حال أهل الإيمان في ختام رمضان
إِنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي
هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة
ضلالة .
أيها
الناس: الأيام والليالي مواقيت الأعمال، ومقادير الآجال، تمضي سريعا، وتنقضي جميعا،
وكل يجري لأجل مسمى، ولكل أجل كتاب، فالمبادرة المبادرة فإنما هي لحظات وأنفاس متى
ما حبست انقطعت عنا أعمالنا، فالبدار البدار إلى العتق من النار، وإلى ربنا الفرار.
عباد
الله: حال أهل الإيمان في ختام مضان، ينبغي أن تكون على حال ترضي ربنا الرحمن.
فأول
أحواله: أن يكون على حال الإحسان فيما بقي من رمضان، وذلك بمواصلة الاجتهاد والتشمير
بالصلاة والصيام والتلاوة والذكر والدعاء والقيام، مع الحرص على الإخلاص واتباع السنة
إلى آخر يوم منه، فبحسن العمل وقع الابتلاء ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم
أحسن عملاً))، و (إنما الأعمال بخواتيمها) رواه البخاري، لا سيما وما بقي من الشهر
أرجى ما تكون فيها ليلة القدر فلا تكسلوا ولا تفتروا في طلبها.
واحرصوا
أن يختم لكم مضان بختام المجتهدين المحسنين المتقين المنيبين ((للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة))
وثاني
أحوال المؤمن في ختام رمضان: حال الشكر، قال الله تعالى: ((وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) فالمؤمن
شكار لنعم ربه وأفضاله، وأعظم ذلك أن يشكره على أن هداه للإيمان من بين جموع البشر
الغفيرة الضالة عن الإيمان، ويشكره على نعمة إدراك رمضان وبلوغ ختامه، والتوفيق والإعانة
على الصلاة والصيام والقيام والتلاوة، فـلولا فضل الله ورحمته ما زكى منا من أحد أبدا.
فكونوا
عباد الله من الشاكرين، واعلموا أن الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح، فأكملوا عملكم
الصالح شكراً.
وثالث
أحوال المؤمنين: حال التواضع ومقت النفس في ذات الله، وذلك يكون بعدم الإعجاب بالعمل
واستحضار مِنَّةَ الله بكل نعمة ننعم بها، ويُقَوِّي جانب التواضع في قلب العبد: الإكثار
من سؤال الله العَفْوَ بالصيغة النبوية: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) خاصة في
الليالي، واستشعار معنى العفو هو أن يتجاوز الله عن سيئاتك، ويترك معاقبتك على ذنوبك.
ويقوي
التواضع أيضا: الختام بكثرة الاستغفار بالليل والنهار وفي الأسحار.
فبالاستغفار
تختم الأعمال الصالحة، لأنه يجبر ما وقع في العمل من خلل ونقص وتقصير، وهو كالطابع
والخاتم للعمل الصالح.
ورابع
أحوال المؤمنين الطائعين في ختام شهرهم الكريم: الوجل ودعاء الله بالقبول، فإن الطائعين
بعد إحسانهم في العمل، وقيامهم بالطاعة يخافون ويوجلون من عدم قبول طاعاتهم، لأنهم
لا يجزمون هل وفقوا للنية الصالحة الخالصة المرضية عند ربهم، ويخشون أن لا يكونوا بلغوا
تمام الإصابة، مع حرصهم على تحقيق الإخلاص والمتابعة يقول الله جل وعلا في وصفهم
((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ)) وجلون من عدم القبول، فالله لا يتقبل إلا من المتقين، وهم لا يزكون أنفسهم
بأنهم من المتقين.
وهذا
الوجل يثمر لهم الرجاء والدعاء، فإنهم يجتهدون في دعاء الله أن يتقبل منهم الصالحات،
وهذه هي عادة سلفنا الصالحين، بل سنة إمامي القدوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام،
حيث كانا يرفعان قواعد البيت الحرام بالبناء بأمر من الله، ويدعوان الله أثناء ذلك:
((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات
والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه
هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي
إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:
أيها
الناس :
شُرع
لنا أن نختم شهرنا الكريم بإخراج زكاة الفطر:
ــ
وزكاة الفطر فرض واجب على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد.
ــ
قدرها: صاع من طعام عن كل واحد، وقدر الصاع على وجه الاحتياط، ومراعاة لمصلحة الفقراء:
ثلاثة كيلوا غرام، بهذا كان يفتي الإمام ابن باز وهو المعمول به في البلاد.
ــ
ويبدأ وقت وجوبها من غروب شمس آخر يوم من رمضان ويمتد حتى صلاة العيد، ويجوز إخراجها
قبل العيد بيوم أو يومين.
والحكمة
من مشروعيتها يبينها لنا ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: (فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم زكاة الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو الرفث، وطُعْمَة للمساكين) حديث حسن رواه
أبو داود وابن ماجه.
فبالنسبة
للمزكي هي تطهير لصيامه مما حصل فيه من اللغو الرفث والخلل.
وبالنسبة
للمساكين: طعمة لهم في يوم العيد، حتى لا يبقى أحدٌ من المسلمين فاقداً للطعام في يوم
وجوب الفطر من رمضان، ليسعد الجميع بالعيد من غير جوع كما كان في نهار رمضان.
وبهذا
عباد الله نعلم أن مقصد زكاة الفطر يختلف عن مقصد زكاة المال العامة التي هي إغناء
الفقراء بكل احتياجاته.
وبهذا
يتضح لنا وجوب إخراجها طعاماً لا نقوداً ليتحقق مقصودها، ولا يصلح أن نقول: إن الفقير
أحوج للنقود من الطعام، لاختلاف المقصودين بي الزكاتين.
فهكذا
كانت تخرج زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه.
يحكي
لنا أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ذلك فيقول: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ
إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ،
حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ، صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً
مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ) متفق عليه واللفظ
لمسلم.
فأخرجوها
عباد الله كما كانت تخرج في العهد النبوي، طيبة بها نفوسكم، عنكم وعمن تعولون من أهلكم،
وضعوها في يد من يستحقها من الفقراء والمساكين.
اللهم تقبل منا ومن المسلمين الصيام والقيام وتجاوز عن التقصير والآثام،
ومُنّ علينا بالمغفرة والعفو والعتق من النار والفوز بالجنان يا كريم يا منان، اللهم
وفقنا لاستغلال ما بقي من أيام رمضان بالعمل الصالح الذي ترضاه يا حي يا قيوم، اللهم
أصلح أحوالنا وأعمالنا وقلوبنا ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً
وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير
الفاتحين، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء يا سميع الدعاء، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا
وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم
بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم إنا نسألك رحمة تُصلح بها قلوبنا وتُفرّج بها كُروبنا وتُيسّر
بها أُمورنا وتَشفي بها مرضانا، وتَرحم بها موتانا يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم
واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن ختام شهر رمضان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=167
|