سلوة المحتاج للزواج
الحمد لله القوي القدير ، السميع البصير ، اللطيف الخبير ، } يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أفضل رسول واصدق نذير ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد قال U من قائل : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
لاشك أن الزواج آية من آيات الله تعالى ، يقول سبحانه : } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { وهو سنة من سنن المرسلين ، ووصية سيد الأولين والآخرين r ، يقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه ، كما في الحديث الصحيح : (( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء )) ، وقد حرص العقلاء عليه ، وبادروا إليه ، يقول ابن مسعود t : لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام ، ولي طَول على النكاح لتزوجت ، كراهية أن ألقى الله عزبا . ويقول إمام أهل السنة ؛ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : ليست العزوبة من الإسلام في شيء ، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام .
أيها الأخوة المؤمنون :
والزواج ضرورة اجتماعية ، فمن خلاله تبنى الحياة ، وتتكون الأسر ، وهو أمر تقتضيه الفطرة ، وبه يسلم الصغير قبل الكبير ، قل لطفل صغير لم يبلغ : أسأل الله أن يزوجك ، تجده يبتسم ضاحكا ، وقل لشيخ كبير ، وهن العظم منه واشتعل رأسه شيبا ، نريد أن نزوجك ، تجده يبتسم ضاحكا ، فالزواج أمر مسلم به ، جبلت الأنفس على محبته ، ولا يمتنع عنه إنسان طبيعي ، بل كما روي عن عمر بن الخطاب t : لا يمتنع عن الزواج إلا من به عجز أو فجور ، الذي يرفض الزواج ، على حد قول عمر ؛ إما أن يكون عاجزا ، أو فاجرا نسأل الله السلامة والعافية ، بل ـ أيها الأخوة ـ النبي r تبرأ ممن قال لا أتزوج النساء ، كما في الحديث الذي رواه البخاري ، عن أنس بن مالك t قال : جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبيّ r يسألون عن عبادة النبيّ r فلمّا أُخبروا كأنهم تَـقَالّوها ، فقالوا وأين نحن من النبيّ r قد غُـفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم ، أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله r إليهم فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
فالزواج آية من آيات الله ، وسنة نبوية ، وضرورة اجتماعية ، ومطلب نفسي ، ولا يشك في ذلك عاقل ، ولكن المشكلة ـ أيها الأخوة ـ في عقول متحجرة ، وأفهام منحرفة ، وآراء منتكسة ، يحملها أناس لم يدركوا أهمية الزواج ، ولم يستشعروا حاجة من هم بحاجته ، بل لم يبالوا بأمر إلهي ، ولا بتوجيه نبوي ، ولا بفتنة في الأرض ولا بفساد عريض ، يقول النبي r : (( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )) .
كثير هم ـ أيها الأخوة ـ من جعلوا الزواج عقبة كئودا ، وأمرا مستحيلا ، وأمنية صعبة ، عند كثير من الشباب ذكورا وإناثا ، ومبرراتهم ما هي إلا أسباب جاهلية ، وأعراف قبلية ، وعادات سيئة ، وطمع خطير وانعدام ضمير ، والنتيجة الفتنة والفساد العريض الذي حذر منه النبي r ، بالإضافة إلى أزمات نفسية ، وأمراض عضوية ، عند كثير من الشباب وخاصة الفتيات ، والله ـ أيها الأخوة ـ إن في بيوت كثيرة نساء ـ لا أقول فتيات ، فقد تجاوزن أن يقال لإحداهن فتاة ـ نساء بلغن الخامسة والثلاثين من العمر ، وآباؤهن يضعون شروطا معقدة لزواجهن ما أنزل الله بها من سلطان ، ولذلك انظر تأثير ذلك على نفوسهن وأجسادهن ، أمراض متنوعة ، وعلل متعددة ، ضغط وسكر ، صرع وتشنج ، آهات وحسرات ، تكاد الواحدة تنفجر لولا حياؤها وخجلها ، وحسن ظنها وسلامة نيتها .
ألا فليتق الله أولائك في بناتهم ، وليعلموا بأن مصلحة الفتاة وسعادتها في أن يكون لها زوج تسكن إليه ، ويغمرها بمودته ورحمته التي ذكر الله U } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن قضية تعقيد الزواج ، وما يفعله كثير من الناس ، من مبالغة في المهور ، ورد للأكفاء ، وإسراف وتبذير في الولائم ، لأشياء مرفوضة في المجتمع ، وهي حديث الناس في مجالسهم ، وكل يتمنى أن لو قضي عليها وانتهت من الوجود ، ولكن ذلك وللأسف مجرد حديث مجالس ، يتسلى به بعضهم في مجالسه ، وبعضهم يزعم أنه ممن لا يرضى بمثل هذه الأمور ، ولكن واقع كثير من الناس خلاف ذلك ، ففي مجال الزواج ، أكثر الناس يقولون مالا يفعلون ، إذا تقدم شاب لخطبة فتاة ، تأمل كم يمضي من الوقت للسؤال عنه ، عن حسبه ونسبه ، عن راتبه ومرتبته ، عن أخواله وأعمامه ، والله ـ أيها الأخوة ـ أن أحدهم سأل خاطبا عن أول رجل في قبيلته ، متى قدم إلى هذه البلاد ، وبعد الخطبة تعال انظر إلى ما يطلبه بعضهم من مهر ، يوكل الأمر إلى النساء فيجلسن يحسبن ـ وما هو إلا كتب على ورق لا يكلفهن شيئا ـ ولكنه على حساب المسكين الذي راتبه لشهر كامل ، يكون قيمة لفستان العروس ليلة الزواج ، فإحداهن تكتب ، والباقيات يملين ، كل ما طرأ على إحداهن شيء قالت أكتبي يا فلانة ، المغنيات والحلويات والعصيرات ، وغير ذلك .
وقد استحدث كثير من الناس عادة ما هي إلا للمباهاة والمفاخرة ، وهي تجهيز العروس من خارج المنطقة ، لكي يقال تجهزوا من مدينة كذا ! وهذا كله على حساب ذلك المسكين .
ألا فاتقوا الله ـ أيها الأخوة ـ ويسروا الزواج وأعينوا عليه واحذروا غوغاء الناس وسفهاءهم ، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وفي الحديث الصحيح ، قال e : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا )) . فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|