خطبة عيد الفطر 1440هـ
يوم الطيبين
الخطبة الأولى
الحمد لله فاطر الأرض والسموات، خلق الإنسان، ورزقه وأحل له
الطيبات، وسخر له المخلوقات، جل ربنا وتعالى بالقدر والذات، والأسماء والصفات، أشهد
أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له التحيات المباركات، والصلوات والطيبات، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، هدانا الله به لطيب الأقوال
والأعمال والاعتقادات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أطيب
السلام وأزكى الصلوات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله
بكرة وأصيلاً.
الله أكبر ملء الأرضين والسموات، الله أكبر زنة العرش ومداد
الكلمات، الله أكبر عدد أفراد المخلوقات، الله أكبر أكمل التكبيرات.
والحمد لله مثلُ ذلك، وسبحان الله مثلُ ذلك، ولا إله إلا الله مثلُ
ذلك.
اللهم لك الحمد حمدا كثيراً طيباً، ما بنا من نعمة أو بأحد من خلقك
فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر، اللهم لك الحمد على الإسلام والإيمان،
اللهم لك الحمد على الصلاة والصيام والقرآن، اللهم لك الحمد على التمام والختام،
اللهم لك الحمد على بلوغ عيد الفطر من رمضان، اللهم لك الحمد على الأمن والاطمئنان
في أطيب البلدان، وعلى رغد العيش وصحة الأبدان، اللهم لك الحمد على أن هديتنا لخير
الأديان، اللهم ثبتنا عليه حتى نلقاك يا رحمن.
أما
بعد:
أيها
المؤمنون: طاب عيدكم، وعاد عليكم بالمسرات والبركات، يوم عيد طيب، شرع الله لكم في
نهاره أكل الطيبات، فكلوا من طيبات ما رزقكم الله، ((كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ
وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)).
يومكم
هذا هو يوم الطيبين، الذين طابت أنفاسهم ونفوسهم وجوارحهم في مدرسة الصيام والقيام
والقرآن، فخلوفُ أفواهِ الصائمين «أطيبَ عند الله من رائحة المسك)، فـ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ
الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا
طَيِّبٌ).
أيها
المسلمون: (الطَّـيِّب) من
أسماء ربنا تبارك وتعالى الحسنى، فلله الطِّيبُ المطلق سبحانه.
والطَّيِّبُ
هو القدوسُ، الْمُنَزَّهُ عَنِ العيب والنقص، المطهرُ عن السوء والشر؛ أَسْمَاؤُهُ
أَطْيَبُ الْأَسْمَاءِ، وصِفَاتُهُ أَطْيَبُ الصِّفَاتِ، وذاته أطيب الذوات، وَأَقْوَاله
وَأَفْعَاله أطيب الأقوال والأفعال، له الطيبات ومنه الطيبات، فَمَا طَابَ شَيْءٌ
قَطُّ إِلَّا بِطِيبَتِهِ سُبْحَانَهُ، فَطِيْبُ كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنْ آثَارِ
طِيبَتِهِ.
لَا
يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا الطَيِّبٌ، وَلَا يصعد إليه إِلَّا الطَيِّبُ؛ ولا يقبل
إلا طيباً، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ، لَا
يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، ولذا شُرِعَ لنا أن نُعَظِّم ربَّنا
في تَشَهُّدِ كُلِّ صلاة بـ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فالطيبات كلها لله.
ونبينا
محمد صلى الله عليه وسلم إمام الطيبين وقدوتهم الحسنة، أطيبُ الناس أخلاقاً وعشرة،
وعقيدةً وعبادة، ولا يطيب دين المرء إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، ولا تتعطر
المجالس إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما
دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا
وَمَيِّتًا» البخاري.
أبشروا
أيها المؤمنون بمحمد رسولا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « طُوبَى
لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي ، وطُوبَى ، ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي
وَلَمْ يَرَنِي » «طوبى له سبع مرات» «طوبى لهم وحسن مآب» صحيح .
أيها
المسلمون: دينكم أطيب الأديان، وعقيدة التوحيد والإيمان، أطيب العقائد، بِهَا تَطِيبُ
النُّفُوسُ، وَلَهَا يطْمَئِنُّ الْجنان، لأنها توافق فطرة الرحمن.
فأطيب
الناس هم أهل التوحيد، وأطيب الكلمات وأجملها وأنفعها ثمرة، كلمة التوحيد (لا إله
إلا الله)، ضرب الله لها المثلَ بالشجرة الطيبة الثابتة السامقة المثمرة بأطيب
الثمار فقال: ((ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))
لذا
لا يصدر من الموحد الحق إلا كل نافع وجميل.
أيها
الناس: أحكام الإسلام أطيب الأحكام وأحكمها وأصلحها وأسمحها وأيسرها، لا آصار ولا
أغلال ولا حرج ولا مشقة ولا تعسير، ولا مؤاخذة على الخطأ والنسيان والإكراه، ولقد
نافق وضل السبيل من تعلمن وتربل ووصف الشريعة بالرجعية أو بأنها قيود مانعة من
الرقي والمدنية ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ
أَعْمَالَهُمْ))، ويدَّعون أنهم
تنويريين، ويزعمون أنهم مصلحون، وهم والمفسدون ولكن لا يشعرون، فالله الحكيم
العليم قد أنزل الشريعة رحمة وإصلاحاً للعالمين
عباد
الله: إن أردتم الحياة الطيبة فاثبتوا على الإيمان والعمل الصالح: ((مَنْ عَمِلَ
صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً
طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))
ــ
اطلبوا طِيب النفس بأسبابها، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحابه طَيِّبَ
النفس فقال: «طِيِبُ النفسِ من النِّعم) رواه البخاري في الأدب المفرد، وفي رواية: (من
النعيم)
ــ
واعلموا رحمكم الله أن من أعظم أسباب طيب النفوس: أداء فريضة الله الأولى (صلاة
الفجر) في وقتها وشهودها في المساجد، فمن قام لصلاة الصبح: (أصبح نشيطا طيب النفس)
وأصبح يمشي في ذمة الله، ومن لم يصلها «أصبح خبيث النفس كسلان) خارجاً عن ذمة
الرحمن، كما ورد في الحديث.
كثير
من الناس مصاب في دينه بالتخلف عن صلاة الفجر، وهو والله مُصَابٌ جَلَلٌ أعظمُ من
مصائب الدنيا، ولكن أكثر الناس لا يفقهون.
والصلوات
الخمس نورٌ ونجاةٌ، ومَنْقَاةٌ تُطَيِّبُ الروحَ والبدنَ فلا تُبْقِي من وسخ ذنوبهما
شيء، ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)).
ــ
و «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ
طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا» حسن
عباد
الله: أحل الله لكم الطيبات وحرم عليكم الخبائث، والله ثم والله إن في الطيبات لغنية
وكفاية، أمركم الله بالأكل منها والاكتفاء بها: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا
مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ)) ((قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ))
الطيبون
يكتفون بالطيبات ويشكرون، ويجتنبون الخبائث المحرمات، كالخمر والمخدرات، والسجائر والسموم
والخنزير والنجاسات.
وكذلك
أحل الله الطيبات من المكاسب، وحرم الخبائث، فـ ((أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا)) وحرم الغش والسرقة والرشوة والاحتيال وجحد الحقوق وأكل أموال الناس
بالباطل وغيرها من المكاسب المحرمة.
فطيبوا مطاعمكم ومكاسبكم فقد قَالَ نبيكم صلى
الله عليه وسلم: « إِنَّ
أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا
يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
عباد
الله: ((أنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) فـ «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ
تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يقبل الله إلا الطيب فَإِنَّ اللهَ
يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ؛ حَتَّى تَكُونَ كَالْجَبَلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ.
أيها
الناس: طـيّبوا كلامكم، فطِيب الكلام، يُدْخِل الجنة بسلام، ويُحِلُّ رضوان العظيم، والكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ الواحدة تقي النار، قال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» متفق عليه،
«والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَة» وجالسوا الصالحين الذين يتخيرون أطايب الكلام،
فالجليس الصالح كحامل المسك إما أن يطيبك أو تشتري منه أو تجد منه ريحا طيباً.
واعلموا
أطيب الكلام كلام الله (القرآن)، وبعده قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر فإنهن غراس قيعان الجنان.
ــ
تحية الإسلام مباركة طيبة، قال الله: ((فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً
مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)) فأفشوا السلام فالسلام حسنات وسنة،
وهو سبب للمحبة، ثم دخول الجنة، فأبخل الناس من بخل بالسلام، ولكثرة بركات السلام
حسدتنا اليهود عليه، فلا تستبدلوه بغيره مما هو أدنى.
أيها
المسلمون: قال الله تعالى: ((مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ))، يبتلي الله الناس
في دينهم، لتظهر حقيقتهم وحقائقهم، وليتميز طيبُهم عن خبيثِهم، وليعلمَ اللهُ من
يخافه بالغيب، و((لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن
بَيِّنَةٍ))، فلا تقودنكم كثرة الفتن والشرور عباد الله إلى التساهل بالحرام،
فالحرام يبقى حراماً حتى لو كثر ((قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ))، الغناء حرام ومن خبائث الأصوات، ويبقى
حراما ولو كثر وانتشر وأفتى من أفتى بحله، وتبرج النساء واختلاطهن بالرجال بلا أدب
ولا حياء حرام ويبقى حراما.
