خطبة استسقاء
الحمدُ للهِ رب العالَمِين، الرحمنِ الرحيمِ، مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ، والحَمْدُ للهِ مُغِيثِ المُسْتَغِيثِينَ، ومُجِيبُ المُضْطَرِّينَ، ومُسْبِغُ النِّعَمِ عَلى العِبادِ أَجْمَعِينَ. لا إله إلا اللهُ يَفْعَلُ ما
يَشاءُ وَيَحْكُمُ ما يُريدُ. لا إلهَ إلا اللهُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ. لا إلهَ إلا
اللهُ الواسِعُ المَجِيدُ. لا إلهَ إلا اللهُ الذي عَمَّ بِفَضْلِهِ وإِحْسانِهِ
جَمِيعَ العَبِيدِ، وشَمَلَ بِحِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ القَريبَ والبَعِيدَ.
وأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وأشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرسولُه, صَلى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعْدُ:
أيُّها المسلمون: اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا
أَنَّ سُنَّةَ اللهِ في عِبادِهِ، أَنْ يَبْلُوَهُمْ بالسَرَّاءِ والضَرَّاءِ، والحَسناتِ والسَيِّئاتِ، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ في السَرَّاءِ والحَسناتِ.
وَيَتُوبُونَ ويَتَضَرَّعُونَ في الضَّرَّاءِ والسَّيِّئاتِ.
فَإِنْ شَكَرُوهُ بِقُلُوبِهِمْ
وأَلْسِنَتِهِمْ وأَعْمالِهِمْ، زادَهُمْ مِنْ نِعْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وإِنْ
كَفَرُوا نِعْمَتَهُ، أذاقَهُم العَذابَ وَلِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ، جَزاءً بِما
كانُوا يَصْنَعُونَ. وكذلك إِنْ صَبَرُوا في البَأْساءِ والضَرَّاءِ، وتابُوا
وأَنابُوا وَرَجَعُوا إلى اللهِ وتَضَرَّعُوا إلَيْهِ، ولَبِسُوا لِباسَ
التَقْوَى, رَفَعَ عَنْهُمْ ما أصابَهُمْ, وأَصْلَحَ حالَهُمْ وَبالَهُم, قال
تعالى: ( وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ
وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، أَيْ: اخْتَبَرْناهُمْ (بِالحَسَناتِ والسَيِّئاتِ)، بِالرَّخاءِ
والشِّدَّةِ، والرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ، والعافِيَةِ والبَلاءِ، ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ).
إِنَّها سُنَنٌ لا تَتَبَدَّلُ وَلا
تَتَحَوَّلُ: ( فَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ).
وَمِنْ سُنَنِ اللهِ في ذلك:
أَنَّه جَعَلَ
لِعِبادِهِ مِن الأسْبابِ ما يَسْتَجْلِبُونَ بِهِ البَرَكَةَ والخَيْرَ
والحَسناتِ فقال: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم
بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ).
أيْ: لَوْ آمَنُوا بِقُلُوبِهِم إيمانًا صادِقًا، وَصَدَّقَتْهُ الأَعْمالُ، وَتَرَكُوا
ما حَرَّمَ اللهُ، لَفَتَحَ عَلَيْهِم بَركاتٍ مِن السَّماءِ والأَرْضِ، فأَرْسَلَ
عَلَيْهِم السَّماءَ مِدْرارًا، وأَنْبَتَ لَهُمْ مِن الأَرْضِ ما بِهِ
يَعِيشُونَ، وتَعِيشُ بَهائِمُهُمْ، في أَخْصَبِ عَيْشٍ، وأَغْزَرِ رِزْقٍ, مِنْ
غَيْرِ عَناءٍ ولا تَعَبٍ، وَلا كَدٍّ وَلا نَصَبٍ.
أيُّها
المُسْلِمُونَ: إذا عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ مُضْطَرُّونَ إلى رَحْمَةِ
رَبِّكُمْ وغَيْثِهِ غايَةَ الضَّرُورَةِ. وَعَلِمْتُمْ أَنَّه لا يَكْشِفُ
ضَرَّكُمْ، وَلا يُغِيثُكُمْ في شِدَّتِكُمْ إلا اللهُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ اللهَ
أَمَرَكُمْ بِدُعائِهِ واللُّجُوءِ إٍلَيْهِ، وأَنَّ مَنْ دَعا اللهَ بِإِخْلاصٍ
وصِدْقٍ واضْطِرارٍ فَلَنْ يَخِيبَ، فإمَّا أَنْ يُعْطَى مَطْلُوبَهُ، أَوْ
يُدَّخَرَ لَهُ ما هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ وأَعْظَمُ، أَوْ يُدْفَعَ عَنْه مِن
السُّوءِ ما هُوَ أَشَدُّ وأَكْبَرُ.
إذا عَلِمْتُمْ ذلك
كُلَّه: فَتَوَجَّهُوا بِقُلُوبِكُمْ إلى اللهِ، وارْفَعُوا أيْدِيَكُمْ
إلى رَبِّكُم مُسْتَغِيثِينَ بِهِ، راجِينَ فَضْلَهُ وَكَرَمَه وَرَحْمَتَه، وَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ذلك تَوْبَةً نَصُوحًا، واسْتِغْفارًا كَثَيرًا صادِقا.
وإيَّاكُم والتَّساهُلَ فِيمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُم، وابْتَعِدُوا عن
الرِّزْقِ الحَرامِ وسائِرِ المَعاصِي، وأَكْثِرُوا مِن سُؤالِ اللهِ أَنْ
يُغِيثَكُم، وأَنْ يَفْتَحَ عَلَيْكُم مِن بَركاتِ السَّماءِ والأَرْضِ، وادْعُوا
اللهَ وأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجابَةِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ
الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ). أيْ: انْقَطَعَ عَنْهُمْ الغَيْثُ
مُدَّةً طَوِيلَةً فاسْتَبْطَأُوه، وَظَنُّوا عَدَمَ نُزُولِهِ. وهذا يَدُلُّ عَلى
أَنَّ اللهَ تعالى، قَدْ يُؤَخِّرُ الاسْتِجابَةَ حَتَّى يَصِلَ الأَمْرُ إلى ما
ذُكِرَ في هذه الآيَةِ الكَريمَةِ.
فادْعُوا
اللهَ وأبْشِرُوا
نَسْتَغْفِرُ
اللهَ ونَتُوبُ إلَيْهِ
نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ
نَسْتَغْفِرُ اللهَ ونَتُوبُ إلَيْهِ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا إنَّكَ كُنْتَ
غَفَّارًا، وأَرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرارا، وأَمْدِدْنا بِأَمْوالٍ
وبَنِينَ، واجْعَلْ لَنا جَنَّاتٍ، واجْعَلْ لَنا أَنْهارا.
اللهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ بِأَنَّا نَشْهَدُ
أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إله إلا أنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَه كُفُوًا أَحَد.
اللَّهُم إنَّا نَسْألُكَ بِأَنَّ لَكَ
الحَمْدُ لا إِلهَ إلا أَنْتَ المَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمواتِ والأَرْضِ، يا ذا
الجَلالِ والإِكْرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إله إلا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَراءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، واجُعَلْ ما
أَنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغًا إلى حِينٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا،
مَرِيئًا مَرِيعًا، نافِعًا غَيْرَ ضارٍّ، عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهائِمَكَ
وانْشُرْ رَحْمَتَكَ, وأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.
اللهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنا مِن السماءِ
ماءً مُبارَكًا، تُغِيثُ بِهِ العِبادَ والبِلادَ، وتَعُمُّ بِهِ الحاضِرَ والباد.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ الغَيْثَ
والرَّحْمَةَ
اللَّهُمَ يا غافِرَ الذَنْبِ، ويا قابِلَ
التَّوْبِ. يا مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه وَيَعْفُو عَن
السَّيِّئاتِ:
مَدَدْنا إلَيْكَ أيْدِيَنا، وتَوَجَّهْنا
إلَيْكَ بِقُلُوبِنا، تائِبِينَ، ذَلِيلِينَ، طامِعِينَ في فَضْلِكِ ورَحْمَتِكَ
وَكَرَمِكَ، فلا تَرُدَّنا خائِبِينِ
اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا،
اللَّهُمَّ أَغِثْنا
اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد .
وللمزيد
من الخطب السابقة في صلاة الاستسقاء تجدها هنا : http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=126
|