتها ، وكذلك يخلوا بيتها من المخالفات الشرعية ، والمنكرات التي تأبها لدينها واستقامتها .
المرأة المتدينة ، التي أمر النبي r بالظفر بها ، تنظم وقتها ، فتنام وقت النوم ، وتستيقظ وقت الليقظه ، وتقوم بأعمالها على الوجه المطلوب ، تربي أبناءها تربية دينية تربت عليها ، وتعتبرها عبادة تتقرب من خلالها إلى خالقها ، لا يحتاج أبناؤها لأكل المطاعم القذرة ، لعدم اهتمامها بطعامها ، ولا تركب زوجها الديون بسبب تبذيرها وإسرافها ، ولا تجعله يقضي وقته بالاستراحات فرارا من سليط لسانها ، وكثرة متطلباتها ، لا تحتقر القليل ، ولا تقلل الكثير ، ولا تستقطب الفسقة والفجرة والمجرمين ، من خلال الأجهزة في محيط مملكتها ، التي هي بيتها ، همها وهدفها كيف ترضي ربها U .
فالله .. الله .. أيها الأخوة ، عليكم بحسن الاختيار في جميع شئون حياتكم.
اسأل الله U لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
هناك أمور تعين المسلم على حسن الاختيار ، ينبغي له أن لا يغفل عنها ، من أهمها تقوى الله U ، فتقوى الله سبحانه ، هي خير معين على حسن الاختيار ، يقول تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { ويقول سبحانه : } وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { .
ومن الأمور المعينة على حسن الاختيار ـ أيها الأخوة ـ الدعاء والاستخارة ، يدعو المسلم ربه بأن يوفقه وأن يختار له ما فيه خير له في دنياه وآخرته ، وكذلك صلاة الاستخارة ، والتي من ضمنها الدعاء ، ففي الحديث الذي رواه البخاري عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ )) .
أيها الأخوة :
ومن الأمور المعينة على حسن الاختيار ، مشورة أصحاب التجارب ، وأهل الخبرة ، والتفكير في عواقب الأمور ونتائج الأشياء .
اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد ، والهداية والرشاد ، وصلاح القول والعمل ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا ، وأصلح لنا ديانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ياسميع الدعاء . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، ونسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وسلامة دائمة برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، والرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ونسألك نعيما لا ينفذ ، وقرة عين لا تنقطع ، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراءٍ مضرةٍ ولا فتنةٍ مضلة .. اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداةً مهتدين لا ضالين ولا مضلين .
اللهم اشف مرضانا . وارحم موتانا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
|