الرشوة
حرام وإن تمهَّد طريقها وأكلها الكثيرون، والصور والمشاهد الفاضحة محرمة وإن
نالتها الأيدي والأبصار، بمجرد لمس الأزرار، والكل ابتلاء واختبار، فالنجاة النجاة
يا أولي الأبصار.
ولم
يُجْبِرِ الناسَ أحدٌ على الحرام، فلا اعتذار بوجود المنكر وكثرته، فالواجب على
المكلف التعبدُ لربه بترك الحرام كما يتعبد له بأداء الفرائض، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ» حديث حسن رواه أحمد
والترمذي.
وقال
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وغير واحد من السلف: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ
أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ» رواه ابن أبي شيبة.
وشهر
رمضان فريضةُ رحمةٍ من الرحمن، فهو تربية ربانية، وتدريب ومدرسة، للامتناع عن
الحرام، شهر كامل والمؤمنون يمتنعون عن الشهوات المباحة في النهار عبوديةً لله
بالصيام، ليثمر لهم قوة النفوس على الصبر عن الحرام، وهي حقيقة التقوى حكمةِ
الصيام: ((لعلكم تتقون))
فعليكم
أيها الطيبون بإصلاح أنفسكم وأهليكم، والإمساك بزمام الأنفس عما لا يحل، وسيأتي
على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر، للصابر أجر خمسين، والقاعدة
الربانية تقول: ((مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)).
«وَطُوبَى
لِلْغُرَبَاءِ، نَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ»
عباد
الله: عندما يظهر من شخص حبابة وبساطة، وطيبة وصدق نية، وحسن ظن وغفلة، يقول له
جلساؤه: (الظاهر أنك تعيش زمن الطيبين).
يا
كرام: إن كان زمن الطيبين يرمز إلى هذه الخصال النبيلة، فالعودة العودة لزمن
الطيبين.
كان
الطيبون يتنافسون على الطِّيبة في جيرتهم ومع قرابتهم وفي مجتمعهم، حتى برزت فيهم
أجمل معاني الجيرة الحسنة، ولم يكن تنافسهم على حطام الدنيا الذي ابتلينا به فأشاع
فينا التهاجر والتباغض والخصومات.
كانوا
يكرمون الضيف بالجود بالموجود، ويقفون مع المحتاج رغم ضيق حال الجميع، ويعرفُ كلٌ
من الرجال والنساء واجباتِهِم ويؤدون دورهم في الحياة، وفق القسمة الفطرية
الربانية، وتعرف النساءُ للرجال مكانتهم وقوامتهم.
فلماذا
لا نسير بسيرة آبائنا الطيبين، ونقتدي بجميل صفاتِهِم.
تجد
من الناس في زماننا من يفتخر بأنه من القبيلة الفلانية أو العائلة الفلانية التي
تذكر بالطيب والذكر الحسن، ولكن إذا رأيت فعاله واطلعت على حاله وجدته ظـلَّاماً
للعباد أكَّـالاً للحقوق، أو تَجِدَهُ متعالٍ مغرور، من لسانه ويده تصدر الشرور،
وليس له حظ من الطيب إلا الادعاء، أو الفخر بالآباء.
فيا
كرام يا طيبون: «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» هكذا
قال الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.
عباد
الله: وطنكم أطيب الأوطان، فيه مكةُ المكرمة أحبُ البقاع إلى الله، وطيبةُ الطيبة
مدينةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «أمره الله أن يسميها طيبة».
بلادُكم
منعُ الإسلام، وقبلةُ المسلمين، ومرتكز ورمز قوة المسلمين في هذا الزمان، فيجب أن
يسعى أهل الإسلام، لأن يبقى هذا الوطن أقوى حصون الإسلام.
ولا
يَسُرُ الأعداءَ من اليهود والنصارى والرافضة وغيرِهم ما أنتم فيه من نعيم، وعز
وتمكين، فلا عجب أن يمكروا بالليل والنهار لإضعاف ببلادكم وولاتكم، وإعاقة رفعته
وصعوده، وزعزعة صموده متمسكاً بالإسلام السني الحق.
((مَّا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن
يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ
مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ))
فكونوا
جنوداً لدينكم ووطنكم في مواجهة صنوف الحروب عليه، وإياكم وترويج التشويه والتشكيك
بوطنكم وبولاته، فولاتكم يقودون البلاد في مرحلة حرجة عصيبة، لا بد فيها من تكاتف
الراعي والرعية.
وأبشروا
يا جنودنا ورجال أمننا، يا عساكر الإسلام، أبشروا فأنتم في جهاد ورباط عظيم وأنتم تخوضون
المعركة في الداخل مع الخوارج المارقين وتدافعون فتنتهم، فاسمعوا لقول نبيكم
الكريم صلى الله عليه وسلم فيهم: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلاَفٌ وَفِرقَةٌ،
قَوْمٌ يُحْسِنُونَ القيل ويسيئون الفعل، يقرءون الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ
تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مروق السهم من الرمية، هُمْ شِرَارُ
الخَلْقِ والخليقة، طوبى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ
الله وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بَالله
مِنْهُمْ».
