آداب الوليمة
الحمد لله ، شرع الشرائع وأحكم الأحكام ، وبين الحلال وحرم الحرام ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ { .
أحمده وهو المحمود ، وأشكره ومنه الفضل والجود ، يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير الأنام ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ { فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
حديثنا في هذا اليوم ، عن آداب الوليمة ، والوليمة هي ما يصنع من طعام ، ويدعا إليه الناس ، وقد ذكر الناظم أنواع الولائم بقوله :
وليمة عرسٍ ثم خـرس ولادة
عقيقة مولودٍ وكيرة بان
وضيمة ذي موتٍ نقيعة قـادمٍ
عذيرٌ أو اعذارٌ ليوم ختانِ
ومأدبة الخلان لا سببٌ لها
حذاقة يوم الختم للقرآنِ
وعاشرها في النظم تحفة زائـرٍ
قرى الضيف مع نزلٍ له بأمانِ
هذه ـ أيها الأخوة ـ أنواع الولائم ، وليمة الزواج ، وما يصنع لسلامة المرأة من الطلق ، والعقيقة ، والسكن في البيت الجديد ، وللجار عندما يحل به مصيبة ، والمسافر إذا قدم ، وعند الختان ، والمأدبة التي تعمل بدون سبب معين ، والفرحة بختم القرآن ، ووليمة القرى وهي ما يصنع للضيف .
وهنا ـ أيها الأخوة ـ يهمنا ذكر آداب الوليمة ، وخاصة في هذه الأيام ، التي تكثر فيها الولائم ، وأكثر الناس ، من يجهل الآداب الشرعية للوليمة ، ولذلك تجد أن بعضهم ، يقع بالمحظور ، بل بالمحرم ، لعدم معرفته لآداب الوليمة .
أيها الأخوة :
من آداب الوليمة ، أن لا تكون الوليمة من أجل مدح الناس وثنائهم ، إنما تكون خالصة لوجه الله تعالى ، لأن الذي يقصد مدح الناس بولائمه ، ليقولوا جواد طيب ، أحد الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الذي في سنن الترمذي يقول e : (( إن الله إذا كان يوم القيامة ، ينزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية ، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال )) إلى أن قال r : (( ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله له : ألم أوسع عليك ، حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ، قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان جواد . فقد قيل ذلك )) .
ومن الآداب الهامة ، أخي المسلم:
عدم خص الأغنياء بالدعوة ، إنما تكون الدعوة ، للأقارب والجيران ، أغنيائهم وفقرائهم ، لأن النبي r في الحديث الذي رواه مسلم يقول : (( شر الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء )) وفي رواية : (( يمنعها من يأتيها ويدعي إليها من يأباها )) .
ومن الآداب ـ أيها الأخوة ـ الحذر من الإسراف ، فبعض الناس ، يدعو عشرة ، ويصنع طعاما يكفي لمائة ، وفي النهاية يكون مصير الطعام إلى المزابل ، وهذا من الإسراف الذي نهى الله U عنه ، وحذر الرسول r منه ، يقول تبارك وتعالى : } وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { ويقول الرسول r : (( كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا في غَيرِ إِسرَافٍ وَلا مخِيلَةٍ )) فالمسرف لا يحبه الله U حتى وإن أثنى الناس على وليمته .
ومن الآداب ـ أيها الأخوة ـ أن لا يكون في الوليمة شيء من المنكرات ، كتقليد الكفار ، ومحاكاة المترفين ، أو دعوة أناس فسقة ، أهل مجون وفحش وبذاءة ، يستهزئون بالدين ، ويتأذى بهم ومنهم المدعون ، من نكتهم الساذجة ، وطرائفهم وأضحوكاتهم .
هذه ـ أيها الأخوة ـ أهم الآداب ، ينبغي للمسلم أن يتأدب بها ، وأن يحرص عليها ، لتكون وليمته في ميزان حسناته ، لا في ميزان سيئاته يوم القيامة .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا جميعا في الدين ، إنه سميع مجيب .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ومما لا شك فيه ، أن الذي يتأدب بهذه الآداب ، من حقه أن تجاب دعوته ، وتحضر وليمته ، واستجابة الدعوة ـ أيها الأخوة ـ حق من حقوق المسلم على إخوانه ، كما في الحديث ((حق المسلم على المسلم خمس (وفي رواية ست) - وذكر منها - وإذا دعاك فأجبه )) وفي صحيح مسلم يقول r : ((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم وإن شاء ترك)) .
أما وليمة العرس خاصة ، فاستجابة الدعوة لها من الأمور الواجبة ، لقول الرسول r في الحديث : ((ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله )) .
أيها الأخوة :
ولوجوب إجابة الدعوة شروط هي :
أولا : أن يقصدك الداعي بدعوته بعينك ، سواء عن طريق البطاقة أو المكالمة ، أو يرسل لك شخصا معينا ، كسائقه أو ابنه .
ثانيا : أن يكون الداعي لك مسلما عاقلا بالغا ، فلا تلزم إجابة دعوة الكافر ولا المعتوه ولا الصبي .
ثالثا : أن لا تشتمل الوليمة على منكر ولا تستطيع تغييره ، أما إن كان باستطاعتك تغيير المنكر ، لزمتك الإجابة والتغيير .
أيها الأخوة :
وإذا كان في الوليمة منكر ، لا تستطيع تغييره ، أو كنت مريضا أو خائفا ، أو يحصل بحضورك أذى لك ، أو صاحب الوليمة ، من الذين يخصون بدعوتهم الأغنياء دون الفقراء ، أو يكون ممن يجب هجره شرعا ، ولا مصلحة ترجى من إجابته ، أو اعتذرت وقبل عذرك الداعي ، فإن التخلف لك عن الوليمة من الأمور المباحة .
أسأل الله U لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .اللهم وفق إمامنا ، وولي أمرنا ، خادم الحرمين الشريفين لهداك ، واجعل عمله برضاك ، وارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء ، أو بما لا يرضيك ، أو بما يخالف كتابك وسنة نبيك r ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|