فضائل كلمة التوحيد وشروطها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية، فإن تقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله.
ثم اعلموا رحمكم الله: أن خير الكلمات وأجلّها على الإطلاق، كلمة التوحيد لا إله إلا الله
فهي الكلمة التي لأجلها قامت الأرض والسموات وخلقت جميع المخلوقات، وبها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وشرعت الشرائع، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار وأبرار وفجار، وهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وعنها يسأل الأولون والآخرون يوم القيامة وهي العروة الوثقى وكلمة التقوى وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة وأساس الدين وأصله ورأس أمره، ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلاَّ هو العزيز الحكيم ﴾ آل عمران: ١٨ ، وكم لهذه الكلمة العظيمة، من الفضائل الجليلة والفواضل الكريمة والمزايا الجمّة، مما لا يمكن استقصاؤه ولا الإحاطة به.
عباد الله: إن الواجب على كل مسلم أن يعلم أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله، التي هي خير الكلمات وأفضلها وأكملها، لا تكون مقبولة عند الله بمجرد التلفظ بها باللسان فقط، دون قيام من العبد بحقيقة مدلولها أو تطبيق لأساس مقصودها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله، مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به، فبذلك يكون العبد مسلما حقا وبذلك يكون من أهل لا إله إلا الله.
عباد الله: وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة، أن ما سوى الله ليس بإله، وأن إلالهية ما سوى الله أبطل الباطل وإثباتها أظلم الظلم ومنتهى الضلال، قال الله تعالى: ﴿ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين﴾ الأحقاف: ٥ – ٦ ، وقال تعالى: ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير﴾ الحج: ٦٢ ، وقال تعالى: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ لقمان: ١٣ ، وقال تعالى: ﴿والكافرون هم الظالمون﴾ البقرة: ٢٥٤ ، والظلم عباد الله، هو وضع الشيء في غير موضعه، ولا ريب أن صرف العبادة لغير الله ظلم، لأنه وضعٌ لها في غير موضعها بل أنه أظلم الظلم وأخطره على الإطلاق.
عباد الله: إن لـ( لا إله إلا الله) هذه الكلمة العظيمة مدلولا لابد من فهمه ومعنى لابد من ضبطه، إذ غير نافع بإجماع أهل العلم النطق بها من غير فهم لمعناها ولا عمل بما تقتضيه، كما قال الله سبحانه: ﴿ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون﴾ الزخرف: ٨٦ ، ومعنى الآية كما قال أهل التفسير، أي إلا من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم، إذ إن الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به، فلو كانت عن جهل لم تكن شهادة، وتقتضي الصدق وتقتضي العمل بذلك، وبهذا عباد الله، يتبين أنه لابد في هذه الكلمة العظيمة من العلم بها مع العمل والصدق، فبالعلم ينجو العبد من طريقة النصارى، الذين يعملون بلا علم، وبالعمل ينجو من طريقة اليهود الذين يعلمون ولا يعملون، وبالصدق ينجو من طريقة المنافقين الذين يظهرون ما لا يبطنون، ويكون بالعلم والعمل والصدق من أهل صراط الله المستقيم من الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
عباد الله: إن لا إله إلا الله، لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتا، واعتقد بذلك وعمل به، أما من قالها وعمل بها ظاهرا من غير اعتقاد فهو المنافق، وأما من قالها وعمل بضدها وخالفها من الشرك فهو الكافر، وكذلك من قالها وارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعا من العبادة لغبر الله، كالدعاء والذبح والنذر والاستغاثة والتوكل والإنابة، والرجاء والخوف والمحبة ونحو ذلك، فمن صرف ما لا يصلح إلا لله من العبادات لغير الله، فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص، الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة.
