خطبة عيد الفطر 1439هـ
يوم الزينة والجمال
الحمد لله المتفرِّد بالكمال والجلال ، والعظمة والجمال، عالمِ الغَيْبِ والشهادة الكبيرِ المتعال، أحمده سبحانه وأشكره على
سابغ النِّعَم وجزيل النوال .
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، سجَدَ له مَن في السموات
والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوِّ والآصال .
وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، أحسن الناس
خلقاً وأجملهم بالخصال، صلَّى الله عليه وعلى صحبه وأزواجه وذريته وعلى كل الآل،
وسلَّم تسليمًا .
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر,
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
اللهم ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، على ما أنعمت
به علينا من نعمك العظيمة المتتابعة، اللهم لك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن
ولك الحمد على الأمن والأمان، اللهم لك الحمد على الصلاة والصيام وعلى التمام
والختام .
أما بعد ،،، فاتقوا الله أيها الناس، فالتقوى خير لباس ، والمتقون
هم أجمل الناس، ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ
ذَٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ .
أيها
الناس :
عيدكم
هذا يوم جميل من زينة أيام العام، هو يوم جمال وزينة لكم يا أهل الإيمان، جَمُلت فيه
أرواحكم بروحانية طاعات رمضان، والجمال جمال الروح، وتجملت نفوسكم بما تَحَقَّقَ
لكم من التقوى، والتقوى أجمل ما تزين به الناس، وها أنتم تُزينون ظواهركم بجميل لباسكم،
مقتدين بسنة نبيكم، معظمين شِرْعَةَ ربكم، فاجتمع لكم اللباسان والجمالان
والزينتان: جمال الظواهر وزينتها وجمال البواطن وزينتها: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي
سَوْآَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾
ومشهد
جمالي آخر في عيدكم، هو اجتماعكم السنوي العظيم هذا على الشكر والذكر والتعظيم
والدعاء والصلاة لله سبحانه، فلا يخطر ببالكم ما فيه من الخيرات والبركات لكم،
فاسألوا الله من فضله .
ومظهر
جمالي رابع رائع هو تواصلكم في عيدكم وتزاوركم وتآخيكم وظهور تحابكم وترابطكم
وإفشاؤكم للسلام بينكم، فاثبتوا عليها .
عباد
الله: قالَ نبيكم صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ
جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) رواه مسلم
الله أكبر كبيراً ... والحمد لله كثيراً ... وسبحان الله بكرةً
وأصيلاً ...
(( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ )) ربكم جل جلاله جميل، صفة
جلال تبعثكم على حبه غاية الحب، ربكم جميل في ذاته لا ذات أجمل من ذات سبحانه ،
وجميل في أسمائه بلغت الغاية في الحسن والجمال ، وجميل في صفاته له صفات الكمال
والجلال والجمال ، وجميل في أفعاله لا يصدر منه إلا الجميل الدائر بين الفضل
والإحسان والعدل بحكمة بالغة .
بلغ
سبحانه من الجمال غايةً لا تدركها عقولنا ولا تبلغها تصوراتنا، حتى إن أهل الجنة
رغم ما يعيشون فيه من الجمال مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
إذا كشف الله الحجاب بينهم وبينه فرأوا وجهه الكريم سبحانه، نسو كل جمال ونعيم ولذة
مع جمال وجه الله ولذة النظر إليه، فسبحان ربنا وتعالى وتقدس وجهه أجمل الوجوه وأكرمها
.
فاعرفوا
ربكم بصفات الجلال والجمال، فإن مَن عرفه بها، ازداد إيمانه به ومحبته له ، واشتياقه
للقائه، وسأله التلذُّذ بالنظر إليه؛ كما كان أعرَفُ الخلق بالله عليه الصلاة
والسلام يدعو: (( وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى
وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ )) ، وهذا يثمر له
التلذذ بعبوديَّته لله ويعيش نعيم حلاوتها قبل نعيم الجنة .
