المؤمن مرآة المؤمن
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا اللهَ تعالى وآمِنُوا
بِرَسولِه، واعلمُوا أن فَضْلَ اللهِ واسِع، وَدِينَهُ شامِلٌ جامِع. وقَدْ أَنزلَ
كِتابَه تِبيانا لِكُلِّ شيء، وأَعْطَى رَسولَه صلى اللهُ عليه وسلم جَوَامِعَ
الكَلِم، لِتَنْهَلُوا مِن سُنَّتِه، وتَأخُذُوا مِن مِشْكاتِه ما فِيهِ صَلاحُ
أَمْرِ دِينِكُم ودُنْياكُم دُونَ عَناءٍ أو كَلَفَة. وَمِنْ جوامِعِ كَلِمِهِ صلى
اللهُ عليه وسلم قَولُه: ( المُؤْمِنُ مِرآةُ أخيه )، وفي لَفْظٍ آخر: (
المُؤْمِنُ مِرْآةُ المؤمِن ).
حديثٌ عَظيمٌ وَجِيزٌ قَلِيلُ الألفاظ، لَكِنَّه واسِعُ الْمَعْنى، كثيرُ الفوائِدِ لِمَن تَأَمَّلَه.
فيه وَصْفٌ: للمُؤْمِنِ الكامِلِ الصادِقِ
في إيمانِه، وَتَذْكِيرٌ لِكُلِّ مُؤمِنٍ بأن الإيمانَ لا يَكْتَمِلُ في قلبِه
حَتى يَكونَ كذلك.
تَصَوَّر يا عَبْدَ الله أَنَّكَ تَنْظُرُ
في مِرآة!! فإنّكَ لَن تَرى إلا صُورَتَك على حقيقَتِها وطَبيعَتِها في واقِعِ
الأمْر، لأنَّ الْمِرْآةَ صَريحةٌ وصادِقَةٌ، لا تَعْرِفُ الكَذِبَ ولا النِّفاقَ
ولا الغِشَّ والخِداعَ، ولا الشحناءَ ولا الحِقْدَ والحَسَد، لأنها تَذْكُرُ
العَيْبَ كَما هُو، لا تُصَغِّرُه ولا تُكَبِّرُه، ولا تأْخُذُ العَيْبَ في
قَلْبِها، ولا يَنْطَبِعُ في صَدْرِها شيءٌ، بَلْ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَةِ
الناظِرِ إليها يَذهَبُ ما عَكَسَتْهُ من المَعايِبِ. وهكذا المُؤْمِنُ الكامِلُ
في إيمانِه، صادقٌ مَعَ أخيهِ المؤمِن، لا يَكْذِبُ عليه، ولا يَغُشُّه ويخْدَعُه
ولا يُبْغِضُه ولا يَحْقِدُ عليه ولا يُنافِقُ.
ومن صفات المِرْآةِ: أنَّها عادِلَةٌ في
وَصْفِ الشَّيءِ، تُعْطِيِهِ حَقَّه مِن غَيرِ زيادَةٍ أو نَقْصِ. وهكذا
الْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أن يكونَ كذلك، لا
يمدحُ أَحَداً بما ليسَ فيه.
ومن صفاتِ المِرآةِ: أنها تُظهِرُ لك العيبَ
واضحاً لِتراه، وتَذْكُرُ العَيْبَ وتَذْكُرُه وَجْهاً لِوَجْه، فلا تَحْكي
العُيُوبَ مِن ورائِكَ وخَلْفِك.! ثُمَّ إذا فارَقْتَها فإنَّ صُورَتَكَ تَذْهَبُ
مَعَك ولا تبقى فيها، لأن المِرآةَ لا تَعكسُ صورتَك إلا في حُضُورِكَ، فإذا غِبتَ
زالتْ صورتُكَ، وهكذا المؤمنُ يحفظُ أخاهُ في غيابِه ويسترُ عُيوبَه، ولا
يَغْتابُه، ولا يَذْكُرُ عُيُوبَه إلا أمامَه، لأنَّ المَقْصُودَ إِصْلاحَه
بالخُصُوصِ، لا ازْدِراءَهُ وتَحْطِيمَه.
