دعاء
عظيم جامع
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وراقبوه,
واتَّبِعوا رسولَهُ محمدا صلى الله عليه وسلم, الذي ما تَرَكَ خَيْراً إلا بيَّنَه
ودَلَّنا عليه, وما تَرَكَ شراً إلا بيَّنَه وحذَّرَنا منه. أَلَا وإنَّ من الخيرِ
الذي بَيَّنَه ودَلَّنا عليه: الدعاء, فإنه من أعظمِ الأبوابِ التي يَلِجُها الْمؤمِنُ,
كَيْ يَحْصُلَ على مصالِحِه الدينيةِ والدُّنْيَوِيَّة, خُصُوصاً في الفِتَنِ
والتِباسِ الأُمُورِ, فإِنَّ الدُعاءَ فيها سِلاحٌ لا يَسْتَغْنِي عنه المُؤمِن,
ومِمَّا عَلَّمَنا في شأْنِ الدعاء: أن يكونَ من الْجَوَامِعِ التي لا تَتْرُكُ شيئاً
مِنْ خَيْرَيِ الدنيا والآخِرة إلا شَمَلَتْه. ومن ذلك: ما رواهُ الإمامُ أحمدُ عن
عائشةَ رضي اللهُ عنها أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عَلَّمَها هذا الدعاء:
( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ, عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ
عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ،
وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ،
وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا ).
إنه دعاءٌ عظيمٌ, واسِعُ الْمَعْنَى, جامِعٌ
شامِلٌ, احْتَوى على أَجَلِّ الْمَقاصِدِ وأعْلَى الْمَطالِبِ, لأنه ما مِن خَيْرٍ
يَتَمَنَّاه الْمُؤْمِنُ مِمَّا يَعْلَمُه, ومِمَّا لا يَعْلَمُه, في أَمْرٍ
الدنيا والآخرةِ, إلا وَقَد دَخَلَ فيه.
فَقَوْلُهُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ, عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ ): أي: اللهم أعطِنِي مِنْ جَمِيعِ أَنواعِ الخَيرِ, مِن غَيْرِ
تَحْدِيد, ما أَعْلَمُه, وما لا أَعْلَمُه, في عاجِلِ أمْرِي. في الدنيا, في
حاضِرِ أيامِي ومُسْتَقْبَلِي, وعِنْدَ مَوتِي وفي قَبْري, وفي الآخِرة. والتي لا
أسْتَطيعُ تَحْصِيلَها إلا بِتَوفيقِكَ وَحْدَكَ لا شريكَ لك, فإنه لا حَوْلَ لي
ولا قُوَّةَ إلا بك.
( وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ
عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ): أي: اللَّهمّ
أَجِرْنِي واعْصِمْنِي مِن جميعِ الشرورِ الظاهِرَةِ والخَفِيَّة, العاجلةِ في
دُنياي, حاضِرِي ومُسْتَقْبَلِي إلى أنْ ألقاك, وفي قَبْرِي ويومَ القيامة، التي
أعْلَمُ منها، والتي لا أعْلَمُها.
( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ
مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ
بِكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ): وهذا تأكيدٌ لِما سَبَقَ من الدعاء, ولِأنَّ
الداعِيَ بِهذا الدُّعاءِ, يُقِرُّ ويَعْتَرِفُ بِأنَّ دُعاءَ رسُولِ اللهِ صلى
اللهُ عليه وسلم, خَيْرٌ مِن دعائِه, واختِيارُهُ خيرٌ من اخْتِيارِه. ولأنه
يَشْمَلُ كُلَّ ما فاتَ العَبْدَ مِنْ أدعِيةِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم, التي
لَمْ تَبْلُغْهُ ولَمْ يَسْمَعْ بها. سواءً في سُؤالِ الخيرِ, أو الاستِعاذَةِ من
الشُّرُور, بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وأَشْمَلِ مَعْنَى.
وفي قوله: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ
مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ): سُؤالٌ جامِعٌ
عَظيم, يَتَضَمَّن سُؤالَ اللهِ دُخُولَ الْجنَّةِ دارِ السلامِ والنَعِيمِ
الدائِمِ الآمِن, وسُؤالَ اللهِ التَوفيقَ في الْحياةِ الدنيا للقيامِ بالأسبابِ
الْمُوصِلَةِ إلى الجنَّة. وكذلكَ يَتَضَمَّنُ سُؤالَ اللهِ وِقايَةَ النارِ
والسلامةِ مِنها, ومِن الأسبابِ الظاهِرَةِ والخَفِيَّةِ المُوجِبَةِ لِدُخُولِ
النار.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ
عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا
اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ
وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عبادَ الله: وفي آخِرِ هذا الدُّعاءِ العَظيم,
قَوْلُهُ عليه الصلاةُ والسلام: ( وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ
قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا ): أي: أَسْأَلُكَ يا اللَّه أن تَجْعَلَ عَوَاقِبَ كُلِّ
قضاءٍ تَقْضِيهِ لِي خيراً.
إِنْ قَضَيتَ لِي أَمْراً يَسُرُّنِي:
فاجَعَلْ عاقِبَتَه حَمِيدةً سارَّةً مُفْرِحَةً.
وكذلكَ فيما يَسُوؤُنِي مِنَ القضاءِ:
فارْزُقْنِي الرِضا والصَّبْرَ واجْعَلْ عاقِبَةَ كُلِّ ما يَسُوؤُنِي مِن القضاءِ
عاقِبَتُهُ حَميدَةً مُفْرِحة. لأن كُلَّ الفوزِ والغنيمةِ في الرضا بقضائِك, فإنك
لا تقضي للمؤمن إلا خيراً، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( عجباً لِأمْرِ
المؤمن، إنَّ أَمْرَه كُلَّهُ خَيْر، ولَيْسَ ذلكَ لِأَحَدٍ إلا لِلمُؤْمِن، إِنْ
أَصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَر، فَكانَ خيراً لَهُ، وإنْ أَصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ
فكانَ خَيْراً لَه ).
فَيَا لَهُ مِن دعاءٍ جامِعٍ عظيم, يَنْبَغي
للمسلمِ أن يُحافِظَ عليه, ويَعَلِّمَه مَن يُحب, خُصوصاً الأهلَ والأولادَ.
اللهم
إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر
كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك
, و نعوذ بك من شر ما استعاذ به عبدك ونبيك , اللهم إنا نسألك الجنة و ما قرب
إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل , و نسألك أن
تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا.
اللهم
أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع كلمتهم واجعل رايتهم
واحدةً ، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب
المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم
على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم
احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم
انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا،
اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وقوي عزائمهم واشف مرضاهم
وتقبل موتاهم في الشهداء، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم
أصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين.
اللهم
أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت
لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً،
نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك
وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد
والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا
نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم
صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |