أيها الأخوة المؤمنون :
الزواج ـ كما ذكرنا فيما سبق ـ نعمة عظيمة ، ولكن من واجب هذه النعمة ، شكرها وإحاطتها بما يرضيه سبحانه ، والحذر مما يغضبه جل جلاله . و من المسلمين اليوم ، من لا يقدر هذه النعمة ، ولا يعرف فضلها ، ولذلك تجده يحيطها بأنواع من المخالفات وكثير من المنكرات ، وسوف نذكر شيئا منها ، ولكن قبل ذلك ؛
أذكر بثلاث مسائل هامة :
المسألة الأولى :
أن من الناس ، من يحاول أن يأتي بأشياء ، لم يسبق إليها ، يريد أن يتميز ، يريد أن يكون زواجه أو زواج ابنه أو ابنته لا مثيل له ، حتى ولو جاء بأشياء منكرة ، حتى وإن سن سننا سيئة ، فنذكر هذا بقول نبيه r : (( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا )) .
المسألة الثانية :
أن من الناس من يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، ومنهم من يكون على العكس من ذلك ، يكون مفتاحا للشر مغلاقا للخير ، فطوبى لمن كان
مفتاحا للخير مغلاقا للشر .
المسألة الثالثة :
أن من كوارث هذه الأمة ، ونكباتها المتأصلة ، محاكاة الغير ، وتقليد من هب ودب ، من الكفار والمشركين والمنافقين وغيرهم ، فإلى من بلي بهذا الداء نقول ؛ ما قاله النبي r : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
هذه المسائل الثلاث ، ضعوها في أذهانكم واستعرضوا معي تلك المخالفات ، والتي من أهمها وأخطرها : منع المرأة ـ أو قل الفتاة ـ من الزواج .
منعها من الزواج ، عندما يتقدم الكفء لنكاحها ، و الكفء ـ أيها الأخوة ـ ليس كما يفهمه بعضهم ، بأنه كثير المال ، عظيم الجاه ، الجامعي ، الذي لم يتزوج ولم يطلق ، لا ، الكفء الذي قصده الشارع ، هو مرضي الدين والخلق . هذا ما نص عليه الدليل ، كما في قول النبي r : (( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ـ أي زوجوه ـ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) .
فإذا جاءك مرضي الدين والخلق ، لا تمانع من تزويجه ، واحذر أن تكون سببا في الفتنة والفساد الكبير لابنتك .
ومن المخالفات ، بل قل : من العراقيل ، التي صارت عائقا للزواج :
التكاليف الباهظة ، نتيجة غلاء المهور ، والمباهاة في حفلات الزواج ، واستئجار القصور بمبالغ طائلة ، وغير ذلك من أمور لا مبرر لها إلا إرضاء النساء والسفهاء ، ومجاراة المبذرين السخفاء .
وتأملوا ـ أيها الأخوة ـ ما عليه الناس أو بعضهم في هذه الأيام ، وما كان عليه السلف الصالح ، وخاصة النبي r ، الذي لو جمعنا بنات الدنيا ما جئنا كواحدة من نسائه أو بناته رضي الله تعالى عنهن .
يقول عمر بن الخطاب t : ( لا تغلوا في صدق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة ، كان أولاكم بها النبي r ، ما أصدق رسول الله r ، امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امراة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقيه ) ، يعني مائة وعشرون ريالا ، مائه وعشرون فقط ، ليست مائه وعشرون ألف ! بل غضب r وعاتب الرجل الذي دفع أربع أواق صداقا لزوجته ، سأله قال تزوجت ؟ قال الرجل : نعم . قال
r : (( على كم )) يعني كم الصداق ؟ قال : على أربع أواق . فقال النبي r مستعجبا : (( على أربع أواق ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ! )).
فكيف لو رأى r ، بعض الزيجات في هذا الزمان ! فيسروا الزواج أيها الأخوة ، قللوا تكاليفه ، ففي المستدرك يقول r : (( خير الصداق أيسره )) ، وفي مسند الأمام أحمد يقول r : (( إن من يمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها )) .
الصداق ليس ثمنا للمرأة ، إنما هو تكرمة لها ، وتطييبا لنفسها .
وهناك ـ أيها الأخوة ـ مظاهر زائفة ، تكون سببا في التغالي في المهور ، منها :
رغبة الزوج ، بأن يظهر بمظهر الغني القادر ، فيستدين ، ويستلف ، ويبيع إن كان له شيئا يباع ، ليقولوا عنه : إنه غني ، إنه ثري ، ونسي المسكين ، أنهم بعد أيام سوف يكتشفون حقيقته ، وخاصة عندما يكثر طرق الدائنين لبابه .
ومن المظاهر أيضا : الطمع والجشع الذي يصيب بعض الأولياء ، فمنهم من يعلق آماله ، على هذه الفتاة ، فإذا أراد سيارة ، قال إذا تزوجت
فلانه ، وإذا أراد أثاثا ، قال : إذا تزوجت فلانة ، وبعضهم يحسب ما صرف عليها ، منذ طفولتها ، من الحليب إلى الدفاتر إلى الثياب ، فيريد استرجاع ما صرف عليها من صداقها ، فهذا والله عمي عن قيمة الزواج وأهدافه .
ومن المظاهر أيضا : التقليد الأعمى للناس ، بل قل ، حب التميز عليهم ، للسلامة من كلامهم وتجريح ألسنتهم ، فما عمله فلان ، فلا بد أن يعمل فلان أكثر منه ، وإلا ينسب للتقصير ، وقد سمعنا من هذا والله بآذاننا ، إذا قلت : يا فلان أتق الله . قال : ما ذا نقول للناس ؟ وما ذا يقول الناس عنا ؟ نريد هذا أمام الناس . فهم يخافون من الناس أشد خوفا من الله .فتعسا لهم .
ومن المظاهر أيضا التي تسببت في غلاء المهور ، وعرقلت الزواج:
إسناد الأمور إلى النساء ، صارت النساء هن اللواتي يتحكمن في الزواج ، المهر يتحكم بمقداره النساء ، القصر يختاره النساء ، الذهب يختار كميته ومقداره النساء ، وعندما تسأل أحدهم : ما هذا يا فلان ؟ قال بكل صراحة ووقاحة : ماذا نفعل بالنساء ؟
فيا سبحان الله ، القوامة لمن ؟
فاتقوا الله يا عباد الله ، كونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، سنوا سننا حسنة ، يكون لكم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ومن المخالفات في الزواج:
ظاهرة تجهيز العروس من الخارج ، فهذه ظاهرة يفعلها بعض الناس من باب المباهاة والمفاخرة ، فلم يكتفوا بما يوجد بين أيديهم وفي أسواقهم ، فصاروا يسافرون إلى خارج المنطقة ، ليقال تجهزوا من مدينة كذا لزواجهم .
ومن المخالفات أيضا ، ظاهرة أكثر سوءا من التي قبلها
وهي ظاهرة السفر بعد الزواج مباشرة إلى الخارج ، ولا يخفى على عاقل المخاطر الكبيرة ، المترتبة على ذلك .
ومن المخالفات في الزواج : ما يحدث ليلة الزواج من منكرات ، ومن ذلك استعمال آلات الطرب ، واستخدام مكبرات الصوت ، واستقدام المطربات ، واستئجارهن بمبالغ باهظة ، والاستماع لأصواتهن بالألحان الموسيقية والنغمات التي تهيج النفوس .
وإعلان النكاح أمر مطلوب ، وإظهار الفرح أمر مشروع ، ولكن بما أباح الله .
ومن المنكرات في الزواج: ما يعرف بالتشريعة ، تلك العادة السيئة المنكرة ، التي تسللت إلى مجتمعنا الطاهر ، وانتشرت بسبب حب التقليد ومحاكاة الناس ، وفيها من المخالفات ما الله به عليم ، من إسراف وتبذير واختلاط وابتداع وغير ذلك . ليس لها أصل في الشرع إنما جاءت من الأفلام والمسلسلات . يقول الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : فالواجب منع ذلك والقضاء عليه .
وأخيرا من المخالفات: التهنئة الجاهلية ، وهي قولهم بالرفاء والبنين ، وخير منها ما جاء عن النبي r : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير . اسأل الله U لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والعمل بسنة سيد المرسلين ، والسير على ما سار عليه أسلافنا من الصالحين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين ، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور ، وبعمل متقبل مبرور. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل برحمتك يا أرحم الراحمين .
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .
عباد الله :
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .