قنوت النوازل أسباب وآداب
الحمد لله سامع النداء ، ومبلي النداء ، ناصر المظلوم ، ومعطي المعدوم ، مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، قال في محكم كتابه : } وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أصدق نذير ، وأخلص بشير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ e عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِـ يقول أنس راوي الحديث ـ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ eفَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ ، قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ ( بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ) .
أيها الأخوة :
رعل وذكوان وعصيه ، قبائل من قبائل العرب في عهد النبي e ، زعموا الإسلام ، فطلبوا من الرسول e أن يمدهم على عدو لهم ، وفي رواية طلبوا منه من يعلمهم ويفقههم في دين الله ، فأرسل إليهم سبعين من صحابته ـ رضي الله عنهم ـ فما كان من هذه القبائل إلا أن غدروا بأصحاب النبي e ، فقتلوا السبعين ، وهي قصة معروفه ، فقنت النبي e ، يدعو على هذه القبائل شهرا كاملا ، يقول أنس t في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : فقتلوهم فدعا النبي e عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت .
أيها الأخوة :
فقنوت النوازل ، الذي نسمعه ونؤمن عليه ، في هذه الأيام ، هو سنة من سنن النبي e ، والقيام به يعتبر إتباعا لمن أمرنا بإتباعه ، وتطبيقه عبادة من أعظم العبادات التي تقرب من الله U ، وفي الحديث الصحيح يقول e : (( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم )) ونحمد الله U ـ أيها الأخوة ـ أن جعلنا تحت ولاية من يهتم بسنة نبينا e ، ويهتم لأمر أمتنا ، ويحس بما يعانيه المسلمون ويشاركهم آلامهم .
أيها الأخوة :
فقنوت النوازل ، عبادة عظيمة ، ووسيلة من وسائل نصرة هذه الأمة ، يأمر به الإمام الأعظم ، فلا يفعل إلا بأمر منه ، كما قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ويكون في الركعة الأخيرة من الصلاة ، بعد الرفع من الركوع ، فإذا رفع الإمام من ركوعه ، وقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، من السنة أن يرفع يديه بمحاذاة كتفيه أو أذنيه ، ويجعل نظره إلى بطون كفيه ، ويدعو جهرا بالدعاء المناسب للحالة والنازلة ، وهذا ما فعله النبي e في قنوته ، ففي حادثة رعل وذكوان ، كان النبي e يخصهم بالدعاء بأسمائهم ، يقول أنس t : قنت رسول الله e شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ، وحينما قنت النبي e لأصحابه خصهم بأسمائهم ، فقال : (( اللهم أنج الوليد بن الوليد )) فيجب ـ أيها الأخوة ـ علينا أن نقوم بهذه العبادة كما شرع لنا نبينا e ، ولنحذر من مخالفة هدي النبي e ، يقول U : } فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { .
بعض الأئمة ـ هداهم الله ـ يطيلون بالدعاء ، ويتكلفون عبارات السجع ، ولا يحرصون على جوامع الكلم ، بعضهم يأتي بأدعية ، لا علاقة لها بالنازلة ، إنما هي من باب التنفيس عن ما في النفس ، والتشفي الغير مباشر ، بل بعضهم يدعو وبدعائه كأنه يملي على الله U ، كقول بعضهم وهو يدعو على الأعداء : اللهم لاتدع لهم طائرة إلا أسقطتها ، ولاسفينة إلا أغرقتها ، ولادبابة إلادمرتها ، ولا بندقية إلا عطلتها ، ولا رصاصة إلا أبطلتها ، وكأنه يملي على الله تعالى كيف يفعل بالأعداء ، بينما كان يكفيه أن يقول: اللهم عليك بهم أو اللهم انتقم منهم ، ونحو ذلك ، فلنحرص على هدي نبينا في عباداتنا ، لاسيما في الدعاء ، تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الحديث الصحيح : كان النبي e يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك .
أيها الأخوة :
وهناك أمر لابد من التحذير منه ، ألا وهو الاعتداء بالدعاء ، فقد قال U : } ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ { وقد حذر النبي e أمته من الاعتداء بالدعاء ، ومنه الدعاء بما لم يرد في الكتاب والسنة ، فقد أخرج ابن ماجه ، أن عبدالله بن مغفل سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها . فقال : أي بني ، سل الله الجنة وعذبه من النار ؛ فإني سمعت رسول الله e يقول : (( سيكون قوم يعتدون في الدعاء )) .
فلنحذر ـ أيها الأخوة ـ الاعتداء بالدعاء ، ولنقتدي بهدي نبينا e ، ولنحمد الله U أن جعل ولايتنا في عهد من يعيننا على القيام بما يرضي ربنا ، ولندعو لإخواننا .
اسأل الله U أن ينفس هم المهمومين من المسلمين ، وأن ينفس كرب المكروبين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من النوازل الجديرة بالدعاء ، ما حل بإخواننا في بلاد الشام ، التي عاشت وما زالت تعيش بين القومية والبعثية والوطنية والاشتراكية ، تجلد ظهورهم سياط النصيرية الباطنية ، يقتلون الرجال بل والأطفال والنساء ، يسومونهم سوء العذاب ، بنهب الأموال ، والاعتداء على الأعراض ، وتدمير الممتلكات ، وتصدير الحريات ، فقد بلغ السيل زُباه ، والكيدُ مداه ، والظلم منتهاه ، } وَسَيَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ { يقول النبي e في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : (( ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصائم حين يفطر، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبوابَ السماء ، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين)) فالله الله أيها المسلمون بمؤازرة ونصرة إخوانكم لو بالدعاء بأن ينصرهم ويكشف كربتهم ويحقن دماءَهم ويحمي أموالهم وأعراضهم ، ويثبتهم في هذه المحنة وأن يخذل عدوّهم ويظهر الحقّ ويبطل الباطل .
أيها الأخوة :
ولا يخفى عليكم ، ما حل في بلادنا من جدب وقحط ، بسبب قلة المطر ، وعدم نزوله في هذا العام ، وقد أمر ولي الأمر بإقامة صلاة الاستسقاء ، يوم الاثنين القادم ، فاحرصوا على الصلاة مع المسلمين ، إقتداء بنبيكم e ، وامتثالا لأمر ولي أمركم ، وإظهارا لفقركم وحاجتكم لرحمة ربكم ، يقول U : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { .
اسأل الله U أن يفرج هم المهمومين من المسلمين ، وأن ينفس كرب المكروبين ، وأن ينج المستضعفين من عباده المؤمنين .
اللهم فرج هم إخواننا في سوريا ، اللهم فرج همهم ، ونفس كربهم ، وسدد رميهم ، اللهم فك أسراهم ، وداوي جرحاهم ، واشفي مرضاهم ، اللهم احقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، اللهم عليك بمن ظلمهم واستضعفهم ، اللهم عليك به وبجنده ، اللهم لا ترفع له رأيه ، ولا تحقق له غاية ، اللهم عليك به وبمن آزره وسانده ، وبمن أمده وأيده ياقوي ياعزيز .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ |