ليس
هناك ما يُسمى حرية اعتقاد
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقُوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا
أَنَّ الإِسْلامَ هو الدِّينُ الذي لا يَرْضَى اللهُ دِيناً سِواه، هُوَ دِينُ
الرُّسُلِ جَمِيعاً، ومِنْ أَجْلِهِ خُلِقَ الثَّقَلان جميعاً، والذي يَجِبُ على
الناسِ جميعاً أن يَعِيشُوا في هذه الدنيا في ظِلِّه، قال تعالى: ( إنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ ). وهو أَيضاً الدِّينُ الذي سَيُسْأَلُونَ عَنْهُ في
قُبُورِهِم، فيُقالُ لِكُلِّ مَقْبُورٍ: ( ما دِينُك )، وهو أَيْضاً الدِّينُ الذي
سَيُسْأَلُون عنه يومَ القِيامَة، كما قال تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الإسلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه وَهُوَ في الآخِرَةِ مِن الخاسِرِين ).
فهذِه المَراحِلُ الثلاثُ التي يَمُرُّ بِها الجميع – الدُّنيا، والقَبْرُ، ويَوْمُ القِيامَة – كُلُّها تَدُلُّ عَلَى أَنَّه لا خِيارَ لِلْعِبادِ إلا
الإسلامُ. وإلا الخَسارةُ والهَلَاكُ. فَلا تَغُرَّنَّكُم الدَّعَواتُ الباطِلَةُ
المُزَخْرَفَةُ التي يُنادِي بِها شَياطِينُ الجِنِّ والإنْسِ، ومَا يُلَبِّسُونَه
عَلَيْهِم مِن الشُّبُهاتِ وزُخْرُفِ القَولِ، مِنْ أَنَّ الإنسانَ حُرٌّ فيما
يَعْتِقِد، فإِنَّها مِن زُخْرُفِ القَوْلِ وشُبُهاتِ المُبْطِلين، مِن شَياطِينِ
الجِّنِّ والإنْسِ، الذين يَتَحالَفُونَ عَلَى مِثْلِ ذلكَ، لِلتَلْبِيسِ عَلى
الناسِ وإِفْسادِهِم، قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا
شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ). فلا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنا
حُرٌّ فيما أَعْتَقِدْ، مُسْتَدِلاًّ بِقَولِهِ تعالى: ( لا إِكْراهَ في الدِّين )، فيَتَمَسَّكُ بِهذِه الجُمْلَةِ، ويَتْرُكُ تَتِمَّةَ الآيَةِ وما بَعْدَها.
فَإِنَّ قَوْلَهُ ( لا إِكْراهَ )، يَتَضَّمَّنُ ثَلاثَةَ مَعانٍ، أَوَّلُها: أَنَّ
هِدايَةَ القُلُوبِ بِيَدِ اللهِ, ولَيْسَت بِيَدِ البَشَر, وإِنَّما الذي بِيَدِ
البَشَرِ هُو الدَّعْوةُ والنَّصيحَةُ. والمَعْنَى الثاني: أَنَّ الإنسانَ لا
يَحْتاجُ في دُخُولِ الإِسْلامِ إلى إكراهٍ، لِأَنَّه مَولُودٌ على الفِطْرَةِ، وهي الإسلام، ومُهَيَّأٌ لِقَبُولِ أحْكامِ الشريعةِ، وَفَوْقَ ذلك: جاءَه مَن
يَدْعُوه إلى الإسلام، فَهُوَ جاهِزٌ جاهِزِيَّةً تامَّةً لِدُخُولِ الإسلامِ
بِدُونِ إِكْراه، ولِذلِكَ لَمَّا قالَ اللهُ: ( لا إِكْراهَ فِي الدِّين )، قال
بَعْدَها ( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِن الغَيّ ). فَأَيُّ عُذْرٍ يَعْتَذِرُ بِهِ بَعْدَ ذلك؟
وأَيُّ حُجَّةٍ يَحْتَجُّ بها يَومَ القِيامَة؟. والمَعْنَى الثالِث: أَنَّ
قَبُولَ القَلْبِ شَرْطٌ مِن شُرُوطِ الشَّهادَتَين، فَمَن كان كارِهاً لِهذا
الدِّين وغَيْرَ قابِلٍ لَه، فإنه لا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ في الإسلامِ.
