خطبة عيد الفطر 1442هـ
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا
إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها
المسلمون: اتقُوا الله وأطيعُوه، واشكُرُوه على نِعَمِهِ التي لا تُحْصَى، واعلمُوا أن التوفيقَ للإيمان وطاعَةِ الرحمن، أعظمُ نعمةٍ يُنْعِمُ الله بها على
عبدِه، والتي مِنْها: بُلُوغُ شهرِ رمضانَ وصيامِه وقيامِه، فاسْأَلُوا اللهَ
المَغْفِرَةَ والقَبُولَ، واحْرِصُوا على أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ رمضانَ أَفْضَلَ
مِمَّا كُنْتُم قَبْلَ رمضان.
أيها المسلمون: تَذَكَّرُوا الحِكْمَةَ التي
مِن أَجْلِها خُلِقْتُم، وإيَّاكُم أن تغيبَ عنكم، فإن ذلك مِنْ أعظمِ ما
يُزَهِّدُ في الدنيا ويُعَلِّقُ القلبَ بالآخِرَةِ، حِينَما يَعلَمُ العبدُ
يَقِيناً أنه ما خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّه إلا من أَجْلِ أَمْرٍ واحِدٍ فَقَط، أَلا وهو عِبادةُ اللهِ وَحْدَه لا شريكَ لَه، واتِّباعُ رسولِهِ صلى الله عليه
وسلم قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }.
فالواجبُ على الجِنِّ والإِنْسِ جَمِيعاً
إفرادُ اللهِ بالعبادةِ الظاهرةِ والباطِنَةِ، وتَرْكُ الشِّرْكِ بِجَميعِ أنواعِه
وَصُوَرِه، سَواءً كان دُعاءً أَوْ سُجُوداً أو رُكُوعاً أو ذَبْحاً أو طَوافاً أو
خَوْفاً أو رَجَاءً، أو غَيْرَ ذلك مِنْ أنواعِ العباداتِ. ولا فَرْقَ في كَوْنِها
تُصْرَفُ للأصنامِ، أو الملائكةِ أو الأنبياءِ أو الصالحين، أو الجِنِّ أو عِنْدَ
القُبُورِ. كُلُّ ذلك شِرْكٌ باللهِ، لا تَنْفَعُ مَعَهُ الحَسَنَاتُ مَهْمَا
كَثُرَت.
ثم اعلمُوا يا عبادَ الله: أَنَّ الصلاةَ
أَعْظَمُ أركانِ الإسلامِ بَعْدَ الشهادتين، وَيَجِبُ على الرجالِ أداؤُها مَعَ
الجماعةِ في المساجِدِ، لِأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بذلك، وأَكَّدَ
عَلَيه حتى كاد يُحَرِّقَ بُيُوتَ الذين لا يَشْهَدُونَ الصلاةَ، وَلَمْ يَأْذَنْ
لِلأَعْمَى أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الجماعةِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّه يَسْمَعُ
النِّداءِ. وقال ابنُ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه: "ولقد عَلِمتُنا وَمَا
يَتَخَلَّفُ عَنْها إلا مُنافِقٌ أو مَرِيضٌ ".
أَيُّها المسلمون: الأمْرُ بالمعروفِ
والنهيُ عن المُنْكَرِ، فَريضةٌ واجِبَةٌ، فَضَّل اللهُ هذه الأُمَّةَ على سائِرِ
الأُمَمِ بِسَبَبِه، وجَعَلَ أَهْلَهُ هُمْ أتْباعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
حَقَّا. فَهُوَ سَفِينَةُ النَّجاةِ وَمِنْ أعْظَمِ أسبابِ الأَمْنِ والتَّمْكِينِ
في الأرضِ بإذْنِ اللهِ، ولِذلك أَمَرَ اللهُ بِهِ على وَجْهِ الإِلْزامِ، وَحَذَّرَ مِن تَرْكِه، وبَيَّن أن تَرْكَه سَبَبٌ لِحُلُولِ العُقُوبةِ
واللَّعْنَةِ، وبَيَّنَ سُبحانَه أَنَّه إذا أَنْزَلَ عُقُوبَتَه على أُمَّةٍ
بِسَبَبِ المَعاصي فَإِنَّه يُنْجِي أَهْلَ النصيحةِ والدعوةِ، والنَّهْيِ عن
الفسادِ. فالواجِبُ عَلَيْنا أَنْ نَكُونَ صالِحِينَ في أَنْفُسِنا، مُصْلِحين
لِغَيْرِنا, مُتَعاوِنِينَ في ذلك, بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَةَ.
أيها المسلمون: لقد نَظَّمَ الإسلامُ
أَحْوالَ المُجْتَمَعِ وعالَجَها أحْسَنَ عِلاجٍ، حَيْثُ بَيَّنَ اللهُ سُبْحانَه
ما يَجِبُ عَلَى الحاكِمِ تِجاهَ مُجْتَمَعِه، وما يَجِبُ على المُجْتَمَعِ تِجاهَ
حاكِمِه، وما يَجِبُ عَلَى المُجْتَمَعِ فِيما بَيْنَهُم. فالحاكمُ يَجِبُ عليه
إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ تعالى، وإقامَةِ العَدْلِ، وإزالةِ الظُّلْمِ، وتَحْكِيمِ
الشريعةِ، وأَنْ يَكُونَ رَحِيمًا رَفِيقًا بِرَعِيَّتِه. وأمَّا ما يَجِبُ على
المسلمِ تِجاهَ حاكِمِهِ المسلمِ: فَقَدْ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ
)، وَأَمَرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بَطاعَةِ وَلِيِّ الأمْرِ في
المَنْشَطِ والمَكْرَه والعُسْرِ واليُسْر، وَأَمَرَ بالصبرِ عَلَى جَوْرِهِ ما
لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وَنَهَى الشارِعُ الحَكِيمُ عَنْ مُنابَذَةِ
ولِيِّ الأَمْرِ ونَزْعِ يَدِ الطاعةِ والخُرُوجِ عَلَيْه. وأمَّا بالنِّسْبَةِ
لِمَا يَجِبُ عَلَى المسلمِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ مُجْتَمَعِه: فَقَدْ جَعَلَ
اللهُ تعالى على المسلمِ حُقُوقاً تِجاهَ مُجْتَمَعِه الخاصِّ، وَحُقُوقًا بَيْنَ
أفرادِ المجتمعِ العامِّ وَمَا يَجِبُ أَنْ يَتَعامُلُوا بِه فِيما بَيْنَهُم، فَأَمَّا المُجْتَمَعُ الخاصُّ: فالمُرادُ بِهِ حَقُّ الوالِدَيْنِ، والأَقارِبِ، والزَّوْجَةِ والأوْلادِ.
وأَمَّا ما يَجِبُ على أفرادِ المُجْتَمَعِ
فِيما بَيْنَهُم: فالمُرادُ بِهِ إقامةُ العِدْلِ، والوفاءُ بالعُهُودِ، وتحريمُ
الغِّشِّ والخِيانَةِ، وإِكْرامُ الجارِ وتَحرِيمُ أَذِيَّتِه، وأَنْ يُحِبَّ
المؤمنُ لأخيه ما يُحِبُّ لِنَفْسِه، وتَحْرِيمُ السُّخْرِيَةِ والغِيبَةِ
والنميمةِ والكَذِبِ ما يُثيرُ العَداوَةَ والقَطِيعَةَ بين المسلمين.
أيُّها المسلمون: تَذَكَّرُوا أَنَّ اللهَ
أَعَزَّنَا بالإسلامِ، فَإِنْ ابْتَغَيْنا العِزَّةَ بِغَيْرِه أَذلَّنا الله، وتَذَكَّرُوا ما يَعِيشُه العالَمُ الإسْلامِيُّ اليَوْمَ مِنْ تَكالُبِ أعْدائِهِ
عَلَيْه سَوَاءً في الداخِلِ مِن أبنائِه وبَنِي جِلْدَتِه أَوْ في الخارِجِ. وتَذَكُّرُوا أَيْضًا ما يَعِيشُه المسلمونَ مِنْ فُرْقَةٍ واخْتِلافٍ، فَإِنَّ
ذلك يُعْتَبَرُ من هُمومِنا كَمُسْلِمِين، والتي يَنْبَغِي أَنْ لا تَغِيبَ
عَنَّا، وَلِأَنَّ ذلك مِنْ أَكْبَرِ دَوافِعِ بَذْلِ أسبابِ النُّهُوضِ
بالأمَّةِ، وإصلاحِها. واعلَمُوا أنَّه مَهما بَذَلَ المسلمون مِنْ جُهُودٍ فإنهم
لَنْ يَنْصُرُوا دينَهُم إلا بالتوحيدِ والسُّنَّةِ والسَّيْرِ على مَنْهَجِ
سَلَفِ الأُمَّةِ، لِأَنَّ سُنَنَ اللهِ لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَغَيَّرُ، وَمِن
سُنَنِه في ذلك أَنَّ دِينَه لا يَظْهَرُ إلا بِمِثْلِ ما كان عليه محمدٌ صلى الله
عليه وسلم وأصحابُه في العِلْمِ والعَمَلِ.
