علامات محبة العبد لربه
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أن محبة الله تعالى هي قوت الحياة، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حُرِمَها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عَدِمَه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
عباد الله: إن محبة الله تعالى ليست مجرد دعوى تُقال باللسان، بل لها علامات تظهر على القلب واللسان والجوارح:
أولها: العناية بالتوحيد الذي حق الله على العبيد؛ وحقيقته: إفراد الله تعالى بالعبادة الظاهرة والباطنة وترك عبادة ما سواه.
ولا تتم هذه العناية إلا بالخوف والحذر الشديد من الوقوع في الشرك أو أي ناقضٍ من نواقض الإسلام، وقد كان من دعاء الخليل عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)، وثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان .... وذكر منها- وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار- )، والعبد لا يكتمل التوحيد في قلبه إلا إذا وُجِد في قلبه هذا الشعور.
العلامة الثانية: من علامات محبة العبد لربه: الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به في عبادته وأخلاقه وتعامله؛ قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
العلامة الثالثة: الشوق إلى النظر إلى وجه الله في الجنة؛ فإن من أحب شيئاً أحب لقاءه وهذا أمر معلوم في بداهة العقول، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (وَأَسْأْلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ)، فهل هذا الشعور موجود في قلبك يا عبد الله؟
لا سيما وأن النظر إلى وجه الله في الجنة هو أعظم نعيمها على الإطلاق بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
العلامة الرابعة: الإكثار من ذكر الله تعالى؛ فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره بالضرورة ومِن ذكِرِ ما يتعلق به، فلو أنك جلست مع رجل همه الأكبر هو جمع المال لوجدت ذلك على لسانه وفي جميع أحواله، وفي مجالسه الخاصة والعامة، لا يتحدث إلا عن ذلك. وهكذا من كان قلبه متعلقاً بالنساء والشهوة المحرمة لوجدت حديثه في كل وقت عن النساء وأوصافهنّ وجمالهنّ ولوجدته دائماً يذهب إلى أماكن تجمع النساء ومتابعة المناظر التي تثير الشهوة عن طريق المجلات أو القنوات الفضائية أو غير ذلك، وهكذا من أحب شيئاً وتعلق به تجد حديثه دائماً عنه، وهكذا من أحبّ الله حبَّاً صادقاً تجده مولعاً بذكر الله مواظباً عليه عن حبٍ ورغبة فيه، فتجده يواظب على أذكار الصباح والمساء والنوم والذكر وعند دخول المنزل وعند الجماع وقبل الأكل وبعده، مع التسبيح والتهليل والاستغفار، وأعظم ذلك كله قراءة القرآن الذي هو كلام الله، فإن محبة كلام الله علامة واضحة على حب العبد لربه، وإذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك فإن من المعلوم أن من أحب محبوباً كان كلامه وحديثه أحبَّ شيء إليه، فلا شيء عند أهل التوحيد الكُمَّل أحلى من كلام الله فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم.
اللهم املأ قلوبنا من حبك وحب ما يرضيك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
العلامة الخامسة من علامات محبة العبد لربه: التلذذ عند فعل الطاعة؛ فإن من أحبَّ الله محبة صادقة صارت طاعة الله غذاءً لقلبه وسروراً له، ونعيماً لروحه يتلذذ بها ويتنعم بها أعظم مما يتنعم بالطعام والشراب واللذات الجسمانية. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وجُعلتْ قُرةُ عَيْنِي فِي الصَّلاة )، وهكذا المؤمن الكامل الإيمان لا شيء عنده ألذ من خدمة محبوبه وطاعته، في الصلاة والصوم والصدقة وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلاف من إذا كبّر للصلاة انتظر التسليم على أحر من الجمر، وإذا بُشِر بهلال رمضان فكأنه سوف يدخل سجناً يحبسه عن شهواته وملذاته وإذا خرج رمضان فكأنما خرج من ذلك الحبس، وإذا أدى زكاة ماله فكأنما يدفع غرامة مالية ثابتة عليه نعوذ بالله من هذه الحال.
العلامة السادسة: الحسرة على فوات الطاعة وتركها؛ فإن المؤمن إذا ترك أمراً أوجبه الله عليه لا بد أن يوجد في قلبه ألم أعظم من تألم الحريص على دنياه إذا فآته شيء منها كما قال تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)، فتجده إذا فآتته صلاة الفجر مثلاً يضيق صدره ويحزن ويتألم لذلك وهكذا لأنه يعلم الحكمة التي خلق من أجلها، بخلاف صاحب القلب البليد الذي تفوته الصلاة تلو الصلاة، فلا يتأثر، وتمر عليه أيام بل شهور لم يقرأ القرآن فلا يتأثر ولا يحزن لذلك، لأن قلبه متعلق بالدنيا لا يحزن إلا بفوات شيء منها.
العلامة السابعة من علامات محبة العبد لربه: الغَيْرةُ على محارم الله إذا انتُهكت؛ إذ كيف يصح لعبدٍ أن يدّعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انْتُهكت ولا لحقوقه إذا ضُيعت، وهذه الغيرة هي أصل الدعوة إلى الله تعالى، هي أصل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الحاملة على ذلك فإن خلت هذه الغيرة لم يَدْعُ، ولم يجاهد، ولم يأمر أحداً بمعروف، ولم ينه عن منكر. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّوْنَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِيْنَ يُجَاهِدُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُوْنَ لَوْمَةَ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ).
والعلامات الدالة على حبِّ العبد لربه كثيرة، مثل الصبر على المكاره والحب في الله والبغض في الله والاعتراف بالتقصير في حق الله، والمداومة على التوبة والاستغفار وغير ذلك من العلامات.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم وفق ولاة أمرنا بتوفيقك وأيدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقهم وأعوانهم لما فيه صلاحُ أمر المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، [ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ].
|