وكذلك لا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَجَّجَ بِقَولِه تعالى: ( فَمَنْ شاءَ
فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) لِأَنَّ هذا أُسْلُوبُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، يَفْهَمُهُ المُتَعَلِّمُ والبَلِيدُ، وليسَ أُسْلُوبَ تَخْيِيرٍ، ولِأَنَّ اللهَ
يَسْتَحِيلُ أَن يأْمُرَ بالكُفْر، وقَدْ أَجْمَعَ المُفَسِّرونَ على أَنَّ
المُرادَ بالآيَةِ الكَريمَةِ: الوَعِيدُ والتَهْدِيدُ الشَدِيدُ، ولذلكَ قال
اللهُ بَعْدَها: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ ). وصِيَغُ التَّهْدِيدِ في القُرآنِ كَثِيرَة، وهذِهِ منها، كَما يَقُولُ المُعَلِّمُ لِتَلامِيذِه: " اعْمَلُوا ما
شِئْتُم، فَإِنَّ الوَعْدَ نِهايَةُ العام ". فإنَّ كُلَّ طالِبٍ ولَو كانَ
بَلِيداً سَوفَ يَفْهَم مِن هذا الكَلامِ التَهْديدَ والتَخْوِيفَ. وهذِهِ الآيَةُ
هي نَظِيرُ قَولِهِ تعالى: ( أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ
خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي
آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).
ومِن العَجِيبِ أيضاً، أَنْ يَسْتَدِلَّ
بَعْضُ مَنْ يُرِيدُ الانْفِلاتَ بِقَولِهِ تعالى: ( لَكُم دِينُكُم ولِيَ دِين )، وهذا مِن أَعْجَبِ العُجابِ، أَنْ يُفْهَمَ مِن هذهِ الآيَةِ حُرِّيَةُ اخْتِيارِ
المِلَّةِ والعَقِيدَةِ، فإِنَّ كُفارَ قُريشٍ، الذين نَزَلَت هذه الآيَةُ في
زَمَنِهِم وهُم يَسْمَعُون، لَمْ يَفْرَحُوا بِها، لِعِلْمِهِم أَنَّها
تَتَضَمَّنُ الصَّدْعَ والجَهْرَ بِالبراءَةِ مِنْهُم، ولَكِن إذا غَلَبَ الجَهْلُ
وانتَكَسَتْ المَفاهِيمُ وفَسَدَ التَّصَوُّرُ، فَلا تَعْجَبْ حِينَما تَسْمَعُ
مِثْلَ هذا التفسِيرِ. بَلْ إِنَّ سُورَةَ الكافِرُون بِأَكْمَلِها، هِيَ
تَطْبِيقٌ عَمَلِيٌّ لِلْوَلاءِ والبَراءِ، وبَراءَةٌ مِن الكُفَّارِ وكُفْرِهِم، واعْتِزَازٌ بِالتَّوحِيدِ، وإِعْلانُ ذلكَ صَراحَةً، واعْتِرافٌ لا يَعْتَريهِ
شَكٌّ بِبُطْلانِ ما عَلَيْهِ الكُفَّار، وتَيْئِيسٌ لِلْكافِرِين مِن الطَّمَعِ
في التَّأْثِيرِ عَلى المُوَحِّدِين. فَهذِه السُّورةُ تَأْمُرُ المُسْلِمَ بِأَنْ
يَتَبَرَّأَ مِن الكُفَّارِ بِقَلْبِهِ ولِسانِهِ وعَمَلِه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ
الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّكُم عَبيدٌ لِلّهِ. خَلَقَكُم لِغايَةٍ
واحِدَةٍ فقط، ألا وَهِي عِبادَةُ اللهِ، وفِعْلُ أَوامِرِه، وتَرْكُ نَوَاهِيه، فَلا تُعْطُوا الدنيا أَكْبَرَ مِمَّا وَصَفَها الله، واعْمَلُوا لِلأَمْرِ الذي
خُلِقْتُم مِن أَجْلِه، وتَذَكَّرُوا أَنَّ اللهَ الذي قال: ( لا إِكْراهَ في
الدِّين )، هو الذي أَمَرَ بالدعوةِ إلى دِينِهِ، وأَمَرَ بِمُوَلاةِ
المُؤْمِنينَ، ومُعاداتِ الكافرين، وهُو الذي أَوْجَبَ على عِبادِه الأَمْرَ
بالمعروفِ والنهْيَ عن المُنْكَر، وهو الذي أَمَرَ بِجَلْدِ الزانِي وقَطْعِ يَدِ
السارق، ولَعَنَ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَه، وشاهِدَيْهِ وكاتِبَه، ولَعَنَ الراشيَ
والمُرْتَشِي، ولَعَن الخَمْرَ وشارِبَها وبائِعَها، وأَوجَبَ على عِبادِهِ
الصلاةَ مَعَ الجماعةِ، وأَداءَ الزكاةِ، وصَومَ رَمضانَ، وحجَ بيتِ اللهِ الحرام، وبِرَّ الوالِدَين، وصِلَةَ الرَّحِم، وحُسْنَ الجِوار.
اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين, واحفظنا بالإسلام قاعِدِين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين،
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ثبتنا على دينك
وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال
من رزقك، اللهم
أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا
آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل
شر، اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل
باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع
رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين،
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد
لها، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في
تدميره يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها
وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ
وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|