الحرب
على الإسلام مع التنويه على استهداف أرامكو
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ المُسْتَقْبَلَ للإسلامِ وأهْلِهِ، فإِنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ
عِبادَه المُؤْمِنينَ بِذلكَ مَتَى ما قامُوا بِأسْبابِ النَّصرِ والتَمْكِين، وذلك بِتَحقِيقِ التوحيدِ والعَمَلِ بالكِتابِ والسُّنَّة، فَإنْ فَعِلُوا ذلك، وإلا ذَهَبَ اللهُ بِهِم وأَتَى بِمَن تَتَوفَّرُ فيهِم أسبابُ النصر، كما قال
تعالى: ( وَإِنْ تَتَوَلَّوا يَسْتَبْدِلْ قَومًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا
أَمْثَالَكُمْ ). ولَكن لابُدَّ أَنْ تَعْلَمُوا بِأَنَّه كُلَّما قَوِيَ الإقبالُ
على هذا الدِّين، زادَت عَداوَةُ الكُّفارِ ومَكائِدُهُم وَحَرْبُهُم على الإسلامِ
وأهلِه، كما قال تعالى: ( وَلا يَزَالُون يُقاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَنْ
دِينِكُم إنِ اسْتَطاعُوا ). وهذه العَداوَةُ مُتَنَوِّعَة، فتارةً تَكُونُ
فِكْرِيَّةً، هَدَفُها إِفسادُ عَقِيدَةِ المُسْلِمِ، وصَرْفُهُ عَن دِينِه، كما
قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ
وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ). وتارةً
تَكُونُ الحَرْبُ بِنَشْرِ الفَوضَى في بلادِ المسلمين، ونَشْرِ العَدَاواتِ، وتَغْذِيَةِ الأحزابِ والتَّنْظيماتِ ودَعْمِها داخِلَ بُلْدانِ المسلمين، أَو
تَعْبِئَةِ الشُّعُوبِ على قِياداتِها وحُكُّامِها. وتارَةً يَكُونُ الحَرْبُ
بالاعْتِداءِ العَسْكَرِيِّ، والتَّهْدِيدِ المُباشِرِ، أو ما يُدَمِّرُ اقتِصادَ
المسلمين ويَسْتَنْفِدُ ثَرَواتِهِم. والهَدَفُ مِن ذلك واحدٌ، وهو الحَرْبُ على
الاسلامِ والقضاءُ على أَهْلِهِ. وهذا وللهِ الحَمْدُ يَسْتَحِيلُ أَن يَتَحقَّقَ، لِأَنَّ اللهَ وَعَدَ بِظُهُورِ هذا الدِّينِ وأَهْلِهِ، وكَتَبَ أَنَّ الغَلَبَةَ
لِهذا الدِّينِ وأَهْلِهِ، ولَو كَرِهَ الكافِرون. فإيَّاكَ أيُّها المُؤْمِنُ
أَنْ تَضْعَفَ، ويَضْعَفَ يَقِينُكَ وتَيْأَسَ، عِنْدَما تَرَى الفِتَنَ
تَتَابَعُ، والأعداءَ يَكْثُرُون. فَإِنَّه ابْتِلاءٌ وامْتِحانٌ، أَوْ تَنْبِيهٌ
وعِتابٌ مِن اللهِ كَيْ تُصَحِّحَ الأُمَّةُ مِن حالِها وَواقِعِها. وإلا فَإِنَّ
المُسْتَقْبَلَ لِلإسلامِ وأَهْلِهِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَو بِذُلِّ ذَلِيل.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ: أنَّ
بِلادَكُم هي مَعْقِلُ الاسلامِ، وأَرْضُ الحَرَمَين، وقِبْلَةُ المسلمين، فَمِن
الطَّبِيعِي أَنْ تكونَ العَداوَةُ لها أَشَدَّ، والمَكائِدُ مِن قِبَلِ الأعداءِ
أَكثرَ، واسْتِهْدافُ عَقيدَتِها ومَكانَتِها وأَمْنِها مَقْصُودٌ، كما تَرَونَ
وتَسْمَعُون بين الفَيْنَةِ والأخْرى من التَّداعِي عَليها، والاعْتِداءِ
والتَّهْدِيداتِ، التي آخِرُها ما حَدَثَ من الاعْتِداءِ الآثِم على مُنْشَأَتَي
أرامْكُو. مِمَّا يَدُلُّ على أن هذه البلادَ حكومَةً وشعْبًا، مُسْتَهْدَفَةٌ في
عَقِيدَتِها قَبْلَ كُلِّ شيءٍ، ومسْتَهْدَفَةٌ في أَمْنِها وَمَكانَتِها
وسِيادَتِها، مِن قِبَلِ أَعْدائِها. فيَجِبُ عَلَينا في الفتنِ وحالِ الخَوْفِ، أولا: أَنْ نَكُونَ كالأُسْرَةِ الواحدة، والبيتِ الواحِد، تَظْهَرُ لُحْمَتُنا
وَوِحْدَتُنا وَقْتَ الشدائِدِ والمِحَن، مَعَ بَعْضِنا، ومَعَ علمائِنا، ومَعَ
وُلاتِنا. لا نَسْمَحُ لِأَحَدٍ كائِنًا مَن كان أَنْ يُفَرِّقَ كَلِمَتَنا أَوْ
يَمَسَّ دِينَنا وَأَمْنَنا. فإن الجماعةَ رحمة، والفُرقةَ عذاب، ويدُ الله مع
الجماعة. وبهذا يظهرُ طِيبُ النُفوسِ، وسلامةُ المَعْدَنِ. وبهذا نَغِيضُ الأعداءَ
والمُرْجِفِين والمُتَرَبِّصِين. بِخِلافِ أَهْلِ النفاقِ والفُجُورِ والنُّفُوسِ
الخبيثةِ، فَإِنَّهم يَسْتَغِلُّونَ الفِتَنَ والمَخاوِفَ بِزيادةِ الإرجافِ
والتَّعَدِّي على دماءِ المسلمينَ وأعراضِهِم وأموالِهِم.
ثانياً: لابُدَّ أَنْ نَتَذَكَّرَ دائِماً، بِأَنَّ ما يَجْرِي مِن فِتَنٍ ومَخاوُفَ، يُذَكِّرُنا بِأَهَمِّيَّةِ الأَمْنِ
وقِيمَتِه، مِمَّا يَجْعَلُ المسلمين يَسْتَيقِظُون مِن الغَفْلَةِ عن ذلك، ويَبْذُلُون الأسبابَ التي يَتَحَقَّقُ بِها الأمْنُ والاسْتِقْرارُ، والتي
أَهَمُّها تَحْقِيقُ التوحيدِ، والعَمَلُ بالإسلامِ، والبُعْدُ عَن الشركِ
والبِدَعِ والمعاصِي، ويَبْتَعِدُون عَن كُلِّ ما يُثِيرُ الفَوْضَى والعَدَاواتِ
ويُسَبِّبُ الفُرقَةَ والاختِلاف. لأن اللهَ تعالى قال في كِتابِه: ( ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
ثالثاً: أَنْ نَحْرِصَ على الدعاءِ، ونُكْثِرَ مِنه، بِأنْ يَحفَظَ اللهُ بِلادَنا وسائِرَ بِلادِ المسلمين، وأَنْ
يُدِيمَ عَلَيْنا نِعْمَةَ الأمنِ، وأَنْ يَجْمَعَ كَلِمَةَ المسلمين، وأَنْ يَنْصُرَ
دينَه ويُعْلِيَ كَلِمتَه. فإِنَّ الدعاءَ مِن أَعْظَمِ الأسلِحةِ التي
يُسْتَجْلَبُ بِها النصرُ، ويُدْحَرُ بِها الأعداءُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ الله: يَجِبُ على المسلمين عُمُوماً
حُكَّامًا ومَحْكُومين، أَنْ يُوقِنُوا بِأَنَّهم إذا تَمِسَّكُوا بِكتابِ اللهِ
وسُنَّةِ رسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وجَعَلُوا الإسلامَ والشَّريعَةَ مَصْدَرَ
عِزَّتِهِم. فَإِنَّ أَذَى الكُفَّارِ لَهُم لَن يَتَجاوَزَ مُجَرَدَ الأذَى
اليَسِيرَ الذي لا يُشَكِّلُ خَطَراً يُذْكَر، قال تعالى: ( لَن يَضُرُّوكُمْ
إِلَّا أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ
يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ )، وهذا وَعْدٌ صادِقٌ، لِأَنَّه
مِن عِنْدِ اللهِ، وبُشْرَى لِلمُؤْمِنين، ولكن إذا تَحَقَّقَ الشَّرطُ
المَذْكُورُ، وأَمَّا إذا تَخَلَّفَ الشَّرْطُ فَلا نَلُومَنَّ إلا أَنْفُسَنا.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه
وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك
واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب
والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام
ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ
بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم انصرها على من
يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها
وسيادتها واقتصادها، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |