استسقاء بالمدرسة
الحمد لله الحكيم الخبير ، السميع البصير ، المغيث القدير ، له } مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير{.
أحمده يغيث المستغيثين ، ويجيب دعوة المضطرين ، ويكشف كرب المكروبين } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله U : } رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين:
أما بعد معشر الأخوة والأبناء:
اتقوا الله U ، يقول تبارك وتعالى: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فتقوى الله وصية الله جل جلاله لكم ولمن كان قبلكم ، فاتقوا الله } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {و } يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { و } يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الأخوة والأبناء:
الماء نعمة عظيمة ، هذا الماء الذي منه شرابنا ، وننظف فيه أجسادنا ، ونصنع منه طعامنا ، بل هو وسيلة حياتنا كما قال تبارك وتعالى : } وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {
هذا الماء ـ أيها الأخوة ـ من أين يأتي؟
لنسأل أنفسنا ، من أين يأتي الماء؟
بعض الناس لجهله أو لتعطيل عقله ، لا يتجاوز تفكيره خزان ماء بيته ، بل بعضهم يتوقف به تفكيره إلى صنبور الماء الذي يشرب أو يغتسل منه!
فاسأل نفسك أخي ! من أين يأتي هذا الماء؟
أتريد أن تعرف من أين يأتي الماء ؟
اسمع إلى كلام ربك U ، يقول تبارك وتعالى في سورة الواقعة: } أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ { المزن أي السحاب ، قاله ابن عباس ومجاهد ، فماؤنا من المطر ! ومن الذي ينزل المطر ؟ لا إله إلا الله ! إنه اللهU } قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ { ، } وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ { ، } وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {
فالله U هو الذي ينزل الغيث ، هو الذي ينزل المطر ، الذي منه الماء ، الذي منه نشرب ، الذي منه نغتسل ، الذي منه جعل الله كل شيء حي.
أيها الأخوة:
ولكن أحيانا يمنع الله هذا المطر ، أي لا ينزل ، أتدرون ما سبب ذلك ؟ إنه الذنوب والمعاصي ، وبعد الناس عن الدين ، وقلة الإيمان ، وضعف التقوى يقول الله U } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{
} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً {
فالذنوب والمعاصي ، وعدم طاعة الله U وترك سنة رسوله e ، سبب كل بلاء في هذه الحياة } وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرِ {
أيها الأخوة:
ماذا يفعل المسلمون ، عندما يحبس الله المطر؟
في عهد النبي e ، حصل جدب وقحط ، بسبب تأخر المطر ، فدخل رجل والنبي e يخطب خطبة الجمعة ، فوقف أمامه وهو يخطب ، فقال : يا رسول الله ! هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله أن يغيثنا . فرفع النبي e يديه وقال: (( اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا )) يقول أنس وهو راوي هذا الحديث : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ، يعني حتى الغيمة الصغيرة لا توجد في السماء ، السماء صافية ، يقول : وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، وسلع جبل قرب المدينة ، يقول t : فطلعت من ورائه ـ أي من وراء جبل سلع ـ سحابة مثل الترس ـ يعني صغيرة جدا ـ فلما توسطت السماء ، انتشرت ثم أمطرت . قال : فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ـ أي أسبوعا كاملا والمطر ينزل ـ بركة دعاء النبي e ، قال t : ثم دخل رجل من ذلك الباب ، في الجمعة المقبلة ، ورسول الله e قائم يخطب ، فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله ! هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكها عنا ، قال : فرفع النبي e يديه وقال: (( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ))، يقول أنس : فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.
أيها الأخوة:
فالمسلمون يلجئون إلى الله U بالدعاء والصلاة والتضرع ، يجتمعون كاجتماعنا هذا يسألون الله U أن يغيثهم ، أن يسقيهم ، يصلون صلاة الاستسقاء ،يفعلون كما فعل نبيهم e ، فقد استسقى وهو يخطب ، وقد صلى صلاة الاستسقاء كصلاتنا هذه ، فالله .. الله ، معشر الأخوة والأبناء ، الله عز وجل } لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ { فأزمعوا توبة وإنابة ورجوعا إلى الله U ، واحذروا الذنوب والمعاصي ، فإنها ـ والله ـ سبب في كل بلاء يحل بنا ، وفي مجتمعنا ، وهذه هي سنة الله في خلقه.
الذنوب هي والله سبب خراب الدنيا وعذاب الآخرة ، وما شقي من شقي إلا بسبب ذنوبه ومعاصيه.
فاللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك ، وأنت القوي ونحن الضعفاء بين يديك ، اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربنا ونحن عبيدك ، ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا ذنوبنا جميعا ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدنا اللهم لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا . اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أنبت لنا الزرع ، وأدر لنا الضرع ، واسقنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض .اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة لنا على طاعتك ، ومتاعا إلى حين.
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريعا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار . اللهم اغفر لنا وارحمنا ، اللهم تجاوز عنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، اللهم ارحم شيوخا ركع ، وأطفالا رضع ، وبهائم رتع ، انزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق .اللهم إنك قلت وقولك الحق : أدعوني أستجب لكم ، فها نحن دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، يا أرحم الراحمين.
إخواني وأبنائي : اقلبوا أرديتكم اقتداء بنبيكم e وادعوا
تقبل الله منا ومنكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|