لِلْتَّقْوَىْ بِاَلْذَّاْتِ لَاْ لِلْتَّسْوِيْفِ
وَاَلْمُسَلْسَلَاْتِ
الْحَمْدُ للهِ ، وَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِطَاعَتِهِ
، فَوَجَدُوا سَعْيَهُمْ مَشْكُورًا ، وَحَقَّقَ آمَالَ الْآمِلِينَ بِرَحْمَتِهِ
، فَمَنَحَهُمْ عَطَاءً مَوْفُورًا ، يَبْسُطُ كَرَمَهُ عَلَى التَّائِبِينَ ، فَيُصْبِحُ
وِزْرُهُمْ مَغْفُورًا ، سُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ ؛ مَنْ قَصَدَ غَيْرَهُ ضَلَّ ،
وَمَنِ اعْتَزَّ بِغَيْرِهِ ذَلَّ ، ﴿وَلَوْ
يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ
دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ : ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ . وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، أَرْسَلَهُ لِلنَّاسِ
كَافَّةً : ﴿شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّاْ
بَعْدُ فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
اتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ ﴾ ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ : ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ : هُوَ أَنْ يُطَاعَ
فَلَا يُعْصَى ، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ ، فَمَنْ أَرَادَ
صَادِقًا جَادًّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ، فَلْيَفْعَلْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ : طَاعَةٌ . وَذِكْرٌ . وَشُكْرٌ . جَعَلَنِي
اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
اَلْإِنْسَانُ
فِي حَيَاتِهِ يَسْعَى لِتَحْقِيقِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ
يَكُونُ سَعْيُهُ عَلَى حَسَبِ هِمَّتِهِ وَهِوَايَتِهِ ، وَلَكِنْ أَهَمُّ شَيْءٍ
يَنْبَغِي ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ إِلَى تَحْقِيقِهِ فِي الْحَيَاةِ
، لِيَسْتَعِدَّ بِهِ لِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ ، هُوَ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
، وَلِهَذَا عِنْدَمَا نَتَأَمَّلُ فِي كِتَابِ اللهِ ، نَجِدُ أَنَّهُ ذَكَرَ التَّقْوَى
فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ
التَّقْوَى ؛ وَهِيَ وَاللهِ كَذَلِكَ . التَّقْوَى مُهِمَّةٌ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
- الْمَرْءُ بِدُونِ تَقْوَى ، لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَيْهِ بِالتَّقْوَى
؛ تُثْمِرُ حَيَاتُهُ ، وَتَحْصُلُ سَعَادَتُهُ ، بَلْ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ ،يَقُولُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ ، وَيَقُولُ
أَيْضًا : ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ بَلْ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- بِالتَّقْوَى يَكُونُ
دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى
رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ أَيْ
: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَحْنُ وَمَنْ قَبْلَنَا وَمَنْ بَعْدَنَا ، مَهْمَا كَانَ
، سَوْفَ يَرِدُ النَّارَ ؛﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ ، يَرِدُهَا بِمُرُورِهِ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَلَا
نَجَاةَ إِلَّا لِأَهْلِ التَّقْوَى : ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ
فِيهَا جِثِيّاً ﴾ ، اللَّهُمَّ
اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ النَّاجِينَ ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الظَّالِمِينَ
الْهَالِكِينَ .
فَالتَّقْوَى
؛هِيَ أَهَمُّ أَمْرٍ يَنْبَغِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِسَابَاتِهِ
، وَأَنْ يَجْعَلَهُ هَدَفًا يَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِهِ فِيْ حَيَاْتِهِ ؛ لِأَنَّ
التَّقْوَى - كَمَا سَمِعْتُمْ - هِيَ الْبَاقِيَةُ ، وَهِيَ النَّافِعَةُ ، وَهِيَ
الْمُنْجِيَةُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ :
قَدْ يَقُولُ
قَائِلٌ : وَلِمَاذَا الْحَدِيثُ عَنِ التَّقْوَى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَنَحْنُ
نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ ؟ أَقُولُ : لِذَا يَحْلُو الْحَدِيثُ عَنِ التَّقْوَى
، وَكَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ ﴾ شَهْرُ رَمَضَانَ ، هُوَ مَوْسِمُ التَّقْوَى ،
أَنْتَ يَا مَنِ اشْتَقْتَ أَنْ تَكُونَ فِي صُفُوفِ الْمُتَّقِينَ ، لِيَجْعَلَ
اللهُ لَكَ فُرْقَانًا ، وَيَجْعَلَ لَكَ مِنْ أَمْرِكَ يُسْرًا ، وَيَجْعَلَ لَكَ
مَخْرَجًا ، وَيُكَفِّرَ عَنْكَ سَيِّئَاتِكَ وَيُعْظِمَ لَكَ أَجْرًا ، هَاهُوَ شَهْرُ
التَّقْوَى بَيْنَ يَدَيْكَ ، هَاهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ الْوَسِيلَةُ الْمَضْمُونَةُ
، وَالسَّبَبُ الْأَكِيدُ لِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ﴾ تَأَمَّلْ ـ يَا رَعَاكَ اللهُ ـ هَذِهِ الْآيَةَ
؛ تَجِدْ أَنَّ الصِّيَامَ ، فَرَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِحِكَمٍ ، وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِأَشْيَاءَ ، مِنْ
أَهَمِّ هَذِهِ الْحِكَمِ وَتِلْكَ الْأَشْيَاءِ ، مَا ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
فِي الْآيَةِ : ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، فَالتَّقْوَى -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- هِيَ أَعْظَمُ
وَأَنْفَعُ نَتَائِجِ الصِّيَامِ ! يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ
؛ عِنْدَ آيَةِ الصِّيَامِ : فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى
؛ لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ .
أَخِي الْمُسْلِمُ
:
يُوجَدُ
بَعْضُ النَّاسِ ؛مَنْ يَجْعَلُ رَمَضَانَ مَوْسِمًا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَالتَّمَتُّعِ
بِمَا لَذَّ وَطَابَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَكْلِ ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مَوْسِمًا
لِلْمُتْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، حَيْثُ يَقْضِي سَاعَاتِهِ وَلَحَظَاتِهِ فِي مُتَابَعَةِ
الْمُسَلْسَلَاتِ وَالْأَفْلَامِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَجْعَلُ
الْإِنْسَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ التَّقْوَى .
نَعَمْ ـ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ يُوجَدُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ رَمَضَانُ وَيَخْرُجُ ، وَهُوَ
أَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ التَّقْوَى ، بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَاحْذَرْ
-أَخِي الْمُسْلِمُ- أَنْ تَكُونَ مِنْ هَؤُلَاْءِ ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : (( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ
وَالْعَطَشُ )) ، وَيَقُولُ
أَيْضًا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ : (( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ
للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) ، الصِّيَامُ إِذَا لَمْ يُثْمِرْ تَقْوَى اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَرِضَاهُ ، فَإِنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ غَيْرَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ
. لِذَا -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ كَيِّسًا فَطِنًا
، وَأَنْتُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ كَذَلِكَ ، وَقْفَةٌ مَعَ النَّفْسِ ، مُحَاسَبَةٌ
لَهَا ، تَخْطِيطٌ لِلْفَوْزِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّسْوِيفِ
وَالْإِهْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ ثَمِينٌ إِذَا فَاتَ فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ لَهُ
الْبَتَّةَ .
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
بَارَكَ اللهُ لِي
وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ
لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا
بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
بَعْضُ
النَّاسِ ، مُنْذُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ ، وَهُوَ كُلَّمَا قَدِمَ رَمَضَانُ ، أَزْمَعَ
فِي نَفْسِهِ تَوْبَةً ، إِنْ كَانَ مُدَخِّنًا ، إِنْ كَانَ مُتَوَرِّطًا بِمُخَدِّرَاتٍ
، إِنْ كَانَ مَشْغُوفًا بِمُنْكَرَاتٍ ، إِنْ كَانَ مَفْتُونًا بِقَنَوَاتٍ أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ ، تَجِدُهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ : إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ إِنْ شَاءَ
اللهُ أَتُوبُ ، فَيَأْتِي رَمَضَانُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتُبْ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِذَا
جَاءَتْ عَشْرُ الْمَغْفِرَةِ أَتُوبُ ، فَتَأْتِي وَتَنْتَهِي وَهُوَ لَمْ يَتُبْ
، ثُمَّ يَقُولُ : إِذَا جَاءَتْ عَشْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ أَتُوبُ ، فَتَأْتِي
وَتَنْتَهِي وَلَمْ يَتُبْ ، آخِرَ مَا هُنَالِكَ يُمَنِّيهِ الشَّيْطَانُ ، لِيَتَمَادَى
فِي ضَلَالِهِ وَانْحِرَافِهِ ، أَنْ يَتُوبَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَيَنْتَهِي
رَمَضَانُ وَهُوَ لَمْ يَتُبْ .
فَهَذِهِ
الظَّاهِرَةُ السَّيِّئَةُ الْخَطِيرَةُ ، لَا نُرِيدُهَا أَنْ تَتَكَرَّرَ فِي هَذَا
الْعَامِ كَكُلِّ عَامٍ ، مِنَ الْآنَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ، مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ
، مِنْ هَذِهِ اللَّحْظَةِ ، نَجْعَلُهَا تَوْبَةً وَإِنَابَةً ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ
يَتَقَبَّلَنَا فِي صُفُوفِ التَّائِبِينَ .
احْرِصُوا
- رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَمَا يَكُونُ سَبَبًا
فِي رَفْعِ دَرَجَاتِكُمْ ، وَإِعْلَاءِ مَنَازِلِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . احْرِصُوا
- أَيُّهَا الإِخْوَةُ - عَلَى اسْتِقْبَالِ شَهْرِكُمْ بِمَا يَلِيقُ بِكُمْ وَبِدِينِكُمْ
، اجْعَلُوا رِضَا رَبِّكُمْ هَدَفًا أَوَّلًا لَكُمْ ، وَالْجَنَّةَ مَقْصِدًا فِي
أَوْلَوِيَّاتِ مَقَاصِدِكُمْ .
وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ بِأَنَّ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ
قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿ إِنَّ
اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
بِهَا عَشْرًا )) ، فَاللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ
وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ
وَكَرَمِكَ وَجُودِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ
الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا
هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ آمِنَّا
فِي أَوْطَانِنَا وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي
عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ
، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ ، اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ جَمْعَنَا
هَذَا إِلَّا بِذَنْبٍ مَغْفُورٍ ، وَبِعَمَلٍ مُتَقَبَّلٍ مَبْرُورٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ
.
﴿ رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
﴾ .
عِبَادَ
اللهِ :
﴿ إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ
يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ
أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب
السابقة في استقبال شهر رمضان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=164