بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر عام 1429 هـ
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليناً كثيراً .
الله أكبر .... الله أكبر .... الله أكبر .... الله أكبر .... الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، ألله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً .
الله أكبر عدد خلقه ، الله أكبر رضا نفسه ، الله أكبر زنة عرشه ، الله أكبر مداد كلماته ، الله أكبر ملء السموات ، وملء الأرض ، الله أكبر ملء ما بينهما ، وملء ما شاء من شيء بعد .
اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام ، وعلمتنا القرآن ، وهديتنا للسنة وجعلتنا من خير أمة .
اللهم لك الحمد على تتابع فضلك وإحسانك وإنعامك .
اللهم لك الحمد أطعمت ، وأسقيت ، وأحييت ، وأقنيت ، وهديت ، وكفيت فلك الحمد على ما أعطيت .
اللهم لك الحمد على ما يسرته لنا من صيام رمضان وقيامه ، وبلوغ عيده وإطعامه ، فاللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى .
أما بعد :
أيها المسلمون ... اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ، " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ابتهجوا وافرحوا بما خصّكم الله به من الفضائل ، فأنتم من خير أمة أخرجت للناس ، أنتم الأمة الوسط بين الناس ، أنتم الشهداء على الناس . أنتم آخر الأمم في هذه الدنيا ولكنكم أول الأمم يوم القيامة ، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : (( نحن الآخرون من أهل الدنيا ، الأولون يوم القيامة ، المقضى لهم قبل الخلائق ))
وفي رواية : (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة )) .
أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأتون يوم القيامة مميزين ( غراً محجلين من آثار الوضوء ) وجوههم وأطرافهم بيضاء من إسباغ الوضوء ، كما جاء في الصحيح .
يردون على حوض النبي صلى الله عليه وسلم فيشربون منه ماءً أشد بياضاً من الثلج ، وأحلى من العسل بالبن .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم :
أتدرون أنكم أول من يجتاز الصراط على جسر جهنم ، وأول من يدخل الجنة . أتدرون أنكم نصف أهل الجنة ، قال نبيكم صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة )) أخرجه مسلم .
وبهذا تعلمون أن كونكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاءٌ واختيارٌ من الله لكم ، وهذا يوجب عليكم أن تلتزموا سنته وشريعته وسيرته وعبادته وأخلاقه وتعتزوا بذلك حتى تحشروا في زمرته وتنالوا الرحمة من ربكم . قال الله تعالى (( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم ))
فاعتزوا عباد الله بانتسابكم لهذه الأمة ، واحمدوا ربكم على هذا الاصطفاء . ومن اعتزازكم أن تعتزوا بعيدكم وتعظموه ولا تبغوا عنه بديلاً بأعياد مبتدعة ما جاءت عن رسول الإسلام ولا عن صحابته الكرام .
الله أكبر ... الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها المسلمون :
ربكم أرحم الراحمين ، ونبيكم نبي الرحمة ، ودينكم دين التراحم ، فتراحموا بينكم ولا تظالموا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، فالمؤمنون إخوة وبعضهم أولياء بعض . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لن تؤمنوا حتى تراحموا )) قالوا : يا رسول الله كلنا رحيم ، فقال صلى الله عليه وسلم (( إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ، لكنها رحمة العامة )) حديث حسن رواه الطبراني .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) متفق عليه .
فلنقتد يا عباد الله بالمسلمين الأولين ـ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ الذين وصفهم ربهم بقوله (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) .
فيا أيها المؤمنون تراحموا ولا تظالموا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا تهاجروا ولا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ، واعلموا أنه لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه ، فكونوا عبدا الله إخواناً رحماء ، فإنما يرحم الله من عباده الرحماء .
يا أيها الأبناء ارحموا والديكم واخفضوا لهم جناح الذل من الرحمة ،
ويا أيها الآباء ارحموا أولادكم وأدوا لهم الحقوق لتأمنوا العقوق .
ويا أيها الأزواج والزوجات جعل الله بينكم مودة ورحمة ، فلا تكثروا الخلاف والشقاق واعذروا بعضكم البعض فإن " تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم " .
ويا أيها العمال والأجراء أدوا العمل وفق الشروط وارحموا أصحاب العمل بأداء الأمانة فلا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له .
ويا أصحاب العمل والكفلاء ارحموا العمال لديكم ، فالحاجة ألجأتهم أن يعملوا تحت أيديكم فاستوصوا بهم خيراً وارحموهم وأدوا إليهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم فهم يعولون أسراً وأطفالاً مثلكم ويتضررون بتأخير حقهم عنهم ، فأحبوا لهم ما تحبوا لأنفسكم .
ويا أيها الناس : المؤمن سمح إذا باع سمح إذا اشترى سمح إذا قضى سمح إذا اقتضى ، وليس منا من يغشنا ، و" ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليومٍ عظيم " .
أيها المؤمنون : " اعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " . " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " .
لا يحملنّكم الحرص على كسب المال على التساهل في أكل المال الحرام ، فلقد قال صلى الله عليه وسلم " ليأَتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال ، أمن حلال أم من حرام " البخاري وفتنة هذه الأمة في المال كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فالدنيا أحقر عند الله وأهون على الله من جناح بعوضة ، وإلا لما سقى منها كافراً شربة ماء فهي أحقر من أن تُفْنَى في طلبها الأعمار ، فكيف يؤكل ويطلب منها الحرام ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " أي لحم نبت على السحت فالنار أولى به "
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيها من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية لعيد الفطر 1429 هـ
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، ووسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً ، أحمده بجميع محامده حمداً كثيراً ، وأشكره على أفضاله وإنعامه بكرة وأصيلا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يزل علياً كبيراً ، سميعاً بصيراً ، لطيفاً خبيراً ، شكوراً حليماً ، عفواً غفورا ، رؤوفا رحيماً ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، بعثه ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها الناس : وقفة تذكر واعتبار .
ففي تقلبات الأيام والأعوام عظة وعبرة لأهل الإيمان . يبتلي الله الناس بالبأساء والضراء لعلهم يتذكرون ، فيتعظون ويتضرعون " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " .
لقد أرانا الله في عامنا هذا عظات وعبراً ، فمرت بنا شداد ومحن : قلت علينا الأمطار ، فجفت الآبار وقحطت البراري والقفار ، وارتفعت الأسعار متأثرة بكساد الاقتصاد في شتى الديار فأشتكى الناس من الأضرار . وهاج علينا الغبار حتى كثرت بسببه الأمراض ، ولم تسلم من الضرر حتى الأشجار .
وقبل شهر صومنا ، ذكَّرنا ربنا وخوفنا بآيتين عظيمتين هما كسوف الشمس وخسوف القمر في نصف شهر .... وهما آيتان يخوف الله بهما عباده ....
كل هذا يا عباد الله أن ربكم أرحم الراحمين يفعل ذلك رحمة بكم لعلكم تذكرون فلا تتمادون في الغفلة . كما قال الله عز وجل في شأن فرعون وقومه " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ـ أي بالجدب والقحط ـ ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون" وقال : " ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " وقال الله تعالى : " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض " . فلأجل أن لا يبغى العباد في الأرض ، يبتليهم ربهم الرحيم بنقص الأرزاق .
ففي زمن طغت فيه الماديات ، إياكم أن تغفلوا عن هذه السنة الإلهية .
وما ترونه يا عباد الله من متع الدنيا التي فتحت على الكفار في بلادهم ، ما هي إلا متاع زائل عجل الله لهم بها طيباتهم في حياتهم الدنيا ، وليس لهم في الآخرة من نصيب . لذا يقول الله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين ونسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " .
فيا عباد الله ربنا يذكرنا لنرجع إليه فلنحاسب أنفسنا على أداء الفرائض واجتناب الحرمات .
يا كل مؤمن بالله واليوم الآخر حاسب نفسك على الديانة بالتوحيد الخالص لله رب العالمين . وحاسب نفسك على طاعتك للرسول ، وحاسب نفسك على إقامة الصلوات الخمس ، وحاسب نفسك على أداء الزكاة ، وعلى بر الوالدين وأداء حقوق الأرحام لنحاسب أنفسنا على أكل الحرام بشتى صوره من ربا ورشوة وغش في التجارات ، وأكلٍ لحقوق الناس .
لنحاسب أنفسنا على قربان الفواحش والتساهل في وسائلها المؤدية إليها . لنحذر من ترويج سلعة السحرة الأشرار الذين يريدون زعزعة توحيد الناس وثقتهم بالله العظيم .
لنحاسب أنفسنا على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعون أهل الحسبة على أداء واجبهم .
يا عباد الله إنما يأتي الشؤم للبلاد والأوطان من قبل أفعال الناس ، فلنستشعر المسؤولية تجاه مجتمعاتنا وأمتنا .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها الناس : فارقتم شهر صومكم شهر رمضان الذي فتح الله لكم فيه أبوال الجنان ترغيباً لكم على الطاعات ، وغلق أبواب النيران حثاً لكم على التوبة والإنابة ، وأكثر عليكم فيه من أسباب الغفران فكان موسم قربى من الله .
ولئن انقضى شهر رمضان ، فإن أبواب السماء بيننا وبين الرحمن مفتوحة طوال العام . فقد فتح الله باباً بالمغرب عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله " كما جاء في الحديث الصحيح .
" وما من أحد أحب إليه العذر من الله " والله يريد أن يتوب عليكم ، ويحب العفو عنكم ومن أتاه منكم يمشي أتاه هرولة ، ومن ذكره في نفسه ذكر الله في نفسه ، ومن ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه .
فـ " توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " .
** انتهت الخطبة **
|