ومِن صِفاتِ المِرْآةِ: أَنّها لا تُريكَ
إلا الظَّاهرَ، ولا تَتَدَخَّلُ في السَّرَائِرِ، لأنَّ السَّرِائِرَ أَمْرُها إلى
اللهِ وَحْدَه، فهي سَتَّارةٌ لِلعُيُوبِ الخَفِيَّة، لا تُظْهِرُ ما سَتَرَه
الله، وهكذا المؤمنُ سَتّاَرٌ لِلعُيُوب، يُعاملُ النَّاسَ بما يظهرُ منهم، ولا يتكلَّفُ
بواطنَ الأمورِ، فلا تجدُ المؤمنَ إلا وهو يُحسنُ الظَّنَّ بأخيه، ويَلْتَمِسُ
لِخَطَئِهِ عُذراً، ولا يُفَتِّشُ عن المَخْفِي.
وَمِنْ صِفاتِ المِرْآة: أَنّها كالْمُسْتَشارِ
الخاصِّ، كُلَّما أرادَ الإنسانُ أَنْ يَنْظُرَ إلى شَخْصِهِ وهَلْ في وَجْهِهِ وبَدَنِه
عُيُوبٌ، أَوْ أرادَ أَنْ يَذْهَبَ إلى مُناسَبَةٍ تَحْتاجُ إلى تَجَمُّلْ، فإنَّه
يَذْهَبُ إلى المِرآة. وهكذا المُؤْمِنُ الصادقُ الناصِحُ، يُحِبُّ المُؤْمِنُونَ
استِشارَتَه ونصيحتَه وتَوْجِيهَه كُلَّما احتاجُوا إلى ذلك.
ومِن صفاتِ المِرآة: أَنَّها تَتَعامَلُ
مَعَ الجَميعِ على السَّواء، لا تُفرِّقُ بينَ صَغِيرٍ وكَبيرٍ، وجَمِيلٍ وقَبيح، وغَنيٍّ وفقير، وشَريفٍ وَوَضِيع، بَل تُعْطي كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، فَلَو
اجْتَمَعَ أَمامَها كُلُّ أَصْنافِ البَشَرِ في وقتٍ واحِدٍ لأَعْطَت كُلَّ ذِي
حَقٍّ حَقَّه، لأنَّها مُخْلِصَةٌ في بيانِ العُيُوبِ والمَحاسِن. وهكذا ينبغي أنْ
يكونَ المؤمن.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً
عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ الله: اتقوا اللهَ تعالى، والزَمُوا
الصِّدْقَ في أقوالِكم وأعمالِكم، فإنه علامةٌ على صدقِ الإيمان، واحذروا الكذبَ
فإنه من أقبح الخصالِ وأبرَزِ علاماتِ النفاق الظاهرة. يقول النبيُّ صلى اللهُ
عليه وسلم: ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ،
وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ
وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ،
فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى
النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى
يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ).
وهذا دليلٌ على أن الصِّدْقَ في القَوْلِ
والعملِ سَبَبٌ لصلاحِ العبدِ وهدايَتِه. والكذِبَ سَبَبٌ لِضلالِ العبدِ
وانحرافِه.
ويَدُلُّ أيضاً على أن مُجاهَدةَ النفسِ في
مُلازَمَةِ الصدقِ في الأقوالِ والأعمالِ والتعامُلاتِ والبيعِ والشراءِ
والمواعيدِ والعُهودِ والمواثيقِ. سَبَبٌ لِنَيلِ المراتِبِ العالِيَةِ في الجنة، ألا وهي مراتِبُ الصِّدِّيقين.
اللهم
طَهِّر قُلُوبَنا من النفاقِ وأعمالَنا من الرياءِ وألسِنتَنا من الكذبِ وأعيُنَنا
من الخيانة، إنك تعلم خائِنَةَ الأعْيُنِ وما تُخفي الصُّدُور.
اللهم أَلِّفْ بينَ قُلُوبِنا وأصلِحْ ذاتَ
بينِنا واهدنا سُبُلَ السلام، ونَجَّنا من الظُّلُماتِ إلى النُّور يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير
والموت راحة لنا من كل شر، اللهم
آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل
باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع
رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم
احفظ لبلادنا أمنها، واحفظها ممن يكيد لها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين.
اللهم
أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت
لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء
أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله
إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً
ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً
غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك
الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ
به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من
جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا
محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |