القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 5836 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 31757 لهذا الشهر : 137882 لهذه السنة : 2713224 منذ البدء : 17377063 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (51): باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه المادة خطبة رقم (51): باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه. الحمد لله، ذي الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، الرب الذي ربى جميع خلقه بأصناف النعم والتدبير والتقدير، وربى أولياءه بتيسيرهم لليسرى وإصلاح أحوالهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ الأول الذي ليس قبله شيء؛ الأخِرُ الذي ليس بعده شيء؛ الباطن الذي ليس دونه شيء؛ الظاهر الذي ليس فوقه شيء؛ وهو اللطيف الخبير، لَطُفَ عليمًا خبيرًا فأخرج الخبايا والخفايا، وما أضمرته السرائر وأَكَنَّتْهُ الصدور؛ ولطف بأصفيائه، فأوصلهم إلى المنازل العالية والكرامات الغالية، بأسباب وطرق وهم لا يشعرون، ولطف لهم فقدر أمورًا خارجة عن قدرهم وإرادتهم فيها رفعتهم وهم لا يعلمون؛ الكبير العظيم، الذي له الكبرياء والعظمة والجلال والمجد، فتعالى عن الند والنظير، وسبحان الله عما يقول الظالمون مما ينافي عظمته وكبريائه علوًا كبيرًا: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111] القدوس السلام؛ السالم من كل عيب ونقص، الذي ملأت مهابته وعظمته قلوب العارفين به، المذعنين لكبريائه، الخاضعين لجلاله، الملك المالك للعالم العلوي والسفلي؛ فهو المدبر لهم بأحكامه القديرة والشرعية والجزائية بعدله وفضله وحكمته، وإتقان نظامه، الرحمن الرحيم الرءوف الكريم، الذي وسعت رحمته كل شيء، وغمر جميع المخلوقات بآلائه وفضله وإنعامه، وخص المؤمنين برحمته، فهداهم إلى الصراط المستقيم، وأوصلهم بذلك إلى السعادة الأبدية والفلاح السرمدي في دار النعيم، الحميد الذي له المحامد كلها والمدائح لما له من صفات الكمال، ولما أوصله إلى خلقه من العدل والأفضال، والعطاء المتنوع وأصناف النوال؛ الواحد الأحد المتفرد بالوحدانية، وهو الكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات؛ فليس له فيها مثيل ولا شريك من جميع الموجودات، الصمد الذي قصدته المخلوقات في حاجتها، وفزعت إليه في مهماتها وملماتها؛ لعظمته وسؤدده وسعة أوصافه التي انتهت إليها الغايات والنهايات؛ الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، فكل الخلق فقيرون إليه في جميع حالاتهم؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الغفور الشكور؛ العفو عن السيئات الصَّبُور، مولي النعم على الطائع وعلى العاصي الكفور؛ وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أعرف الخلق بالله وأتقاهم ,أكرمهم وأفضلهم في كل وصف حميد، وكل عمل مبرور وسعي مشكور. اللهم صل على محمد، وعلى آله وأصحابه، أولي الجد في طاعة مولاهم والأخذ بعزائم الأمور. أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، فإن أقدامكم وأجسامكم على النار لا تقوى. أيها المسلمون: الله - سبحانه - له التعظيم والكمال المطلق لا يشاركه فيه غيره، وكل لفظ يقتضي التعظيم والكمال لا يكون إلا لله وحده، فالتسمِّي بقاضي القضاة، أو ملك الأملاك، أو حاكم الحكام، ونحو ذلك من الصيغ التي تقتضي الكمال في الوصف؛ من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد، لأن الكمال لله - تعالى-، والتسمي بهذه الأسماء سوء أدب مع الله وجرأة عليه. في الصحيح عن أبي هريرة - t - عن النبي r قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله» قال سفيان: مثل شاهان شاه. أوضع الناس وأحطهم عند الله - عزَّ وجل - من تسمى باسم يحمل معنى العظمة والكبرياء الذي لا يليق إلا بالله كملك الملوك، وكحاكم الحكام، وسلطان السلاطين، وسيد السادات. وقد ورد النهي عن ذلك قياسًا على الحديث، لكونه شبهه في المعنى، وهذا كله صيانة وحماية لجناب التوحيد، والتسمي بهذه الأسماء يشمل ما إذا سمى نفسه، أو سماهُ به غيره فرضي بذلك. ولا يخفى ما في إطلاقه على غير الله من الجرأة على الله، وسوء الأدب معه، فإن كل لفظ يقتضي التعظيم والكمال، لا يكون إلا الله وحده. فالله - سبحانه - هو الذي يستحق هذا الاسم، فهو ملك الأملاك، ملكه دائم لا يزول، لا مالك أعظم ولا أكبر منه، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء﴾ [آل عمران: 26]. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله-: التكبر شرٌ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره. وفي الحديث دلالة على أن الله يبغض الأسماء التي فيها تعظيم وجبروت لا يليق إلا به، ويحب الأسماء التي فيها تذلل وخضوع، ولهذا جاء في الحديث عنه r: «إن أحب أسمائكم إلى الله؛ عبد الله وعبد الرحمن» [رواه مسلم]. عباد الله: إن الواجب على العبد أن لا يتسمَّى بأسماء فيها مشاركة للرب في عظمته وكماله؛ تأدبًا مع الله، وإعظامًا وإجلالاً له، وحماية لجناب التوحيد. وفي رواية: «أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه». أغيظ: من الغيظ، وأخبث: من الخبث، والغيظ مثل الغضب والبغض، فيكون بغيضًا على الله، خبيثًا عنده، مغضوبًا عليه، فاجتمعت في حقه هذه الأمور لتعاظمه في نفسه، وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم، فتعظمه في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل وضعه عند الله يوم القيامة، فصار أبغض الخلق إلى الله، وأخبثهم عنده، وأحقرهم لأن الخبيث البغيض عند الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم، لتعاظمه في نفسه على خلق الله، بنعم الله؛ عليه، عكس من تواضع لله، فإن الله يرفعه، وهذه من الصفات التي نؤمن بها ونثبتها على ما يليق بجلال الله وعظمته. إن المتسمِّى بالأسماء التي لا تُطلق إلا على الله يَقْصد بها التعاظم في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل، يُعامل بنقيض قصده يوم القيامة، فيكون أبغض الخلق إلى الله وأخبثهم عنده وأحقرهم، بخلاف من تواضع لله فإن الله يرفعه، فالجزاء من جنس العمل. قال شيخ الإسلام: والعبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارًا إليه وخضوعًا له؛ كان أقرب له وأعز له وأعظم لقدره، فأسعد الخلق أعظم عبودية لله. ومن اتقى الله - تعالى - تواضع له، ومن تكبر كان فاقدًا لتقواه ركيكًا في دينه، مشتغلاً بدنياه، فالمتكبر وضيع وإن رأى نفسه مرتفعًا على الخلق، والمتواضع وإن رُئي وضيعًا فهو رفيع القدر، ومن استشعر التواضع وعاشه، كره الكبر وبواعثه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 26]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله الذي أيد رسله بالمعجزات، وأرسى قواعد الملة بالبراهين والبينات، وحفظ الدين من البدع والضلالات، أمر بالخيرات ونهى عن المحرمات، أحمد ربي وأشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الهادي إلى رضوان الله وجنته، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحابته. أما بعد: فإن من صفات المؤمنين الإِنابة والإِخبات والتواضع وعدم الكبر؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63] أي: بسكينة ووقار، متواضعين، غير أشرين، ولا مرحين، ولا متكبرين. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله-: ذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم يمشون على الأرض هونًا، أي: ساكنين متواضعين لله وللخلق، فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة، والتواضع لله ولعباده. والتواضع علامة حُبِّ الله للعبد، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54]. قال ابن كثير - رحمه الله-: هذه صفات المؤمنين الكُمَّل، أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليِّه، متعزِّزًا على خصمه وعدوه. وقال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83]. قال عكرمة: العلو: التجبر، وقال سعيد بن جبير: بغير حق، وقال ابن جريج: ﴿لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ﴾ تعظمًا وتجبرًا. وعن علي - t - قال: إن الرجل ليُعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وقال - عز وجل - حاثًا على مكارم الأخلاق، ومحذرًا من الكبر والعجب: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: بلين جانبك، ولطف خطابك، وتوددك إليهم، وحسن خلقك والإِحسان التام بهم. وقال - تعالى - حكاية عن لقمان - u - وهو يعظ ابنه: ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18]. قال ابن عباس: لا تتكبر، فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم إذا كلَّموك. وفي القرآن الكريم آيات تمدح المتواضعين، وتتوعد المتكبرين، وتبين أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13] فالعبرة بالتقوى وليست بالعلم أو المال أو الحسب أو السلطان، فإن اقترن واحد من هذه بالتقوى كان خيرًا عظيمًا وإن عري عنها كان سببًا لاستحقاق العذاب الأليم، فكم من مال أودى بصاحبه في المهالك، وكم من سلطان يكون في النار مع فرعون وهامان، وكم من عالم تُسعر به النار قبل غيره، فالتقوى هي قطب الرحى في جميع الأمور، وليس لأي من تلك الأمور السالفة فضيلة إلا باقترانها بالتقوى. ومن منازل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ منزلة «التواضع».
التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|