لِأُولِيْ اَلْنُّهَىْ اَلَّتِيْ نَقَضَتْ غَزْلَهَاْ
اَلْحَمْدُ للهِ، } لَهُ
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ، ذِي
الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ
وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ } يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ، وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ
مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ{ . وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ ،
وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وأصحابه ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
اِتَّقُوْا اَللهَ U
، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رِبُّكُمْ بِذَلِكَ فَقَاْلَ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { ، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ
عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ U
، مُخَاْطِبَاً عِبَاْدَهُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ : } وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا
عَاهَدْتُمْ ، وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ، وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
{
، فَفِيْ هَذِهِ اَلْآيَاْتِ ، يَأْمُرُ U
عِبَاْدَهُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ بِاَلْوَفَاْءِ بِعَهْدِهِ ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ نَقْضِهِ
، وَأَنْ لَاْ يَكُوْنُوْا } كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، مِنْ بَعْدِ
قُوَّةٍ أَنْكَاثًا {
وَهِيَ اِمْرَأَةٌ فِيْ مَكَّةَ ، ذُكُرَ أَنَّهَاْ كَاْنَتْ اِمْرَأَةً خَرْقَاْءَ
مُخْتَلَّةَ اَلْعَقْلِ ، وَلَهَاْ جَوَاْرٍ ، فَكَاْنَتْ تَغْزِلُ هِيَ وَجَوَاْرِيْهَاْ
مِنْ اَلْغَدَاْةِ إِلَىْ اَلْظُّهْرِ ، ثُمَّ تَأْمُرُهُنَّ فَتَنْقِضُ مَاْ غَزَلَتْهُ
، وَهَكَذَاْ تَفْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ ، فَجَعَلَهَاْ اَللهُ U
مَثَلَاً لِمَنْ لَاْ يَأْفِ بِعَهْدِهِ ، وَلَاْ يُنْجِزُ وَعْدَهُ ، } وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنْكَاثًا {
.
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَذِكْرُ اَللهِ U
، لِهَذِهِ اَلْمَرْأَةِ اَلَّتِيْ تَنْقُضُ غَزْلَهَاْ ، لَمْ يَأْتِيْ عَبَثَاً
، وَلَاْ سَدَّاً لِفَرَاْغٍ فِيْ كِتَاْبِ اَللهِ U
، فَكَمَاْ قَاْلَ
سُبْحَاْنَهُ} : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ { ، فَمَاْ هُوَ إِلَّاْ مِنْ
بَاْبِ اَلْتَّحْذِيْرِ ، لِأَنَّهُ سَوْفَ يُوْجَدُ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ، وَمَاْ
أَكْثَرَ اَلَّذِيْنَ يَنْقِضُوْنَ عُهُوْدَهُمْ ، وَلَاْ يَفُوْنَ بِوُعُوْدِهِمْ
دُوْنَ مُبَرِرٍ شَرْعِيٍّ ، فَذَلِكَ يُعْتَبَرُ مِنْ اَلْرُّعُوْنَةِ وَاَلْحُمْقِ
، وَصَاْحِبُهُ مُعَرَّضٌ لِلْذَّمِّ وَاَلْاِسْتِهْزَاْءِ وَاَلْاِزْدِرَاْءِ ، فَنَقْضُ
اَلْأَيْمَاْنِ بَعْدَ تَوْكِيْدِهَاْ ، وَنَقْضُ اَلْعُهُوْدِ مَعَ اَللهِ U
أَوْ مَعَ اَلْنَّاْسِ ، أَمْرٌ لَاْ يَصْدُرُ مِنْ عَاْقِلٍ مَهْمَاْ