((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) ربكم
الجميل سبحانه يحب الجمال ، ما أجلها من صفة، (( يُحِبُّ
الْجَمَالَ )) لذا خلق الله الجمال، فما من جمال إلا هو صنعته سبحانه،
فالجمال منه وإليه، فانظر إلى بديع صنع الله في سمائه وفي أرضه وفي بحره وما حوته
ترى من جمال الخلق ما يسلب لبَّك ، ويأخذ قلبك ويأسر فؤادك، ويعرفك بجمال الخالق سبحانه
وعظمته وبديع صنعه، وأنه لا إله إلا هو سبحانه ﴿ صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ، ﴿ فَتَبَارَكَ
اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد .
أيها
المسلمون : دينكم كلُّه بعقيدته وشريعته، دين الجمال والزينة، ولقد امتن الله
علينا وعلى المؤمنين بتجميله في قلوبنا ﴿ وَلَكِنَّ
اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ .
فعقيدة
الإسلام أجمل العقائد وأحسنها ، لا أحد أحسن ولا أزين ولا أجمل اعتقاداً من أهل الإيمان
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾.
فالإيمان
بالله وهو التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر زينة العقائد ، لذا
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ
زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» فالإيمان
زينة، فاللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وثبتنا عليه حتى نلقاك .
ولكن
يا عباد الله: شياطين الإنس والجن زينت للناس الشرك والعقائد الباطلة وأغرتهم بها
وجعلتها في صورة عقائد صحيحة بالمزخرف والمُنَمَّق من القول فغرَّت الناس، كما قال
تعالى : ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ
إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ ولقد قال الله تعالى على لسان
جميل الطير، داعيةِ التوحيد، هدهدَ سليمان عن أهل سبأ وملكتهم: ﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا
يَهْتَدُونَ ﴾ فلنتعلم من الهدهد جمال الغيرة على حرمات الله العظمى في
أنفسنا وفي غيرنا .
احذروا
عباد الله من تزيين الشياطين للشرك والعقائد الباطلة، الذي أصبح يعرض - أعني
التزيين - أصبح يعرض عبر الشاشات ويبث في المقاطع والمرئيات، فاحفظوا إيمانكم فلا
تؤمن الفتنة على أحد حيِّ، ويشتد الخوف والخطر في زماننا لكثرة الفتن، فهذه موجة
علمنة ولبرلة تصف، وأخرى موجة إلحاد وردة تقصف، وثالثة دعوة لتبديل حكم الله باسم
الديمقراطية وحرية الشعوب تزين وتنمق، ورابعة تبرير لظواهر الشرك وعقائد الكفر، وخامسة
وسادسة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ((كُلِّ
مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ))، وخاف على الأمة منه أشد الخوف .
أيها
المسلمون : وإن أقبح العقائد وأبشعها عقيدة الشرك بالله والكفر به، فإنها تشوه
جمال الحياة ونقاء فطرة البشر، لأنها مناقضة للغاية التي من أجلها خلق الله
البشرية لذا يقول رب البرية: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ
فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر ولله الحمد .
أيها
الناس: أجمل ما تزينت به جوارح الإنسان، عبادة الرحمن، وكل عمل يحبه ويرضاه ذو
الجلال والإكرام من الصالحات الزاكيات، وأعظم ذلك جمالًا وحُسنا: المحافظة على مباني
الإسلام وفرائضه العظام .
** فالصلاة
جمال ومناجاة للملك الأعظم وصلة مع الرب الأكرم ونقاء من ذنوب اللمم، المصلون ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾،
ومَثَلُ الصلاة في تنقيتها لروح المصلي من الأوساخ كمثل امرئ يغتسل في اليوم خمس
مرات ، فأي نقاء ورونق يحصل لهذا ، وليجتمع للعبد الزينتان زينة ظاهره وزينة باطنه،
شرع الله الزينة الظاهرة للصلاة، ففرض الطهارة بالوضوء، وفرض تطهير الثياب والبدن
وموضع الصلاة، وأمر تعالى بأخذ الزينة عندها ﴿ يَا بَنِي
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾، وأمر بزينة السكينة
والوقار عند المشي لها، فما أقبح أجساداً
لا تنحني راكعة لله، وما أبشع وجوهاً لا تسجد لله .
**
والجمعة عباد الله يوم زينة وجمال واجتماع أسبوعي على مدار العام، تجتمع فيه جموع
المسلمين على ذكر الله وعلى الصلاة، جعله الله للمسلمين زينة الأيام ووهبهم فيه
فضائل وخيرات وأضل عنه اليهود والنصارى، فالحمد لله رب العالمين .
** وصيام
رمضان جمال للروح تسيح فيه سياحة القلوب شهرا كاملاً في روحانية لا نظير لها، وهو
طهرة ونقاء من الذنوب، يكمل هذا الطهر والنقاء بزكاة الفطر كما قال سيد البشر علي
الصلاة والسلام.
** وزكاة
المال جمال وزكاء ونماء وتكافل ومشاعر، فقبيح ذلك المال الذي بقي فيه حق الفقراء
لم يخرج، منزوعة بركته قليل نفعه، وصاحبه متدنس بالبخل والشح بالفرض القليل .
وهكذا
بقية فرائض الله كلها جمال في جمال، فكرامة الإنسان عبادته للرحمن، فما أقبح
الإنسان بلا صلاة ولا زكاة ولا صيام، فهو أقبح من الحيوان ﴿ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾،
وشبههم الله بالحمير والكلاب أجلكم الله .
الله أكبر .. الله أكبر ..
الله أكبر كبيراً ..
**
بر الوالدين جمال ووفاء ورد للجميل بالإحسان، فبر الوالدين في الإسلام أحب الأعمال
إلى الله بعد الصلاة .
**
وصلة الأرحام قيمة رفيعة من جماليات العلاقات الإنسانية التي أخذت مكانة عظمى في
ملة الإسلام (( فـالرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ،
تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ))
.
**
وحسن الجوار من محاسن الخصال وجميل الخلال في الإسلام حتى كاد الجار أن يورث، حسن
الجوار يسعد به الناس وتطمئن حياتهم المجتمعية .
فلا
يليق بأهل الإسلام أن يفرطوا بهذه الجماليات الرفيعة فقد أعزهم الله وأكرمهم
وجملهم بالإسلام بعد أن كانوا في ضلال مبين .
** ومن
جماليات شريعتنا الغراء تحريمها للفواحش ورذائل الأخلاق التي يتدنس بها المرء
ويتشوه بها جمال إنسانيته وفطرته، فحرمت الشريعة الزنا والربا وشرب الخمر والقتل
والسرقة والعقوق والقطيعة، وحرمت الخيانة والغدر والكذب والغيبة والنميمة وسائر
الفحش من القول
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله
أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد
أخلاق
الإسلام وآدابه أجمل الأخلاق والآداب ، فنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ما بعث
إلا ليتمم صالح الأخلاق ومكارمها، وقد تمثلها عليه الصلاة والسلام فكان أحسن الناس
خلقاً وأكرمهم خصالاً .
تأملوا
عباد الله في جماليات خلق الأمانة وخلق الوفاء والصدق والرحمة والعدل والإحسان
والإتقان والجود والكرم والتسامح والتغافل وغيرها من الأخلاق الفاضلة الرفيعة في
الإسلام، لتوقنوا أن دينكم دين الجمال، فلست بحاجة أن تبحث عن الجمال في غيره .
** الصبر
خلق جامع وهو نصف الإيمان، ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا
﴾ بلا ضجر ولا سخط ولا شكاية للخلق، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ﴾ .
** والعفو
والصفح من جميل أخلاق الكرام، وفي الكتاب ﴿ فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ صفحاً فيه
مقابلةٌ للإساءة بالإحسان والذنب بالغفران، صفح سالم من العتاب والأذية القولية
والفعلية .
**
وفي منتهى الخلافات الزوجية، عند الطلاق يقول الرب جل وعلا: ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾
بلا مخاصمة ولا مشاتمة ولا مضارة ولا بهتان وغيبة، وبهذا الخلق ينبغي أن تفض جميع الشراكات
عند الحاجة لذلك .
**
إماطة الأذى عن الطريق، وتحريم قضاء الحاجة في طرقات الناس وظلهم وأماكن انتفاعهم،
جماليات إسلامية يجب تظهر في سلوكياتنا وتكون ثقافة ورقياً بقيمنا، يظهر أثرها في
طرقاتنا ومتنزهاتنا، متعبدين بها لربنا ، لا منتظرين عقوبةً تسن على المخالفين حتى
نلتزم .
الله أكبر كبيراً ... والحمد لله كثيراً ... وسبحان الله بكرةً
وأصيلاً ...
خلق
الله الإنسان في أحسن تقويم، وصوَّرَه على صورتِهِ فأحسن صورتَهُ، وبث الجمال
وقسمه في ذريته، ثم فطر الإنسان على حب الجمال، وأخبر أنه سبحانه يحب الجمال، فشرع
طلب الجمال بالتجمل، وأباح الزينة فجعل الأصل حلها له فقال: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
﴾.
أبيحت
الزينة والجمال في اللباس فهي الريش المذكور في القرآن والمأمور به عند الصلاة،
ولما قال الرجل: أحب أن تكون نعلي حسنة وثوبي حسناً قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) .
وأبيحت
في المراكب والأنعام ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ ، وقال في بهيمة الأنعام: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
﴾ .
وفي
المال عموماً والبنين يقول تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ زينة بنفسها ويتزين بها، فقد قال صلى الله
عليه وسلم لمن رآه رث الثياب وهو غني: ((إذا أتاكَ
اللهُ مالاً فليُرَ أثرُ نعمةِ اللهِ عليكَ وكرامتهِ)) ولكن بالتزام الشرط الوارد في قول النبي صلى
الله عليه وسلم: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا،
فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ)) .
** ومن
الجمال والكمال للبدن في الإسلام، الأخذ بسنن الفطرة وأشباهها .
**
الختان جمال للخلقة وكمال للطهارة، وتقليم الأظفار نزاهة وجمال، ونتف الإبط جمال،
وحلق العانة جمال، وقص الشارب جمال، وإعفاء اللحية للرجال هو الجمال، والمضمضة
والاستنشاق والاستنجاء جمال، والاغتسال جمال، واستعمال السواك مطهرة وجمال ومرضاة لذي
الجلال، والعناية بالشعر سنة وجمال .
ومن
أخل بشيء من هذه الخصال فقد نقص من جماله بقدر ما أنقص منها .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ
اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وَأَشهَدُ
أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِه، وأَشهدُ أنَّ
نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلِّى اللهُ عليه
وعلى آلِه وَأصحابِه وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ تَسلِيماً كَثِيراً . أما بعد.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر,
الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً
يا
أيتها المسلمات يا نساء المسلمين : فطركن الله على حب التجمل وحب الزينة أكثر من
الرجال، وقد أباح الله لكن لبس الذهب والحرير من أجل ذلك، وأباح لكن من طرق التجمل
والتزين ما يغنيكن عن المحرمات، فلستن بحاجة للتزين بالنمص والوشم والفلج والوصل وغيرها
مما فيه تغيير لخلق الله، فلا تحققن ظن إبليس يوم أن قال أمام رب العالمين: ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾
فتخسرن خسراناً مبيناً .
يا
نساء المسلمين: جمال المرأة الحقيقي وكرامتها في حيائها وسترها وحشمتها وجلبابها،
والرجال بفطرتهم السوية يرون المرأة المتبرجة شوهاء جهلاء، قد أهانت كرامة نفسها
لما جعلت جسدها محلاً لزنا أعين الرجال ذوي القلوب المريضة، ((فالْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ))،
والشيطان يستشرف المرأة إذا خرجت ويغري بها الرجال فيزين منظرها ويجمله لهم ولو
كانت قبيحة، فلا تكوني يا أيتها المؤمنة جندية للشيطان وعوناً له على تأثيم الرجال
.
ليس
جمالك يا أيتها المؤمنة بإظهار الزينة التي لم يؤذن لك بإظهارها أمام الرجال
الأجنبيين عنك، ليس جمالك في إظهار عينيك وما حولهما مكحلتين، أو كشف ذراعيك
بأسورتها وزينتها من خلال عباءة ذات أكمام واسعة قصيرة، فهذه جاهلية، وفي الكتاب ﴿
وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ
﴾ .
