اغتنم رمضان
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله. أيها المؤمن: اغتنم رمضان فإنه قد يكون آخر رمضان في حياتك ولعلك لا تدركه مرة أخرى. لقد صام معك إخوان لك في العام الماضي, ثم هم الآن تحت الثرى ولم يُكتب لهم أن يصوموا معك هذا العام. اغتنم رمضان بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي. فإن الله تعالى أرحم بعبده المؤمن من الوالدة بولدها, ومن رحمته أن فتح له باب التوبة مهما بلغت ذنوبه وعظمت, وبين سبحانه أن رحمته سبقت غضبه, فلا تفوت الفرصة .
اغتنم فترة الصيام بالدعاء خصوصاً عند الفطر, فإن للصائم عند فطره دعوة مستجابة .
اغتنم رمضان بكثرة التلاوة, والذكر والاستغفار, والصدقة, وبتهذيب النفس وتربيتها على الأخلاق الفاضلة والسلوك القويم .
اغتنم رمضان بمحاسبة النفس, وتذكيرها بوجوب الاستعداد قبل الموت لما بعد الموت.
ومحاسبة النفس تتلخص في أمور أربعة, ألا وهي:
{ أداء فرائض الإسلام, وترك المحرمات, والتخلص من المظالم وحقوق العباد, وشكر النعم }. فأما فرائض الإسلام, فأولها: الإيمان بالله ورسوله, ومقتضى ذلك إفراد الله بالعبادة, وتحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً.
ومن ذلك: المحافظة على الصلاة في وقتها مع الجماعة, وكذلك أداء الصوم والزكاة والحج, ومن ذلك: بر الوالدين وصلة الرحم وحسن الجوار.
ومن ذلك: ما يتعلق بمن تعول في بيتك من زوجة وأولاد: وذلك بتربيهم على الإيمان والقوى, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة .
الثاني: المعاصي: هل حرصت على تركها والبعد عن أسبابها؟ فإن النار حفت بالشهوات. الثالث: ما يتعلق بحقوق المخلوقين والتخلص منها، فإنها لا تُتْرك يوم القيامة, حتى ولو كان الشخص من أعبد الناس, قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان لأخيه مظلمة من عرض أو مال, فليتحلله اليوم, قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم, فإن كان له عمل صالح, أُخِِذَ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له عمل, أُخِذَ من سيئات صاحبه فجعلت عليه ) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه, أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم.
ومما يتعلق بحقوق العباد: الديون, فيجب على المسلم أن يبادر بوفاء دينه وأن لا يتساهل, فإنه من الحقوق التي لا تترك .
الأمر الخامس: شكر النعم: فإن الله تعالى قد أسبغ عليكم نعمه, وأمركم بشكره, فانظروا موقفكم من نعم الله, وتأملوا في أحوال من قبلكم, وأحوال من حولكم, ممن تنكروا لنعم الله، واستكبروا في الأرض, كيف دهمهم أمر الله, فَبُدِّّلُوا بالنعمة نقمة, وبالأمن خوفاً, وبالغنى والشبع فقراً وجوعاً, واحذروا أن يحل بكم مثلُ ما حل بهم, فإن السعيد من وُعِظَ بغيره .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
أيها المؤمن:
اغتنم رمضان ببذل أسباب العتق من النار, فإن لله عتقاء من النار كل ليلة. وإذا قضى الله بعتقك من النار في هذه الليالي الفاضلة فاعلم أن هذا القضاء سيبقى معك إلى أن تموت, تمشي على ظهر الأرض وأنت عتيق من النار. لأن قضاء الله نافذ ولا يُرد, فلا تفوت الفرصة, إنها الفرصة الغالية العظيمة في حياتك, (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ). عندما يحرم الله جسدك على النار, التي فيها من العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. يقول الله تعالى: ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ). وقال تعالى: ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم * يُصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ). وقال صلى الله عليه وسلم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت على أهل الأرض لأفسدت عليهم معايشهم ). وشجرت الزقوم هي طعام أهل النار نعوذ بالله. ( إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم ). اللهم أعتقنا من النار، اللهم أعقنا من النار، اللهم وفقنا لصالح القول والعمل يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقائك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان ، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة، والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أرادنا وبلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء, اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
|