كَاْنَ ، فَاَلْعُهُوْدُ وَاَلْعُقُوْدُ اَلَّتِيْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اَللهِ ، أَوْ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ اَلْخَلْقِ ، فِيْمَاْ فِيْهِ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوُيَّةٌ أَوْ اُخْرَوُيَّةٌ
لِلْبِلَاْدِ وَاَلْعِبَاْدِ ، يُعْتَبَرُ عَمَلَاً صَاْلِحًا ، وَشَرْعًا وَدِيْنًا
لَاْ يَنْبَغِيْ نَقْضُهُ وَلَاْ إِفْسَاْدُهُ ، بَعْدَ إِبْرَاْمِهِ وَإِحْكِاْمِهِ
. فَإِنْ فَعَلَتَ وَنَقَضْتَ ؛ صِرْتَ مِنْ اَلْجُهَلَاْءِ وَتَشَبَّهْتَ بِاَلْسُفَهَاْءِ
، اَلَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ مَاْ لَاْ يَفْعَلُوْنَ، وَيَفْعَلُوْنَ مَاْ لَاْ يَعْقِلُوْنَ
، وَعَمَلُكَ اَلْسَّيْئُ ، كَنَقْضِ اَلْمَرْأَةِ اَلْحَمَقَاْءِ لِغَزْلِهَاْ
مِنْ بَعْدِ مَاْ أَبْرَمَتْهُ وَأَتْقَنَتْهُ ، فَلَاْ هِيَ تَرَكَتْ اَلْغَزْلَ
فَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَاْ هِيَ كَفَّتْ عَنْ اَلْعَمَلِ بِهِ مِنْ اَلْبِدَاْيَةِ
وَاَسْتَرَاْحَتْ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ هَذَاْ اَلْعَمَلَ
اَلْمَشِيْنَ ، اَلَّذِيْ حَذَّرَ اَللهُ U
مِنْهُ، وَشَنَّعَ عَنَّهُ ، وَسَفَّهَ مَنْ يَقُمْ بِهِ ، يَقَعُ بِهِ كَثِيْرٌ
مِنْ اَلْنَّاْسِ، وَمِنْ أُوْلَاْئِكَ اَلْحَمْقَاْءِ اَلْسُّفَهَاْءِ، اَلَّذِيْنَ
يَتَنَكَّرُوْنَ لِوُلَاْةِ أَمْرِهِمْ، وَلَاْ يَفُوْنَ بِوُعُوْدِهِمْ وَعُهُوْدِهِمْ
لَهُمْ، وَعَلَىْ رَأَسِهِمْ اَلَّذِيْنَ
لَاْ يَفُوْنَ بِبَيْعَتِهِمْ ، وَتَصْدُرُ مِنْهُمْ بَعْضُ اَلْأَعْمَاْلِ اَلَّتِيْ
تُنَاْفِيْ صِدْقِهِمْ وَإِخْلَاْصِهِمْ لِمَنْ وَلَاْهُمُ اَللهُ أَمْرَهَمْ ، فَهَؤُلَاْءِ
عَلَىْ خَطَرٍ عَظِيْمٍ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، عَنْ أَبِيْ
هُرَيْرَةَ t قَاْلَ : قَاْلَ رَسُوْلُ اَللَّهِ e
: (( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ،
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ ، يَمْنَعُهُ
مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَحَلَفَ
لَهُ بِاللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وكَذَا ، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهَ إِلَّا لِلدُّنْيَا ، فَإِنْ
أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَىْ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ )).
وَكَذَلِكَ ـ أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ ـ مِنْ اَلَّذِيْنَ يُشْبِهُوْنَ تَلْكَ اَلْمَرَّأَةِ اَلْحَمَقَاْءِ، اَلَّتِيْ تَنْقِضُ غَزْلَهَاْ ، وَحَذَّرَ اَللهُ مِنْ فِعْلِهَاْ، بَعْضُ اَلْمُوَظَّفِيْنَ،
اَلَّذِيْنَ يَتَهَاْوَنُوْنَ بِوَظَاْئِفِهِمْ، وَلَاْ يَقُوْمُوْنَ بَوَاْجِبَاْتِهِمْ،
وَيَكْثُرُ غِيَاْبُهُمْ ، وَيَتَكَرَّرُ اِسْتِئْذَاْنُهُمْ، وَتَكْثُرُ إِجَاْزَاْتُهُمْ
دُوْنَ عُذُرٍ شَرْعِيِّ، وَيَكُوْنُ ذَلِكَ عَلَىْ حِسَاْبِ تَعْطِيْلِ مَصَاْلِحِ
اَلْمُسْلِمِيْنَ وَأَعْمَاْلِهِمْ ، فَعَمَلُهُمْ مِنْ بَاْبِ عَدَمِ اَلْوَفَاْءِ
بِاَلْعُهُوْدِ ، وَاَلْتَّمَلُّصِ مِنْ اَلْعُقُوْدِ ، اَلَّذِيْ حَذَّرَ اَللهُ U
مِنْهُ .