لقد أمرك
الله أن لا تضربي برجلك الأرض حتى لا يسمع الرجال صوت الخلخال فيتخيلوا وينفتنوا،
فكيف بكشف الأساور والساعة على الذراع الناعمة، لا شك أنه أشد نهياً وحرمة .
احذري
أن تكوني من الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللاتي أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم أنهن من أهل النار، بل وأنهن لا يجدن ريح الجنة .
يوجهكن
ربكن فيقول: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ أي لا يجوز لهن أن يبدين إلا ما لا يمكن إخفاؤه كالعباءة والقوام، فالعباءة ستر
للباس الزينة فلا يجوز أن تزركش وتطرز وتخصر وتجعل محلاً للزينة .
وبالْمقابل
اعلمنَ رحمكن الله أن الرجال بفطرتهم السوية يحترمون المرأة المتسترة المحتشمة
ويغضون الطرف عنها توقيرا لها لأنها حفظت كرامة نفسها.
والرجال
بفطرتهم لا يحبون ولا يقدرون المرأة التي لا حياء لها عند مخالطة الرجال، ولا
يحبون أن تكون مثل هذه المرأة زوجة لهم .
أيتها
المؤمنة زينتك الكاملة غالية الثمن، لا تحل إلا لرجل واحد بعد أن يعقد لك أولياؤك
معه ميثاقاً غليظاً بشهادة الشهود، فلا تبذلي الثمين في غير محله فتكوني من حطب
جهنم .
يا
أيتها الزوجة، غضي طرف زوجك عن غيرك بحسن تجملك وتفنن زينتك أمامه، وتَجَدَّدِي
ولا تملي من ذلك فيحصل خلل في حياتكما لا تحمدين أنت عقباه .
أيها
الناس : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر بينكم ، فلا
تغرنكم الحياة الدنيا فما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، والله جل وعلا يحب
الزاهدين في الدنيا، المتقللين من زينتها وملذاتها، المقبلين على الآخرة، قال صلى
الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله))،
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الدنيا فتجافا عنها وزهد بها طالباً
الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: (( مَا أَنَا في الدُّنْيَا
إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ))، وفي
الكتاب الأدب الرباني: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى
مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ
فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.
أيها
المسلمون: شوّقكم ربكم إلى الجنة، بوصف صور عديدة من جمالها، ومن ذلك صفة زوجاتكم
فيها، فوصفهن بأنهن ﴿ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ
الْمَكْنُونِ ﴾ و ﴿ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ
﴾ ، وأنهن ﴿ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ .
وسيكون
أهل الجنة في نعيم وجمال متجددين لا ملل ولا سآمة، كما قال رَسُول اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي
وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ
إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ
أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا،
فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا
وَجَمَالًا )) رواه مسلم .
فاصبروا
عباد الله على الطاعة واصبروا عن المعصية حتى تلقوا هذا النعيم المقيم: ﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾.
اللهم ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت
التواب الرحيم ، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر طاعاتنا وثبتنا على فعل الصالحات
والصيام عن سائر المحرمات .
اللهم يا جميل جملنا بتقواك، واجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك .
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق
والعصيان واجعلنا من عبادك الراشدين .
اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واجمع كلمتهم على
الحق يا رب العالمين، وأصلح قادتهم واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين، وأصلح شأن
وأحوال أمة محمد في كل مكان . اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، اللهم فرج عن
شامنا المبارك ويمننا الميمون وعراقنا العريق، اللهم طهر المسجد الأقصى الذي باركت
حوله من رجس اليهود .
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم
وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله
في الشهداء يا رب العالمين .
اللهم انصر عساكر السنة على الرافضة الحوثيين، واكسر شوكتهم أذناب
الصفويين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، وأخرجهم من اليمن أذلة صاغرين .
اللهم انتقم للمسلمين ممن سفك دماءهم واستحل حرماتهم، من اليهود
والنصارى والوثننيين والخوارج المارقين، والرافضة المعتدين الطاغين الباغين .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات . اللهم اغفر للمسلمين الميتين وجازهم
بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً .
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب
العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة لخطبة عيد الفطر تجدها
هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=127
|