وإنَّ مِنْ هُمُومِنا أيْضًا: في ظَرْفِنا
الحالِيِّ، مَعَ وَباءِ كُرُونا، أَنْ تَعُودَ حَياتُنا كَما كانت بِشَكْلٍ
طَبيعي، خُصُوصًا مَساجِدَنا، وذلك بِأَنْ نُصَلِّيَ مُتَراصِّينَ في صُفُوفِنا، مُتَزاحِمينَ في حِلَقِ العِلْمِ، وهذا أيْضًا يَحْتاجُ إلى بَذْلِ أسْبابِهِ، والتي أَوَّلُها: اللُّجُوءُ إلى اللهِ بِالتَّضَرُّعِ والدُّعاءِ لِرَفْعِ ما
أَصابَنا، قال تعالى: ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ
إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
والثاني: بَذْلُ الأسبابِ الحِسِّيَّةِ
المُباحَةِ بَعْدَ التَوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وذلك بِالتِزامِ التَوجِيهاتِ
الاحْتِرازِيَّةِ، وأَخْذْ لِقاحِ الفايْروس.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً
لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ
وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله
أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا نساءَ المسلمين: اتَّقِينَ اللهَ، وَتَذَكَّرْنَ قَوْلَ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( إذا صَلَّتْ المَرْأَةُ
خَمْسَها وَصامَتْ شَهْرَها، وَحَصَّنَتْ فَرْجَها، وأطاعَتْ زَوْجَها، قِيلَ لَها
ادْخُلِي الجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوابِ الجنةِ شِئْتِ ). فاتَّقِينَ اللهَ، وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَّ تَبَرُّجَ الجاهليةِ الأولى، وأَقِمْنَ
الصلاةَ في وَقْتِها، وعليكُنَّ بالصَّدَقَةِ وعَلَيْكُنَّ بِغَضِّ البَصَرِ
وحِفْظِ اللسانِ عن الغِيبَةِ والسَّبِّ واللَّعْنِ، وإيِّاكُنَّ والتَّساهُلَ
مَعَ غَيْرِ المَحْرَمِ مِنْ سائِقٍ أو قَرِيبٍ أو جارٍ أو صاحِبِ مَتْجَرٍ، وإيِّاكُنَّ والتساهُلَ في أَمْرِ الحِجابِ الشَّرْعِيِّ، والذي يُعْتَبَرُ
زِينَةَ المَرْأَةِ المؤمنةِ وشعارَها الظاهِرَ الذي تَتَمَيَّزُ بِه عَنْ
غَيْرِها مِن النساء.
اللهم
كما بلغتنا رمضان ويسرت لنا الصيام والقيام فتقبل منا، واغفر لنا ذنوبنا، وأعتقنا
من النار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه وغفرت له تقصيره
وإجرامه، اللهم اعتقنا من النار، اللهم اعتقنا من النار، اللهم اعتقنا من النار،
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين
ولا تُشمت بنا أعداءَ ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك
والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل
باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع
رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين،
اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين،
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم
وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء
يا رب العالميناللهم احفظ لبلادنا عقيدتها وسيادتها واستقرارها وأمنها، اللهم
احفظها ممن يكيد لها، ويتربص بها الدوائر يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا
لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم
البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا
ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك
بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم
وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما نقيت
الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم
الراحمين اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
وللمزيد من الخطب السابقة لخطب صلاة عيد الفطر المبارك تجدها هنا
|