وَمِنْ اَلَّذِيْنَ يَنْقُضُوْنَ
غَزْلَهُمْ، وَيَقَعُوْنَ بِهَذِهِ اَلْجَرِيْمَةِ اَلْنَّكْرَاْءِ -أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- اَلْزَّوْجَةُ اَلَّتِيْ تَعِيْشُ مُسْتَقِرَّةً مَعَ زَوْجِهَاْ، اَلَّذِيْ اِسْتَحَلَّ
فَرْجَهَاْ فِيْ مِيْثَاْقِ اَللهِ U،
وَلَكِنَّهَاْ تَنْقِضُ ذَلِكَ بِنَكَدِهَاْ، وَكَثْرَةِ تَشَكِّيْهَاْ ، وَخَلْقِهَاْ
لِلْمَشَاْكِلِ اَلَّتِيْ تُفْضِيْ إِلَىْ طَلَاْقِهَاْ، وَتُنْهِيْ حَيَاْتَهَاْ
اَلْزَّوْجِيَّةِ ، بِسَبَبِ وَسَاْوُسِ شَيَاْطِيْنَ اَلْجِنِّ وَاَلْإِنْسِ، أَوْ
بِسَبَبِ بَعْضِ اَلْسُّلُوْكِيَاْتِ اَلَّتِيْ تَتَوَرَّطُ بِهَاْ لِضَعْفِ عَقْلِهَاْ
وَقِلِّ دِيْنِهَاْ ، كَاَلْمُعَاْكَسَاْتِ ، وَاَلْعَلَاْقَاْتِ اَلْمَشْبُوْهَةِ
اَلْمُحَرَّمَةِ، اَلَّتِيْ هِيَ مِنْ بَاْبِ نَقْضِ عَهْدِ اَلْزَّوَاْجِ اَلْشَّرْعِيْ
، وَكَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا
طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ))
، وَلَيْسَ مِنْ اَلْبَأْسِ عَدَمُ حُضُوْرِ زَوَاْجِ صَدِيْقَتِهَاْ ، وَلَاْ شِرَاْءُ
أَحْدَثِ أَجْهِزَةِ اَلْجَوَّاْلِ لَهَاْ ، وَلَاْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّاْ تَقَعُ
فِيْهِ بَعْضُ سَفِيْهَاْتِ اَلْعُقُوْلِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلَّذِيْنَ يُشْبِهُوْنَ
تَلْكَ اَلْمَرَّأْةِ اَلْحَمَقَاْءِ ، بِنَقْضِ غَزْلِهَاْ ، اَلَّذِيْنَ يُمْضُوْنَ
عَدَدَاً مِنْ اَلْسِّنِيْنَ، فِيْ طَلَبِ اَلْعِلْمِ ، فَيَنَاْلُوْنَ بَعْضَ اَلْشَّهَاْدَاْتِ،
وَلَكِنْ لَاْ يَكُوْنُ لِعِلْمِهِمْ اَثَرٌ فِيْ حَيَاْتِهِمْ ، حَيْثُ لَاْ فَرْقَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اَلْجُهُلَاْءِ اَلْسُّفَهَاْءِ ، وَاَلْنَّبِيُّ e
يَقُوْلُ فِيْ اَلْحَدِيْثِ: (( لَا
تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ
خِصَالٍ: عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ؟
وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ أَكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ
عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ )) فَلْنَتَّقِ اَللهَ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ
، وَلْنَحْذَرْ مَاْ حَذَّرَنَاْ اَللهُ U
مِنْهُ ، فَلَاْ نَكُوْنُ }
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا {
.