عباد الله: إن لا إله إلا الله، معناها: لا معبود بحق إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، والإله في اللغة هو المعبود، ولا إله إلا الله، أي لا معبودا بحق إلا الله، كما قال الله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ الأنبياء: ٢٥ ، مع قوله تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ النحل: ٣٦ ، فتبين بذلك أن معنى الإله هو المعبود، وأن لا إله إلا الله، معناها إخلاص العبادة لله وحده واجتناب عبادة الطاغوت، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: "قولوا لا إله إلا الله، قالوا: ﴿أجعل الآلهة إلها واحد إن هذا لشيء عجاب﴾ ص: ٥، وقال قوم هود لنبيهم لما قال لهم قولوا: لا إله إلا الله، ﴿قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا﴾ الأعراف: ٧٠ قالوا ذلك وهو إنما دعاهم إلى لا إله إلا الله، لأنهم فهموا أن المراد بها، نفي الإلوهية عن كل مَنْ سوى الله، وإثباتها لله وحده لا شريك له، فلا إله إلا الله، اشتملت على نفي وإثبات، فنفت الإلهية عن كلِّ ما سوى الله تعالى، فكل ما سوى الله من الملائكة والأنبياء فضلا عن غيرهم، فليس بإله وليس له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره، أي لا يقصده بشيء من التأله وهو تعلّق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة، كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك.
عباد الله: فليست لا إله إلا الله، اسما لا معنى له أو قولا لا حقيقة له، أو لفظا لا مضمون له، بل هي اسم لمعنى عظيم وقول له معنى جليل هو أجل المعاني، وحاصله البراءة من عبادة كل ما سوى الله والإقبال على الله وحده، خضوعا وتذللا وطمعا ورغبا، وإنابة وتوكلا، وركوعا وسجودا، ودعاء وطلبا، فصاحب لا إله إلا الله، لا يسأل إلا الله ولا يستغيث إلا بالله ولا يتوكل إلا على الله ولا يرجو غير الله ولا يذبح إلا لله ولا يصرف شيئا من العبادة لغير الله، ويَكْفُر بجميع ما يُعبد من دون الله ويبرأ إلى الله من ذلك، فهذا عباد الله، هو صاحب لا إله إلا الله حقا، وهو المحقِّق لها صدقا.
اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، ، اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، اللهم أحيينا عليها وتوفنا عليها، اللهم وفقنا للقيام بها حق القيام وأدخلنا اللهم بها الجنة دار السلام، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد عباد الله:
اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله: إن النصوص الواردة في فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله، كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى، وهي تدلُّ على عظم شأن هذه الكلمة وجلالة قدرها ورفعة شأنها وكثرة خيراتها وبركاتها على أهلها، لكن على العبد أن يعلم أن لا إله إلا الله، هذه الكلمة العظيمة لابد لها من شروط لابد من تحقيقها، لها شروط لابد من تحقيقها وضوابط عظيمة لابد من القيام بها، دلّ عليها كتاب الله العزيز وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، سئل وهب بن منبّه رحمه الله وهو من أجلة التابعين، قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة، قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئتَ بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح، يشير بذلك إلى شروط لا إله إلا الله، وقيل للحسن البصري رحمه الله وهو من أجلة التابعين، قيل له أليس من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قال: بلى، من أدى حقها وفرضها دخل الجنة، والشاهد عباد الله: أن كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، لها شروط لابد من ضبطها والعناية بها والاهتمام بتحقيقها والعلماء رحمهم الله لما استقرؤوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تبين بهذا الاستقراء أن لا إله إلا الله، لها شروط سبعة لا تقبل إلا بها.
وهي: العلم بمعناها المنافي للجهل، واليقين بها المنافي للشك والريب، والصدق المنافي للكذب، والإخلاص المنافي للشرك والرياء، والمحبة المنافية للبغض والكره، والانقياد المنافي للترك، والقبول المنافي للرد.
فهذه شروط سبعة لهذه الكلمة العظيمة، دلّ على كل واحد منها عشرات الأدلة في كتاب الله عز وجلّ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والواجب علينا عباد الله أن يكون اهتمامنا بهذه الكلمة أكبر الاهتمام وأعظمه وأجلّه، وأن يكون اهتمامنا بها أعظم من اهتمامنا بأي شيء آخر.
ونسأل الله عز وجلّ أن يوفّقنا وإياكم للعمل بهذه الكلمة العظيمة وتحقيق شروطها والقيام بحقوقها، وأن يدخلنا وإياكم بها الجنة، وصلُّوا وسلّموا رحمكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إن الله وملائكته يصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب: ٥٦ وقال صلى الله عليه وسلم :" من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرا"، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الرّاشدين، الأئمة المهديين، أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربّ العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رأفة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، الله إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ونستعيذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما، اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وذرياتنا وأزواجنا واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين عليك بها قائلين بها وأتمها علينا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقّه وجله أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، واغفر لنا أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
|