نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله العليم البصير ، القوي القدير ، اللطيف الخبير ، مولى المؤمنين ، (( فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )) .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، (( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) .
الحمدُ لله مَوْصُولا كما وجبا
فهو الذي برداء العِزّة احْتَجَبا
الباطِن الظّاهرِ الحق الذي عَجَزَتْ
عنه المدارِكُ لما أمْعَنَتْ طَلَبا
علا عنِ الوصْفِ مَن لا شيءَ يُدْرِكُه
وجَلَّ عن سبَبٍ من أوْجَدَ السّببا
والشُّكرُ للهِ في بدْءٍ ومُخْتَتَم
فالله أكرَمُ من أعْطى ومَنْ وَهَبا
أسأله عز وجل أن يهدي قلوبنا ، وأن يصلح أحوالنا ، إنه سميع مجيب .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، تعالى عن الشبيه والنظير ، وتقدس عن الضد والظهير ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، الهادي البشير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله عز وجل وصيته لعباده ، الأولين والآخرين ، (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، بين المسلمين ، قضية هذه الأيام ، وذلك بمناسبة استهزاء إخوان القردة والخنازير بنبينا ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، النابعة من منطلق عداوتهم ، وبغضهم للإسلام والمسلمين ، وكما قال تبارك وتعالى : (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )) .
فاليهود أعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأتباعه من المؤمنين ، وعداوتهم ذكرها الله عز وجل في كتابه ، يقول تبارك وتعالى : (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )) .
وإن كان ـ أيها الأخوة ـ الذين عاشوا في عهده صلى الله عليه وسلم ، والوحي ينزل عليه ، وحوله أصحابه ، أمثال أبي بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وحمزة والزبير ، أولائك الأبطال ، الذين لا يوقف في وجه أحدهم ، واليهود يقطعون عهودا على أنفسهم ، بأن يعادوه صلى الله عليه وسلم ما داموا أحياء ، فكيف بعداوتهم له اليوم ، وأمته يصدق عليها ، قوله صلى الله عليه وسلم : غثاء كغثاء السيل .
كيف لا يستهزئ اليهود بالنبي اليوم ، وهم يجدون من يستهزئ ويسخر به من المسلمين أنفسهم ، كبني علمان ، وأحفاد أُبّي بن خلف ، من المنافقين ، بل كيف بهم ، وهم يجدون ممن ينتسب إلى الإسلام ، ويستهزئ ليس بالنبي فقط ، بل يستهزئ بالله عز وجل . فالاستهزاء بنبينا صلى الله عليه وسلم ، من قبل هؤلاء وأذنابهم ، والمعجبين بهم ، أمر لا يستغرب ، بل هو طبع قديم لإخوان القردة والخنازير ، ولد منذ بعثته صلى الله عليه وسلم .
في عهده صلى الله عليه وسلم ذهب حُيى بن أخطب ـ أحد أحبار اليهود ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للتأكد من نبوته , فأخذ يسأله ، وكلما سأله سؤالا أجابه صلى الله عليه وسلم جوابا مقنعا ، وازدادت قناعته لما رأى خاتم النبوة ، فعرف وأيقن بأنه النبي المذكور في كتب اليهود ، وأنه خاتم الأنبياء ، فهرع إلى بيتة مذعوراً ، فسأله ابنه , قال يا أبى : أهو هو؟ ـ يقصد أهو خاتم الأنبياء ؟ ـ فقال حيى لابنه : نعم هو . فقال له ابنه : و ماذا ستفعل معه ؟ قال له : عداوته ما حييت . أي سوف أناصبه العداء ، وأكون عدوه اللدود طوال حياتي .
فالاستهزاء والسخرية بنبينا صلى الله عليه وسلم ، من قبل اليهود وأذنابهم والمعجبين بهم ، أمر لا يستغرب ، ومن استهزاء به فإنه سوف يجد جزاءه من الله ، كما قال تعالى : (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين )) أي أنشر دين الله ، ولا تنشغل بالمشركين واستهزائهم ، فسوف نكفيك بهم .
أيها الأخوة :
ولا شك أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ، ولا خير في أمة خذلت نبيها ، وكما قال تبارك وتعالى : (( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ )) وكما قال عز وجل : (( فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .
ولكن ـ أيها الأخوة ـ هل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بالمظاهرات ، ومقاطعة المنتجات ، أو تكون باقتحام السفارات ، أو بالاعتداء على الأبرياء من الناس ، أو بالمخاطرة بالأنفس من خلال المسيرات ؟
نعم ـ أيها الأخوة ـ نقولها وبكل صراحة ، من المسلمين اليوم ، من يدعي نصرة النبي ، ويظهر غيرته على شخصيته صلى الله عليه وسلم ، وهو ابعد الناس عن النصرة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم .
والله ـ أيها الأخوة ـ عندما نرى بعض المسلمين ، وشدة حماسهم لهذه القضية ، ونرى في المقابل ، بعدهم وتركهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والله إننا لنشك بأن نصرتهم له ، واهتمامه بقضيته ، إنما هي من باب الهواية والميل مع الشهوة والهوى ، أو من باب دس السم بالعسل .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ قول الله تعالى ، في الآية التي جاء فيها قوله تعالى : (( وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ )) يقول عز وجل : (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .
فنصرة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بمحبته واتباع سنته ، والسير على طريقته . نصرته ـ أيها الأخوة ـ باتباعه في ما امر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وتصديقه في ما اخبر . فلنتق الله ـ أيها الأخوة ـ ولا ننقاد خلف كل ناعق ، تحركه عواطفه المفعمة بجهله ، والمستمدة من حاجة ، بل حاجات في نفسه .
النبي صلى الله عليه وسلم ـ أيها الأخوة ـ قبل اربعة عشر قرن ، كان حيا ، وهناك من يسبه ويشتمه ، بل ويرميه بالحجارة ، فلم يعتدي علي بريء ، ولم يقود مظاهرة ، ولم يخرج بمسيرة ولم يقاطع منتجا ، بل مات ودرعه مرهونا عند يهودي من اليهود ، كان يكفيه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه ويدعو ربه ، فيخسف بمن استهزأ به ، وبمن سلك مسلكه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم يسأل الله لهم الهداية ، وأن ينصر بهم عز وجل هذا الدين ، وكما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : (( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )) . اسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وعن قضية نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يفعله بعض المسلمين في هذه الأيام ، ما أجمل الكلام ، عندما يكون من عالم من العلماء ، الذين يدركون الأحداث ، ويبنون التعامل معها على ضوء كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن هؤلاء ، فضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ فقد سأل ، وطلب منه توجيها حول حادثة الفلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم .
فذكر ـ حفظه الله ـ : أن الإنكار لا يكون بالمظاهرات والاعتداء على الأبرياء وإتلاف الأموال ، لأن هذا أمر لا يجوز شرعا ، وقال : الواجب أن يتولى هذه القضية العلماء ، لا عامة الناس ، لأن الأعداء قد يتصرفون بعض التصرفات لأثارة المسلمين ، والتشويش عليهم ، وإثارة الفتن والقتل بينهم ، كما حصل بسبب هذه القضية ، من مهاجمة لرجال الأمن ، وحراس الجهات الرسمية ، والضرب وغير ذلك ، ومما قال فضيلته :
كان المشركون يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم : ساحر وكاهن وكذاب ، ولكنه صلى الله عليه وسلم يتحلى بالصبر لأمر الله له به ، والمسلمون لم يتظاهروا في مكة ، ولم يهدموا شيئا من بيوت المشركين ، ولم يقتلوا أحداً ، فالصبر والهدوء ـ أيها المسلمون ـ حتى ييسر الله سبحانه وتعالى للمسلمين فرجاً .
إلى أن قال ـ حفظه الله ـ فالهدوء الهدوء ، خصوصا في هذه الأيام ، وهذه الفتن ، وهذه الشرور القائمة الآن في بلاد المسلمين ، فيجب الهدوء وعدم التسرع في مثل هذه الأمور ، والعوام لا يصلحون للمواجهة في هذا، لأنهم جهلة لا يعلمون ، ولا يدركون عواقب الأمور ، إنما المواجهة تكون من قبل أهل العلم والبصيرة .
هذا من كلام الشيخ ـ أيها الأخوة ـ نقلته لكم بتصرف يسير .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولتكن نصرتنا لنبينا ، مبنية على قواعد شرع ربنا ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَف ، وَكُلُّ شَرٍ في ابْتـدَاعِ مِـنْ خَلَـفْ .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم احينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، يارب العالمين .
اللهم أدم علينا أمننا ، واحفظ لنا ولاة أمرنا ، ووفق علماءنا ودعاتنا ، واجعلنا جميعا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، يا رب العالمين . اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر . اللهم رحمة اهد بها قلوبنا ، واجمع بها شملنا ولم بها شعثنا ورد بها الفتن عنا برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم عجل بفرج المسلمين في سوريا ، وفي فلسطين ، اللهم عجل بفرجهم ، وآمن روعهم ، واحقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وفك أسراهم ، واجبر كسرهم يارب العالمين . (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) .
عباد الله :
(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|