فاللهم احفظنا بالإسلام قائمين قاعدين راقدين، واكفنا وبلادنا
والمسلمين مكر الماكرين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما
فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
من كل ذنب إن ربي هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَبِهِ نَسْتَعِيْنُ عَلَى أُمُوْرِ
الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ إِلَهُ
الأَوْلِينَ والآخِرين، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ أَشْرَفُ الأَنْبِيَاءِ
وَالْمُرْسَلِيْنَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَالتَّابِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلىَ يَوْمِ الدِّيْنِ أَمّا بَعْد:
أيها
الناس: الطيّبات من الأقوال والأعمال والأخلاق، للطيبين من الرجال والنساء، فطيّـبوها
تطيبون.
ويا
نساءُ المسلمين: الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، ومن وراء كل رجل طيب امرأة
طيبة، فأعن أزواجكن على الطيب، يقول رب العالمين: ((الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)).
الطيّبة
من النساء مَنْ طابت خصالها، الطيّبة من النساء قَلْبُها طَيِّبٌ وَلِسَانُها طَيِّبٌ، وَجَوَارِحُها طَيِّبةٌ، خُلُقُها الستر والحياء والعفاف وأداء حق الوالدين والزوج.
أيها
المسلمون: مَن عاش طيباً مات طيباً، فإذا حضرته الوفاة أتاه ملك الموت فجلس عند
رأسه فقال: «أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ،
اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرةٍ مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ) [صحيح
رَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو داود] فتخرج روحه
بسهولة وتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء لا يردها شيء، وتلقي عليها الملائكة
السلام: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ
عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))
(ويَخْرُجُ
مِنْهَا كأطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأَرْضِ فيُصْعَدُ بهَا
فَلَا تَمُر على مَلإٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلاَّ قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟
فيَقولونَ: فلانُ بْنُ فلانٍ بأحْسَنِ أسْمائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ
بهَا فِي الدُّنْيا)
ــ
دار الطيبين طوبى (جنة النعيم) التي طاب منها كل شيء، التي وعد الله المؤمنين فيها
بـ ((مَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ))
ــ
ستقول خزنة الجنة لأَهْل الْجَنَّةِ عند يقبلون على أبوابها: ((سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) فعيشوا طيبين لتكونوا ممن يسمع هذا الترحيب
الملائكة المكرمين.
اللهم أحينا طيبين وأمتنا طيبين واحشرنا في زمرة الطيبين فإنا نحبك
ونحب الطيبين.
اللهم يَا جواد يا طَيِّبُ، طيب أقوالنا وأعمالنا وأحوالنا وذكرنا.
اللهم يَا واسع المغفرة، يَا باسط اليدين بالرحمة ارحمنا واغْفِرْ
لَنَا أجمعين.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وسائر الطاعات إنك أنت السميع
العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واعف عنا الزلل والغفلة والتقصير فإنك
عفو تحب العفو يا كريم
وأدخلنا في عبادك الصالحين المهتدين المرحومين المقبولين المُعـتَقين
من الجحيم.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره وظاهره
وباطنه، ونسألك الدرجات العلا من الجنة.
اللهُمَّ أَصْلِحْ أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقن
دماء المسلمين يا نصير المستضعفين.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين عونا ونصيرا وظهيرا، وفرج عنهم
اللهم انتقم للمسلمين ممن سفك دماءهم واستحل حرماتهم، من اليهود والنصارى
والوثننيين والخوارج المارقين، والرافضة المعتدين الطاغين الباغين .
اللهم انصر عساكر السنة على الرافضة الحوثيين، واكسر شوكتهم أذناب الصفويين،
اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، وأخرجهم من اليمن أذلة صاغرين .
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ
البِدْعَةِ في كل بلدان الإسلام يا رحمن
الَّلهُمَّ اِحْمِ بلدك الطيب وَسَائِرَ بلدان المسلمين مِن خبائث
الفِتَنِ وَالمِحَنِ والشرور يا عزيز يا غفور.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،
وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا
لِأْوْلِيَائِكَ، رحمة على عبادك المؤمنين، وارزقه البطانة الطيبة الصالحة التي
تعينه على الخير.
اللهم وفقه وولي عهده لهداك واجعل عملهما في رضاك، وسددهما إلى ما
فيه صلاح البلاد والعباد وعز الإسلام والمسلمين.
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت
أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء
يا رب العالمين .
(رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا
إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا
وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ
وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ
عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ).
وللمزيد من الخطب السابقة لخطبة عيد الفطر تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=127 |