للمتطاولين المجرمين
الحمد لله القوي الجبار ، العظيم القهار... أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
التطاول على ذات الله U ، وعلى رسوله محمد e ، ظاهرة قديمة ، يتجرأ عليها ، ويتورط بها ، ضعاف العقول والإيمان ، أنزل الله الآيات البينات بتكذيب وتسفيه وعقاب من بلي بها ، فاليهود الذين غضب الله عليهم ، أخبر عنهم U بقوله : } وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ { وبقوله سبحانه : } قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ { وكذلك النصارى ، أخبر عنهم U بقوله : } لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { .
فالتطاول على ذات الله ، مسألة قديمة ، وسبب من أسباب دخول النار ـ والعياذ بالله ـ وكذلك مثلها التطاول على أنبياء الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فمامن نبي إلا وتطاول عليه سفهاء قومه ، من نوح ـ عليه السلام ـ إلى نبينا محمد e ، فنوح اتهمه قومه بأنه في ضلال كما قال تعالى : } لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ { ، وهود اتهمه قومه بالسفاهة والكذب ، كما قال تعالى : } وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { وكذلك بقية الأنبياء ، حتى نبينا محمد e الذي زكاه الله وأثنى عليه وامتدحه ، قال عنه السفهاء ، ساحر وشاعر وكاهن ومجنون !
أيها الأخوة :
فالتطاول على ذات الله U ، وعلى رسوله e ، ظاهرة ـ كما ذكرت ـ قديمة ، وهي من صفات وسمات وعادات ، المنافقين ، الذين سلكوا مسلك اليهود والنصارى والمشركين ، والذين سوف يكونون معهم في جهنم بشهادة الله U ، كما قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا { .
فالمنافقون ـ أيها الأخوة ـ قديما وحديثا ، أذية الرسول e والتطاول عليه بالكلام الذي لا صحة له ، عادة من عاداتهم ، ووسيلة من وسائل التعبير عما تكنه نفوسهم الخبيثة ، وقلوبهم المريضة ، يقول U : } وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ، أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ { يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : فعُلم أن إيذاء رسول الله محادةٌ لله ولرسوله ، لأن ذِكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخلاً فيه ، وقال رحمه الله : المحادَّة هي المعاداة والمشاقَّة ، وذلك كفرٌ ومحاربةٌ فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله e كافراً عدواً لله ورسولِه محارباً لله ورسوله
أيها الأخوة المؤمنون :
إن للنبي e مكانة عالية ، ومنزلة رفيعة ، لا تهزهما كتابة سفيه ، ولا مقال مغرض منافق ، لأن الله U قد رفع ذكر نبيه e وقرن اسمه باسمه ، يقول U : } أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ { فمنزلة النبي e التي يحاول وضعها الليبراليون في صحفهم ومنتدياتهم ومواقع تواصلهم ، رفعها الله U ، فليموتوا بغيظهم :
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
الله U قرن اسمه باسمه في أعظم مشهود به وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . ولهذا فلن يضره e ما يفعله الحاقدون من الليبراليين وغيرهم من الاستهزاء والسخرية ، فقد أرسله الله تعالى رحمة للخلق جميعاً ومنهم هؤلاء الذين لا يعلمون أنه أرسل رحمة لهم ولجميع المخلوقات كما قال تعالى : } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ { ولكن حتى لو أخرج بعضهم حقده وبغضه لنبي الإسلام فإن الله قد أخبرنا عنه وعن أمثاله فقال جل شأنه : } يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ { . اسأله U أن يرينا بمن تطاول عليه أو على نبيه عجائب قدرته ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ،
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول U : } قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ { إنه رسول الله e الذي تصله افتراءات المفترين وإساءات المسيئين، إنه خليل الله وما أعظمها من خلة حيث قال e في الحديث الصحيح : (( إن الله قد اتخذني خليلاً )) ، إنه نبينا وقدوتنا وحبيبنا الذي نحبه أكثر من آبائنا وأمهاتنا وأنفسنا، وقد قال لنا في الحديث الذي رواه مسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) . ولن تزيدنا تلك الكتابات عن نبينا eإ لا حباً وتقديراً واقتداء واتباعاً له e وهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى : } إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {
أيها الأخوة :
دعوة صادقة خالصة ، لعلمائنا وولي أمرنا ، الذين قاموا بواجبهم ، نحو من يتطاول على النبي e ، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ، الذي أمر بالقبض على من تطاول على رسولنا الكريم e وأحالته للقضاء وتنفيذ حكم الله به ، اسأله U أن يديم علينا أمننا ، وأن يحفظ لنا ديننا ، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار يارب العالمين .
اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم احفظ عقولنا وأموالنا وأبناءنا ، اللهم من أرادنا بسوء فاللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا قوي يا عزيز .
|