الحث على كسب الحلال والبعد عن الكسب الحرام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله فإنّ من اتقاه الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه ثم اعلموا رعاكم الله أن نعم الله عز وجل علينا كثيرة لا تحصى عديدة لا تستقصى وإن من نعمه سبحانه تمكينه لعباده في الأرض وتهيئته لهم من أنواع الرزق وطيب الثمار ما يقتاتون به وتتغذى به أبدانهم ليتناولوا من الطيب المباح ويحمدوا الربَّ الكريم ويشكروه على منّه وعطائه وفضله قال الله تعالى: ﴿ولقد مَكَّنَّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايشَ قليلاً ما تَشكرون﴾ الأعراف: ١٠ والواجب على المسلم في هذا الباب أن يعي هذه الحقيقة جيدا وأن يعلم أن الرب الكريم والرزّاق المحسن سبحانه هيأ في هذه الأرض وجوه المكاسب الطيبة وأنواع الأرزاق المباحة وهيأ لهم السبل يقول الله جل وعلا: ﴿هو الذي جَعل لكم الأرض ذَلولا فامشوا في مناكبها وكُلُوا من رزقه وإليه النُّشور﴾ الملك: ١٥ وقف هنا أيها المسلم متأملا في ختم الله تبارك وتعالى لهذه الآية بقوله: ﴿وإليه النُّشور﴾ الملك: ١٥ أي المرجع والمآب فأنت في هذه الحياة لك أمد محدود ووقت معدود من بعده تنتقل إلى الله عز وجل وتقف بين يديه سبحانه ويسألك عما قدمت في هذه الحياة وإن مما سيسألك الله عنه يوم القيامة مالك ومطعمك ومشربك يسألك عن ذلك كله إذا وقفت بين يديه وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" وذكر منها "عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" .
فيا أيها المسلم الراشد ويا أيها المؤمن الناصح انصح لنفسك وأنت في هذه الحياة قبل الوقوف بين يدي الله جل وعلا وأعد للسؤال جوابا وأعد للجواب صوابا فإنك والله مسؤول أمام الله جل وعلا وإن من نعمة الله على عباده معاشر المؤمنين أن هيَّأ لهم أنواع المكاسب الطيبة ووجوه الأرباح المباحة وجعل أمر الحل بينا وأمر الحرام بينا وتأمل هذا فيما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه وقد تحمل هذا الحديث على صغر سنه مما يدل على كمال حرص الصحابة صغارهم وكبارهم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
عباد الله ما أعظم هذا الحديث وما أروعَ بيانَه وما أكمل ما فيه من نصح ودلالة وإرشاد وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسم فيه الأمور إلى ثلاثة أقسام قسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام:
قسم حلٌّ بيِّنٌ أي يعرف حلَّه كلُّ مسلم ولا يشتبه أمره على أحد فهو حل بيِّن أي واضح حله لاشتباه فيه بين والقسم الثاني عباد الله وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالحرام البين أي الواضح حرمته لكل أحد فلا يشتبه على مسلم حرمته وهذا يتناول أنواع المحرمات التي جاءت الأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دالة على حرمتها مبينةً سوء خطرها وسوء مغبَّتها فهي أمور محرمة بيِّنٌ حرمتها.
وقسم ثالث عباد الله قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مشتبه مشتبهٌ ليس على الناس كلهم وعلى المسلمين جميعهم وإنما هو مشتبهٌ على كثير من الناس أمور مشتبهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس جُهَال المسلمين وعوامهم ومن ليس عندهم علم ولا فقه ولا بصيرة في دين الله فإن أمثال هؤلاء تشتبه عليهم بعض الأمور وتلتبس عليهم بعض الأشياء فلا يدرون أهي حل بين أم حرام بين
وهاهنا عباد الله يظهر مقام العلماء ومكانتهم الرفيعة ومنة الله عليهم بزوال الاشتباه واتضاح الأمور وعدم التباسها "لا يعلمهن كثير من الناس" أي أن من الناس من يعلمهنَّ وهم العلماء الراسخون والفقهاء المحققون الذين لا غنى للمسلمين عن نصحهم وبيانهم وسؤالهم واستفتائهم والاسترشاد بعلومهم وفقههم فما أعظم أثرهم على الناس وما أوسع نفعهم وكيف لا وهم ورثة الأنبياء.
عباد الله ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الطريقة السديدة والمسلك الرشيد عند اشتباه الأمور والتباسها إلى ماذا يصير الإنسان وماذا يفعل فقال عليه الصلاة والسلام "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" من اتقى الشبهات أي ابتعد عنها ولم يقاربها فإنه بذلك يستبرئُ لدينه أي فيما بينه وبين الله ويستبرئُ لعرضه أي ما بينه وبين الناس أي يطلب البراءة لدينه وعرضه وبهذا يعلم معاشر المؤمنين أن طلب البراءة للعرض والدين إنما يكون باتقاء الشبهات والبعد عنها.
أما عباد الله إذا كان الإنسان يقارف الشبهات ويستهين بها ويستخفُّ من شأنها فإنها يوم من الأيام ولابد ستنقله إلى الحرام البين وتوقعه في حظيرته كما قال عليه الصلاة والسلام "فمن انتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" أي أن الشبهات عباد الله تنقل من يقع فيها إلى الحرام البين فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" حمى الله عز وجل التي حرمها على عباده هي المحارم هي الأمور التي نهى عباده عنها والحصافة هنا عباد الله والكياسة والفطنة أن يكون العبد بعيدا عن المحرمات أشد البعد وبعيدا في الوقت نفسه عن الوسائل المفضية والأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ومن ذلك التهاون في الأمور المشتبهات.
عباد الله إن الفقه في هذا الباب تمس إليه الحاجة ولاسيما في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل والنابل والتبست فيه كثير من الأمور على الناس والواجب على المسلم أن يطلب دائما وأبدًا البراءة لدينه وعرضه ليلقى الله عز وجل بحالة طيبة وببعد عن المحرمات وأسبابها ووسائلها روى الإمام أحمد في مسنده عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال "جئتَ تسأل عن البر؟ قلت نعم يا رسول الله قال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك".
وروى الإمام مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وخشيت أو كرهت أن يطلع عليه الناس" وعندما تستريب أيها المؤمن من أمر عندما تستريب من أمر أهو من الحلال البين أن من الحرام البين فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي الترمذي والنسائي من حديث أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله عليه وسلم رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" والحسن بن علي رضي الله عنه من صغار الصَّحابة وقد تحمّل هذا الحديث في صغره مما يدل على كمال حرص الصحابة صغارهم وكبارهم على العناية بالسنة و معرفة الحلال و الحرام و التّفقه في دين الله بينما واقع كثير من شباب المسلمين الآن وصغارهم عدم المبالاة بهذا الأمر و الاكتراث به وهذه مصيبة عباد الله يجب أن نعالجها بالنظر إلى حال الصحابة ومقامهم مع دين الله تبارك وتعالى الصغار منهم والكبار يعتنون بهذا الباب غاية العناية و يهتمون به تمام الاهتمام استبراء لدينهم وعرضهم وتهيؤا للقاء الله عز وجل بعيدين عن المحرمات متعففين ومتقين للمشتبهات متناولين للمباحات حامدين الله عز وجل شاكرين على نعمه التي لا تعد وآلائه التي لا تحصى فالله جل وعلا يقول: ﴿ وإذ تأذَّن ربُّكم لئن شكرتم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إنَّ عذابي لشَديد﴾ إبراهيم: ٧
اللهم فقهنا في دينك وبصرنا بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ووفقنا اللهم للمال الطيب والكسب المباح وباعد بيننا و بين المحرمات ووفقنا لاتقاء المشتبهات واجعلنا إلهنا ممن يأكلون الطيبات ويحمدونك على نعمك ويشكرونك على آلائك و مننك إنك سميع الدعاء و أنت أهل الرجاء و أنت حسبنا ونعم الوكيل
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود و الامتنان و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد عباد الله وإن من كمال حال الصحابة في هذا الباب و الصور عنهم في هذا كثيرة و النماذج في حالهم عديدة الدالة على كمال فقههم و حرصهم على الاستبراء للدين والعرض و اتقاء المحرمات و الحذر من المشتبهات الصور في ذلك كثيرة ومن الصور الرائعة و النماذج المؤثرة في هذا الباب ما رواه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لأبي بكر رضي الله عنه رجلٌ يأتيه بالخراج أي عبد له يخرج له خرجا وكان أبو بكر رضي الله عنه يأكل من خراجه فأتاه يوما بشيء فأكل منه فلما فرغ رضي الله عنه من أكله قال له ذلك الرجل أتدري من أين هذا؟ ثم قال الرجل: هذا مالٌ أعطانيه رجل كنت تعاملت معه في الجاهلية بالكهانة وكنت لا أحسن الكهانة و إنما خدعته وتكهّنت له ثم إنه أعطاني هذا المال فأعطيتك منه فلما بلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه أدخل أصبعه في فيه واستفرغ جميع ما في جوفه رضي الله عنه وأرضاه"
انظروا إلى هذه الصورة عباد الله شيء دخل في جوفه على أصل الحل و الإباحة ولما تبينت له الحرمة واتضح له حال هذا المال أخرجه من جوفه و تقيّأه فكيف عباد الله ممن يزدردون ويبتلعون أموالا يعرفون حرمتها ويتضح لهم عدم حلِّها وليل نهار يدخلونها في أجوافهم ويملؤون بها أمعدتهم و أمعدة أبنائهم و أهليهم ألا يتقون الله ألا يتقون الله عباد الله.
اللهم أطب مكاسبنا اللهم أطب مكاسبنا اللهم أطب مكاسبنا اللهم أطب قلوبنا وأصلح أعمالنا اللهم زكِّ أموالنا إلهنا اللهم لا تكلنا إلا إليك اللهم جنبنا المحرمات وباعد بيننا وبين المشتبهات اللهم إلهنا خلّصنا من الحرام ونقنا من المحرمات إلهنا وسيدنا ومولانا وفقنا لاتقاء المشتبهات اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إلهنا وسيدنا و مولانا وفقنا لاتقاء المحرمات و البعد عنها و مجانبة المشتبهات واتقائها اللهم إلهنا وفقنا للقائك بقلوب سليمة و أجسام نظيفة قائمة على الحلال بعيدة عن السُّحت اللهم إلهنا باعدنا من حال من قال عنهم رسولك عليه الصلاة والسلام "كل جسد قام على السُّحت فالنار أولى به" اللهم وفقنا ربنا ومولانا اللهم سدّدنا في أعمالنا وفي أموالنا اللهم وبارك لنا فيما رزقتنا اللهم وفقنا وبارك لنا فيما رزقتنا اللهم وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم إلهنا أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و الموت راحة لنا من كل شر اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفّة والغنى اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا ورزقا طيبا اللهم وبارك لنا فيما رزقتنا واغفر لنا وارحمنا اللهم واغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلَّها دقها وجلها أولها وآخرها سرها وعلنها اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات و المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم زدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا إلهنا قلت في كتابك و أنت أصدق القائلين: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإنِّي قريبٌ أُجيبُ دعوةَ الدَّاعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي ولْيُؤمنوا بي لعلَّهم يَرشدون﴾ البقرة: ١٨٦ اللهم بك آمنا وإليك استجبنا وإليك مددنا أيدينا ورفعنا دعواتنا فلا تردنا خائبين إلهنا إن منعتنا فمن الذي يعطينا وإن طردتنا فمن الذي يؤوينا إلهنا لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم لا تكلنا إلا إليك اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم إنا نسألك غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل اللهم أغث قلوبا بالإيمان وديارنا بالمطر اللهم أغث قلوبا بالإيمان وديارنا بالمطر اللهم أغث قلوبا بالإيمان وديارنا بالمطر اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابا ولا هدم ولا غرق اللهمّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|