المنعطف
الخطير في المنهج الشرير
الحمد
لله منزل الكتاب ، وميسر الأسباب ، ومؤكد الحساب ، وعد من أطاعه بحسن الثواب ،
وتوعد من عصاه بأليم العقاب . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، قال في
كتابه :
} مَنْ
عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ { . وأشهد أن لا إله إلا
الله ، وحده لا شريك له ، له القوة جميعا وهو شديد العذاب : } إِذْ
تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ { .
وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه للناس كافة ، بشيرا
ونذيرا ، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، فمن
سلك طريقه رشد ، ومن أعرض عنه ضل : } وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { .
صلوات
ربي عليه ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
تقوى الله U
، وصية الله لنا ولمن كان قبلنا : } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين
.
أيها الأخوة المؤمنون :
نقلت لنا وسائل
إعلامنا ، ما قام به بعض المنتسبين لتنظيم القاعدة في بلاد اليمن ، حيث قاموا باختطاف
رجل من رجال دولتنا ، وموظف من موظفي سفارتنا ، الموجودة هناك
، والتي تعمل على خدمة المسلمين ، من حجاج وزوار ومعتمرين ، بل وعاملين يقصدون هذه
البلاد المباركة ، لكسب الرزق والحصول على لقمة العيش لهم ولمن يعولون في بلادهم ،
ولا شك أيها الأخوة ، أن هذه العملية القذرة ، والطريقة السيئة ، تعتبر منعطف خطير
، في منهج شرير ، عانت منه البلاد والعباد ، بل والأمة بأسرها ، وهو نتيجة فكر
منحرف ، ومنهج باطل ، وراؤه جماعات ضالة ، وأحزاب شيطانية ، ودعاة يدعون إلى النار
، حذر منهم النبي r ، وبين خطرهم ، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود،
والنسائي ، عن أبي سعيد الخدري t قال : بعث علي t وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله r
، فقسمها رسول الله r بين أربعة نفر : الأقرع ، وعيينة ، وعلقمة ، وزيد
الخير الطائي . قال : فغضبت قريش والأنصار ، فقالوا : أيعطي صناديد نجد ويدعنا ؟
فقال رسول الله r : ((
إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم )) . فجاء رجل كث اللحية ، مشرف الوجنتين ،
غائر العينين ، ناتئ الجبين ، محلوق الرأس ، فقال : اتق الله يا محمد ! قال : فقال
رسول الله r : ((
فمن يطع الله إن عصيته ؟ ! أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ ! )) . قال
: ثم أدبر الرجل ، فاستأذن رجل من القوم في قتله ـ يرون أنه خالد بن الوليد ـ فقال
رسول الله r : ((
إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ويدعون
أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أدركتهم لأقتلنهم
قتل عاد )) .
أيها الأخوة :
فالنبي r
في هذا الحديث ، الذي لا يحب ذكره المعجبون والمؤيدون لخلف هؤلاء ، يحذر من منهج
باطل ، ويذكر صفات قوم يمثلون خطرا على الأمة ، ويقومون بأعمال شنيعة ، ويشير في
قوله r : (( يقرؤون القرآن
لا يتجاوز حناجرهم )) إلى أن هؤلاء يأتون من باب الدين ، والحرص على مصالح
المسلمين ، وهذا مما يزيد في خطرهم ، وانطلاء منهجهم على الجهلة والسفهاء من
المسلمين .
وقد حدث هذا ـ
أيها الأخوة ـ ففي فترة مضت من الزمن ، مكن أمثال هؤلاء ، الذين حظهم من كتاب الله
إتقان قراءته ، وعدم العمل بأدلته ، فكان منهم ـ كما يزعمون ـ الخطيب المفوه ،
والمعلم المتميز ، والشيخ المجاهد ، والداعية الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، ومن
أنكر على هؤلاء ، أو حذر منهم ، أتهم بسوء النوايا ، ونعت بالنعوت التي ما أنزل
الله بها من سلطان ، فهو عندهم وعند المخدوعين بهم ، شيخ المناصب ، وجاسوس الحكومة
، وذنب الأمراء ، والداعية المداهن ، والنمام ، وغير ذلك من الألفاظ ، وهدفهم نشر
منهجهم ، وتفعيل دعوتهم في المجتمع ، وقد نجحوا حتى تأثرت بهم حتى بعض النساء .
والله ـ أيها
الأخوة ـ إني سمعت تسجيلا ، لأحد علماء هذه البلاد ، وهو من له درس ثابت في مسجد
رسول الله r ، قبل أكثر من عشرين سنة ، يقول عن أحد مشائخ هؤلاء ، إنه إن ترك هذا
الرجل ، فسوف يكون لدعوته آثار خطيرة ، ولمنهجه أضرار كثيرة على البلاد والعباد ،
وقد ترك ـ ووقع ما خاف منه العالم ـ فتناقلت كلماته ودروسه ومحاضراته وسائل
أعلامنا ، ووزعت أشرطته بعض جهاتنا ، ومجده بعض أساتذة
جامعاتنا ، فتأثر فيه فئام من الناس ، وأعجب به حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، وخطأ
ذلك العالم التقي الورع ، ونسب إليه وإلى أسمه بعض الدعاة المخلصين الناصحين ،
لكتاب ربهم ، ولولي أمرهم ، وعامة أمتهم ، للتنفير عنهم ، والتحذير منهم ، وأيد
الأخير التأييد الكامل ، وصار العالم المجاهد الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ،
المطبق لحديث النبي r قائل الحق عند السلطان الجائر
والنتيجة ـ أيها
الأخوة ـ هي ما عانت وتعاني منه البلاد والعباد ، من تكفير وتفجير وترويع وتقتيل واختطاف
، فتفجيرات الخبر والرياض ، ومحاولة قتل الأمير ، واختطاف نائب الوزير ، كل ذلك
وراؤه من نعم بخيرات هذه البلاد ، ودرس في مدارسها ، وصلى في مساجدها ، ولكنه ثمرة
فاسدة ، لدعوة باطلة ، ومنهج منحرف .
أيها الأخوة :
قد ساعد في وجود
هذا المنهج الباطل ، والفكر المنحرف ، أناس من بني جلدتنا ، تأثروا بأفكار وافده ،
وفتاوى مستوردة ، وثق بهم وهم ليسوا أهلا للثقه ، تمسكنوا حتى تمكنوا ، وطبخوا على
نار هادئة ، وانخدع بهم أكثر الناس ، والويل لمن خالفهم أو تعرض لهم ، فمصيره أما
إيذاؤه في جسده ، أو التشكيك في مقاصده ، أو التنقيص من مكانته ، أو الإقصاء المباشر
أو غير المباشر له ، بحجة أن لا يتأثر به الشباب ، ولا تتفرق الأمة ، ولا تتمزق
الوحدة كما يزعمون ، حتى وقع الفأس بالرأس ، وصارت الأفكار واقعا ، والتنظير
تطبيقا ، وما كان يدور ويتعلم في الاستراحات والرحلات والزيارات ، ينفذ على أرض
الواقع ! هذه الحقيقة ـ أيها الأخوة ـ التي لا ينكرها إلا مخدوع ما زال يدور في
دوامته ، أو صاحب هوى ما زال يتأرجح بين شهوته وشبهته .
فخطف نائب السفير
، ومحاولة اغتيال الأمير ، والتكفير والتفجير ، منهج دخيل ، الدين منه بريء .
اسأل
الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا
شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها
المسلمون :
إن هذه البلاد
ليست كغيرها من البلدان ، فقد حفظها الله U بهذا الدين ، وقيض لها ذلك الرجل المبارك ، الذي لم شتاتها ، ووحد
كلمتها ، وجمع فرقتها ، ووقف سدا منيعا لكي لا تصل إليها الأيادي المغرضة ، ولا
تنطق بها الأفواه التي تدس السم بالعسل ، ولعل قوله ـ رحمه الله ـ لجماعة الإخوان
: كلنا إخوان . ولجماعة التبليغ : كلنا نبلغ الدعوة ، فيه دليل على منهج هذه
البلاد الواضح البين ، ألا وهو منهج السلف الصالح .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الجفاء الواضح
، والفرقة الملموسة ، بين من يسمون بالدعاة ، أو طلاب العلم ، أو الشباب ، سببها
تنوع المشارب ، واختلاف المناهج ، وتباين المذاهب ، وصدق الله : } وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ
مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ
أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ { .
إن ائتلاف القلوب
ـ أيها الأخوة ـ واجتماع الكلمة ، يكون بما كان عليه أولائك الذين شهد الله U
لهم من فوق سبع سمواته بإتلاف القلوب ، أصحاب الكتاب الواحد ، والمنهج الواحد ،
والفكر الواحد ، والهم الواحد .
أما إذا اختلفت
المناهج ، وتنوعت المشارب ، وتباينت المذاهب ، فيستحيل أن تجتمع القلوب ، أو تتحد
الكلمة
أيها الأخوة المؤمنون :
هي كلمات أحببت
أن أنثرها بين أيديكم ، وما أنا إلا واحد منكم ، أبرأ إلى الله من جميع المناهج
المستحدثة ، أدين الله U بالسمع والطاعة لخادم الحرمين الشريفين بغير
معصية لله جل جلاله .
وأختم
بدعوة خالصة صادقة ، بأن يحفظ لنا أمننا ، ويوفق ولي أمرنا ، ويسدد علماءنا
ودعاتنا ، إنه سميع مجيب .
اسأل
الله U للمختطف السلامة والنجاة ، والعودة الحميدة
إلى أهله وذريته .
اللهم
احفظ لنا ديننا ، الذي هو عصمة أمرنا ، واحفظ لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، واجعل
الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم إنا نسألك خشيتك
في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، ولذة
النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك ، ونعوذ بك من ضراء مضرة ، ومن فتنة مضلة ،
اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اشف مرضانا . وارحم موتانا ، واغفر لنا ولوالدينا
ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم
يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|