بَاْرَكَ
اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ
فِيْهِ مِنْ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ
اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ
لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ
وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ
لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً
عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ
عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
قَبْلَ أَيَّاْمٍ، وَدَّعْنَاْ
شَهْرَ رَمَضَاْنَ، وَدَّعْنَاْهُ بِعْدَ أَنْ أَوْدَعْنَاْهُ ، بَعْضَ اَلْأَعْمَاْلِ
اَلْصَّاْلِحَةِ، مِنْ صِيَاْمٍ وَقِيَاْمٍ وَنَفَقَةٍ وَتِلَاْوَةِ قُرَّآنٍ وَغَيْرِ
ذَلِكَ. فَيَنْبَغِيْ لَنَاْ أَنْ نُحَاْفِظَ عَلَىْ أَجْرِ هَذِهِ اَلْأَعْمَاْلِ، وَنَحْذَرَ كُلَّ اَلْحَذَرِ مِمَّاْ يَكُوْنُ سَبَبَاً فِيْ إِحْبَاْطِ ثَوَاْبِهَاْ
، فَنَكُوْنُ كَتِلْكَ اَلْمَرَّأْةِ اَلْحَمْقَاْءِ، اَلَّتِيْ تَقُوْمُ بِنَقْضِ
غَزْلِهَاْ بِنَفْسِهَاْ ، فَتَذْهَبُ تِلْكَ اَلْحَسَنَاْتُ ، وَتِلْكَ اَلْأُجُوْرِ
هَبَاْءً مَنْثُوْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَلَكِيْ نُحَاْفِظَ عَلَىْ
حَسَنَاْتِنَاْ، يَجِبُ عَلَيْنَاْ أَوْلَاً أَنْ لَاْ نَغْتَرَّ بِمِقْدَاْرِ أَعْمَاْلِنَاْ، وَأَنْ لَاْ يَجِدُ اَلْعُجْبُ مَدْخَلَاً إِلَىْ قُلُوْبِنَاْ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ
اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e:
(( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ
عَمَلُهُ الْجَنَّةَ )) . قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ: (( وَلَا أَنَا، إِلَّا
أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ )) ، وَجَاءَ
سَائِلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ, فَقَالَ لابْنِهِ: أَعْطِهِ دِينَارًا ,
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكَ يَا أَبَتَاهُ , فَقَالَ : لَوْ
عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً وَاحِدَةً , أَوْ صَدَقَةَ
دِرْهَمٍ وَاحِدٍ , لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنَ الْمَوْتِ ,
أَتَدْرِي مِمَّنْ يَتَقَبَّلُ اللَّهُ ؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ .
وَكَذَلِكَ - أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ - لِنُحَاْفِظْ عَلَىْ حَسَنَاْتِنَاْ، عَلَيْنَاْ أَنْ نُبْعِدَ عَنْ
آفَاْتِهَاْ، وَنَحْذَرَ اَلْوُقُوْعَ بِمُحْبِطَاْتِهَاْ، وَمِنْ ذَلِكَ إِنْتِهَاْكُ
اَلْمُحَرَّمَاْتِ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e:
(( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ
أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ
بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا )) قَالَ
ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ
نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ e:
(( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ
وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ
وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
.
وَكَذَلِكَ ـ أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ ـ لِنُحَاْفِظْ عَلَىْ حَسَنَاْتِنَاْ ، عَلَيْنَاْ أَنْ نَحْتِرَمَ
حُقُوْقَ غَيْرِنَاْ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ قَاْلَ e: (( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ
قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ، فَقَالَ:
إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي: يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ
وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا
مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ )). فَمُعَاْمَلَتُنَاْ اَلْسَّيِّئَةُ لِإِخْوَاْنِنَاْ اَلْمُسْلِمِيْنَ، تَكُوْنُ
وَبَاْلَاً عَلَىْ حَسَنَاْتِنَاْ، وَسَبَبَاً مِنْ أَسْبَاْبِ عَدَمِ اَلْاِسْتِفَاْدَةِ
مِنْهَاْ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ .
أسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ
عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً خَاْلِصَاً ، وَسَلَاْمَةً دَاْئِمَةً ، إِنَّهُ
سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ اَلْهُدَىْ وَاَلْتُّقَىْ وَاَلْعَفَاْفَ
وَاَلْغِنَىْ . اَلْلَّهُمَّ أَحْيِنَاْ سُعَدَاْءَ ، وَتَوَفَّنَاْ شُهَدَاْءَ وَاَحْشُرْنَاْ فِيْ زُمْرَةِ اَلْأَتْقِيَاْءِ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ
اَلْرَّاْحِمِيْنَ ، الْلَّهُمَّ إِنَاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ الإِسْلَاْمِ وَعِزَّ
المُسْلِمِيْنَ ، الْلَّهُمَّ احْمِيْ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاجْعَلْ هَذَاْ
الْبَلَد آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ المُسْلِمِيْن . الْلَّهُمَّ
وَفِّقْ وِلَاْةَ أُمُورِ المُسْلِمِيْن لِهُدَاْكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ
بِرِضَاْكَ ، وَارْزُقْهُم الْبِطَاْنَةَ الْصَّاْلِحَةَ وَأَبْعِدْ عَنْهُم
بِطَاْنَةَ الْسُّوءِ يَاْرَبَّ الْعَاْلَمِيْن الْلَّهُمَّ مِنْ أَرَاْدَ
الإِسْلَاْمَ وَالمُسْلِمِيْنَ بِسُوْءٍ الْلَّهُمَّ اَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ،
وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ تَدْمِيْرَاً لَهُ
يَاْرَبَّ الْعَاْلَمِيْن . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
.
عِبَاْدَ
اَللهِ :
}
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
{ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْن .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|