لِلْمُقَصِّرِيْنَ بَعْدَ رَمَضَاْن
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا
، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ
اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، هِيَ وَصِيَّةُ
اللهِ لِخَلْقِهِ ، الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ
عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ
:
وَتَمْضِي الْأَيَّامُ وَيَنْتَهِي رَمَضَانُ ، رَمَضَانُ
الَّذِي اسْتَثْقَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ . رَمَضَانُ الَّذِي لَمْ يُبَالِ بِهِ بَعْضُ
النَّاسِ . رَمَضَانُ الَّذِي دَخَلَ وَانْقَضَى وَلَمْ يَفْطِنْ لَهُ بَعْضُ النَّاسِ
. رَمَضَانُ الَّذِي جُعِلَ لِمُتَابَعَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ
. رَمَضَانُ الَّذِي رَغِمَتْ فِيهِ أُنُوفُ بَعْضِ النَّاسِ ، انْتَهَى ، نَعَمِ
انْتَهَى ، مَرَّ شَهْرٌ كَامِلٌ ، وَانْقَضَى وَكَأَنَّهُ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ ،
فَيَا لَحَسْرَةِ الْمُفَرِّطِينَ ، وَيَا لَنَدَامَةِ الْغَافِلِينَ ، فَاتَ رَمَضَانُ
وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهُ . تَارِكُ الصَّلَاةِ ؛فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ لِيَتَعَوَّدَ
عَلَى الصَّلَاةِ ، الَّذِي يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ؛ فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ لِيَكُونَ
مِنْ عُمَّارِ بُيُوتِ اللهِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ ﴾ ، الَّذِي لَا يَحْلُو لَهُ الْمَجْلِسُ إِلَّا بِأَكْلِ لُحُومِ
النَّاسِ ؛ فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ . الَّذِي لَا تَفْتُرُ عَيْنُهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى
مَا حَرَّمَ اللهُ ؛ فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ . الْمُدَخِّنُ الَّذِي يَحْرِقُ مَالَهُ
وَيَحْرِقُ جِسْمَهُ ، وَيَحْرِقُ دِينَهُ ؛ فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ . الْهَاجِرُ لِكِتَابِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، الَّذِي بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ عَشَرَاتِ السِّنِينَ ، وَلَمْ
يَخْتِمْ كِتَابَ اللهِ مَرَّةً ؛ فَاتَتْهُ فُرْصَةٌ . قَاطِعُ الرَّحِمِ ، الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، النَّمَّامُ ، آكِلُ الرِّبَا ، مَانِعُ الزَّكَاةِ ، فَاتَتْهُمْ
فُرْصَةٌ .
وَلِلْعَاقِلِ أَنْ يُدْرِكَ نَفْسَهُ ، لِلْعَاقِلِ
أَنْ يُدْرِكَ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ ،الَّتِي لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَيْهَا
فِي رَمَضَانَ ، وَالشَّيَاطِينُ مُصَفَّدَةٌ ، وَأَبْوَابُ النَّارِ مُغْلَقَةٌ ،
وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ ، عَلَيْهِ أَنْ يُدْرِكَهَا قَبْلَ أَنْ تَفُوتَهُ
الْفُرْصَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُهَا ، قَبْلَ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ قَوْلُ
اللهِ تَعَالَى : ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ، أَدْرِكْ نَفْسَكَ
يَا عَبْدَ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِحَقِّكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ ﴾ فَتَطْلُبُ الرَّجْعَةَ ، تَطْلُبُهَا
لِمَاذَا ؟ تَرَى لِتَعُودَ لِتَقْصِيرِكَ وَإِهْمَالِكَ ! كَلَّا ، تَطْلُبُ الرَّجْعَة
لِتَعْمَلَ ! قَالَ تَعَالَى : ﴿ حَتَّى إِذَا
جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً
فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ فَيُقَالُ لَهُ : ﴿ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ
بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ . انْتَهَى الْعَمَلُ ، دَارُ الْعَمَلِ تَرَكْتَهَا ، أَمْهَلَكَ اللهُ أَيَّامًا
وَشُهُورًا وَأَعْوَامًا ، وَلَكِنَّكَ قَضَيْتَهَا وَأَمْضَيْتَهَا فِي شَهَوَاتِكَ
وَمَلَذَّاتِكَ الْمُحَرَّمَةِ ، كَلَّا . كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
هُنَاكَ أَمْرٌ إِذَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ ، وَصَدَقَ
فِيهِ ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ ، وَمُحِيَتْ سَيِّئَاتُهُ ، بَلْ وَجُعِلَتْ حَسَنَاتٍ
، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ . يَغْفِرُ اللهُ ذُنُوبَ مَنْ فَعَلَهُ
، حَتَّى وَلَوْ بَلَغَتْ عَنَانَ السَّمَاءِ ! إِنَّهَا التَّوْبَةُ ! نَعَمِ التَّوْبَةُ
! وَوَقْتُهَا الْآنَ ، الْآنَ ! فِي هَذِهِ السَّاعَةِ ، مَنْ أَخْبَرَنَا هَذَا
؟ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُبَيِّنُ هَذَا الْأَمْرَ
الَّذِي يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، حَتَّى يُدْرِكَهُمُ الْمَوْتُ ،
فَيَكُونُوا رُهَنَاءَ ذُنُوبِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ ، بِسَبَبِ تَرْكِهِمْ لِلتَّوْبَةِ
.
يَقُولُ سُبْحَانَهُ : ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾ ، أَيْ : يُكَرَّرُ عَلَيْهَ وَيُغَلَّظُ ، وَيَكُونُ فِيهِ حَقِيرًا ذَلِيلًا
، هَذَا مَتَى ؟ إِذَا مَاتَ دُونَ تَوْبَةٍ ، أَمَّا إِذَا تَابَ فَاسْمَعُوا مَاذَا
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ مَا أَحْسَنَ التَّوْبَةَ يَا عِبَادَ اللهِ !
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ ﴾ هَذَا جُزْءٌ مِنْ آيَةٍ فِي سُورَةِ
الْبَقَرَةِ ، يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، يُحِبُّهُمْ وَيُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
!
بَلْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ، يَفْرَحُ اللهُ بِتَوْبَةِ
الْعَبْدِ ، تَتُوبُ يَا عَبْدَ اللهِ ، فَيَفْرَحُ اللهُ بِتَوْبَتِكَ ، يَقُولُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَلَّهُ أَفْرَحُ
بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ ، وَمَعَهُ
رَاحِلَتُهُ ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً
، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ
وَالْعَطَشُ ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ ، قَالَ
: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي ، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا
رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ )) اللهُ أَكْبَرُ أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ ، كَمْ مِقْدَارُ فَرْحَتِهِ ، بَعْدَ أَنْ رَأَى الْمَوْتَ ، جَاءَتْ
رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ؛ إِذَا تُبْتَ يَا عَبْدَ اللهِ
، فَإِنَّ اللهَ يَفْرَحُ بِتَوْبَتِكَ أَشَدَّ فَرَحًا مِنْ هَذَا بِحَيَاتِهِ . وَاللهِ
لَوْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ أَمْرًا دُنْيَوِيًّا ، يُفْرِحُ مَسْئُولًا ، لَتَقَاتَلَ
النَّاسُ عَلَيْهِ . فَإِلَى اللهِ نَشْكُو ضَعْفَ إِيمَانِنَا .
يَا مَنْ فَاتَتْهُمْ فُرْصَةُ رَمَضَانَ ، بَادِرُوا
بِالتَّوْبَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ فَوَاتِ أَوَانِهَا ، أَقْلِعُوا عَنْ ذُنُوبِكُمْ
، اعْزِمُوا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ ، أَكْثِرُوا مِنَ النَّدَمِ
عَلَى تَفْرِيطِكُمْ ، وَتَذَكَّرُوا بِأَنَّ اللهَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : (( يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ،
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )) .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا
وَعَلَيْكُمْ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ ، وَأَوْبَةٍ خَالِصَةٍ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ
.
أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ،
وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ
:
اعْتَادَ الْبَعْضُ مِنَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى
الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ ، فَوَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي انْتِهَاءِ رَمَضَانَ ،
بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا صِيَامَ وَلَا قِيَامَ ، يَظُنُّ بَعْضُهُمْ
أَنَّ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ فَقَطْ فِي رَمَضَانَ ، وَهَذَا لَا شَكَّ مِنَ الْجَهْلِ
بِالدِّينِ .
فَالصِّيَامُ مَشْرُوعٌ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِ
رَمَضَانَ ، صِيَامُ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، وَهُنَاكَ
التَّطَوُّعُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ
اللهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ النَّارَ عَنْهُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، وَلَنَا فِي رَسُولِ
اللهِ أُسْوَةٌ ، فَقَدْ كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، وَلَمَّا سَأَلُوهُ
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ، فَأُحِبُّ
أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )) وَأَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ ، وَذَكَرَ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ ، الَّذِي كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا .
فَالصِّيَامُ مَشْرُوعٌ حَتَّى بَعْدَ رَمَضَانَ ،
وَهَاهُوَ شَوَّالٌ ، صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْهُ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ كَصِيَامِ
الدَّهْرِ .
وَأَمَّا الْقِيَامُ ، فَأَيْضًا يُشْرَعُ فِي غَيْرِ
رَمَضَانَ ، بَلْ هُوَ شَرَفُ عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَدَيْدَنُ الصَّالِحِينَ
، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ كَانُوا
قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ يَقْضُونَ لَيْلَهُمْ بِالسَّهَرِ ؛ يَا تُرَى مَا الَّذِي أَسْهَرَهُمْ ؟ مُتَابَعَةُ
الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ ؟ لَا وَاللهِ ؛ أَسْهَرَهُمْ قِيَامُ اللَّيْلِ ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ .
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ : يَعْنِي : تَرْتَفِعُ وَتَنْزَعِجُ
عَنْ مَضَاجِعِهَا اللَّذِيذَةِ ، إِلَى مَا هُوَ أَلَذُّ عِنْدَهُمْ مِنْهُ وَأَحَبُّ
إِلَيْهِمْ ، وَهُوَ الصَّلَاةُ فِي اللَّيْلِ وَمُنَاجَاةُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ
.
فَقِيَامُ اللَّيْلِ مَشْرُوعٌ حَتَّى فِي غَيْرِ
رَمَضَانَ ، بَلْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ مِنْ
تَرْكِهِ لِمَنِ اعْتَادَ عَلَيْهِ ، فَقَدْ جَاءَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ
لَهُ : (( يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ
يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ )) .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا
نَافِعًا ، وَعَمَلًا خَالِصًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ مَغْفِرَةَ ذُنُوبِنَا وَسَتْرَ عُيُوبِنَا ، بِرَحْمَتِكَ يَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ التَّوْفِيقَ لِهُدَاكَ ،
وَالْعَمَلَ فِي رِضَاكَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُحْيِيَنَا سُعَدَاءَ
، وَأَنْ تَتَوَفَّانَا شُهَدَاءَ ، وَأَنْ تَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ
، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ
الْمُسْلِمِينَ ، وَذُلَّ الشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ
عَلَيْنَا خِيَارَنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ
وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا
وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ
وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ . ﴿رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ ﴾.
عِبَادَ اللهِ :
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا
بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ
تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾. وأقمِ الصلاة .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|